تصدت الإرادة العربية، في تحالف غير معلن، لأحلام الرئيس التركي أردوغان، وبدأت العمل على تحجيمها ودفعها سياسياً ودبلوماسياً.
يبدو أن النصف الثاني من العام 2020 قد بدأ يأخذ لوناً أكثر إشراقاً وحيوية مما كان عليه في نصفه الأول، فأصبحت البشرية أكثر وعياً، وراحت عجلة التصحيح تعمل بنشاط فاعل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعادت القوى الدولية لسباق التنافس الذي يعيد بناء الأمل في مستقبل مشرق.
لاحت أول ملامح التحول بين شطري العام 2020 بعد إطلاق الإمارات «مسبار الأمل» إلى المريخ، فتفتحت شهية العالم للتحقق من هذه الإرادة الإماراتية الجبارة التي لم تزرع في قلب الفضاء المظلم نوراً علمياً متفوقاً فحسب، بل زرعت في قلوب البشرية الأمل العظيم بأن مواجهة الأزمات الخانقة لا تزال ممكنة ومتاحة لمن يمتلكون الإرادة والمثابرة وروح التحدي المفعمة بالعطاء.
في الجانب السياسي، شهد النصف الثاني من العام 2020 تحوّلين أساسيين، حيث التأمت الإرادة العربية في مواجهة الطغيان العثماني الذي راح يتمدد من سوريا إلى ليبيا، فوقفت مصر ومعها الإمارات والسعودية ودول أخرى، لوقف الخطط التركية التي تآمرت مع الإخوان لتمرير مشروعها التوسعي في الإقليم ومحاولة السيطرة على منابع النفط الليبية.
وتصدت الإرادة العربية، في تحالف غير معلن، لأحلام الرئيس التركي، أردوغان، وبدأت العمل على تحجيمها ودفعها سياسياً ودبلوماسياً للتراجع إلى ما قبل خطوط التماس، وفي ذات الوقت، كانت الكلمة الفصل للتلويح بالاستعداد الكامل للاشتباك، إذا اقتضى الأمر، بأن «سرت والجفرة خط أحمر»، فحصل الجيش المصري على التفويض الشعبي لمناصرة الجيش الوطني الليبي، وإنقاذ ليبيا من براثن الميليشيات والمرتزقة والإخوان الإرهابيين.
لم يتوقع الأتراك، خلال اللقاءات في الغرف السرية وتخطيط التآمر على ليبيا، أن يواجهوا اليد العربية الحاسمة التي لم تهدد بقدر ما تشير إلى الحدود العليا والدنيا المسموحة والممنوعة، وعلى وقع ذلك، وبسبب التخبط والفوضى الداخلية التي تشهدها تركيا، والانهيار الاقتصادي والتراجع الكبير لشعبية أردوغان السياسية، وجدت تركيا نفسها في عزلة مرة أخرى، بعد أن حظي المشروع العربي بالدعم الدولي، وسلطت قوى العالم الضوء على كل ما يتحرك في البحر المتوسط، الذي حاول أردوغان استباحته بنقل المرتزقة والبحث عن النفط وإعادة تخطيطه وترسيمه على هواه.
التحول الثاني الذي أثلج الصدور، هو التقدم الملفت في إعلان تسريع اتفاق الرياض، فبذلت المملكة العربية السعودية جهوداً جبارة ومباركة وبدعم من الإمارات لرأب الصدع بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي وتخفيف التصعيد الذي افتعله «الإخوان» في الجنوب وتفعيل الاتفاق بتعيين محافظ ومدير أمن لعدن وكذلك العمل وفي غضون شهر لتعيين حكومة كفاءات مناصفة بين الشمال والجنوب.
في النصف الثاني من العام 2020 تتقدم قوى الخير والسلام، تواجه جائحة «كورونا» وتتحدى الأزمات وترفع رايات العلم والتسامح والتسريع في النمو الاقتصادي وحفظ الأرض العربية من براثن المتآمرين وأحلام العابثين، ويتراجع الجهل وقوى وميليشيات الإرهاب والتطرف وتقف حائرة مهزومة أمام هذه الإرادة الصلبة التي تتآلف وتتوافق لما فيه خير للناس والبشرية جمعاء.
لم ينتهِ العام 2020 بعد، وما زال هناك الكثير من العمل، على المستوى الفردي أو الجماعي، وكذلك على مستوى الدول أو الإقليم أو العالمي، ولا شك أن النموذج الذي وضعته الإمارات في التعامل مع الأزمات ومواجهة التحديات، والذي أشادت به الهيئات والجهات الدولية، وحظي بالإعجاب الشديد، يصلح أن يكون كتاباً للبشرية، يشرح كيف يمكن صناعة الأمل وكيف تكون الإرادة الصلبة المثابرة، القادرة على تحقيق المعجزات.
نقلا عن "البيان الإماراتية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة