هناك دروس عديدة على القائمين بالإدارة الاقتصادية والمالية في بلادنا العربية الاستفادة منها، وتختلف هذه الدروس من بلد لآخر
كتبت في هذا المكان من أسبوعين عن موقع الاقتصادات العربية في تقرير التنافسية العالمي الذي يصدره المنتدى الاقتصادي دافوس، وأكتب اليوم عن موضوع مماثل وهو موقع تلك الاقتصادات في التقرير الذي أصدره البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية عن ممارسة أنشطة الأعمال في العالم 2020 doing business 2020 . ومن الضروري متابعة مثل هذه التقارير وذلك للمقارنة بين أداء اقتصاداتنا واقتصادات الدول الأخرى، ومعرفة جوانب القوة والمنعة عندنا لكي نؤكدها ونركز عليها، وأيضا معرفة جوانب القصور حتى يمكن البحث عن أسبابها ومعالجتها وتجاوزها.
وهذا التقرير الذي صدرت نسخته الأولى عام 2003 أي من سبعة عشر عاما يهدف إلى دراسة العوامل التي تحفز على ازدهار النشاط التجاري وأداء الأعمال أو تلك التي تعوقه، بهدف تدعيم الكفاءة وحرية ممارسة الأعمال التجارية ومكافحة الفساد في اقتصادات العالم، وذلك بالاعتماد على عدد من المؤشرات الكمية الخاصة بالنظم التي تحكم الأنشطة التجارية وحماية حقوق الملكية.
وفي تقرير هذا العام تم تطبيق هذه المؤشرات على عدد 190 اقتصادا في كل قارات العالم، والمقارنة بينها وترتيبها وفقا لتلك المؤشرات.
نريد أن نستفيد من خبرات الآخرين وتجاربهم، وأن نبني على دروس النجاح التي حققوها. فالنجاح له سُبله وأساليبه وأدواته التي اختبرتها عشرات الدول, والفشلُ أيضًا له سبله وأساليبه وأدواته التي عرفناها وليس مطلوبًا منا إعادة اكتشاف العجلة.
أي أن التقرير يركز على أنشطة الشركات التجارية والعوامل المؤثرة على إنشائها ونشاطها واستمرارها، ويستخدم مؤشرات تتعلق بعشرة مجالات من دورة حياة النشاط التجاري، وهي: الموافقة على النشاط، والحصول على تراخيص البناء (إذا تطلب الأمر ذلك)، وإدخال الكهرباء، وإجراءات تسجيل الملكية، والحصول على الائتمان، وحماية المستثمرين، ونظم دفع الضرائب، والتصدير إلى الخارج، والالتزام بالعقود، وإجراءات مواجهة العسر المالي.
ومن الطبيعي أن تكون هذه المؤشرات ذات طابع عملي وتفصيلي؛ لأن نجاح النشاط التجاري والمالي لا يكون بالعبارات المرسلة أو الشعارات الفضفاضة، ولكن بتيسير الإجراءات المحددة التي تبدأ من السماح لشركة أو نشاط اقتصادي ما بالبدء وانتهاءً بإجراءات التعامل مع التعثر المالي والإفلاس، أي القواعد المتعلقة في البداية بدخول السوق وفي النهاية بالخروج منه.
ويثير ما تقدم دور الحكومة والأجهزة الرسمية المسؤولة عن إدارة الاقتصاد والنشاط التجاري عن وضع القواعد الميسرة والمشجعة له. وعلى وجه التحديد يناقش التقرير عدة موضوعات تتعلق بدور الحكومة: الأول هو دورها في تغيير القوانين والقواعد المنظمة لعمل القطاع الخاص، وهل يتم هذا التدخل بشكل متكرر وفي فترات متقاربة مما يؤدي إلى زيادة مساحة اللايقين وعدم التأكد من استمرار القواعد والإجراءات. والثاني هو، تبني الحكومات للتوصيات والإصلاحات الاقتصادية والمالية الصادرة عن الهيئات الاقتصادية الدولية أي التزامها بالمعايير العالمية في أداء الأعمال. والثالث هو الآثار التي يخلفها التوسع في التدخل الحكومي على النشاط الاقتصادي والاستثماري والمدى الذي يُمثله هذا التدخُل من منافسة الأنشطة الاقتصادية التي تديرها الدولة مع القطاع الخاص.
وفقًا للتقرير، فإن الدول العشر التي تصدرت الترتيب العالمي هي: نيوزيلاندا، وسنغافورة، والدنمارك، وهونج كونج، وكوريا الجنوبية، وجورجيا، والنرويج، والولايات المُتحدة، والمملكة المتحدة، ومقدونيا. ويُلاحظ أن هذه القائمة تضم خمس دول تقع في القارة الأوروبية وجوارها الجغرافي، وأربع دول تقع في آسيا وجوارها الجغرافي، فضلًا عن الولايات المتحدة.
أما عن ترتيب الاقتصادات العربية مقارنة بدول العالم، فإذا قسمنا إجمالي عدد الدول وهو 190 دولة إلى أربع مجموعات وفقًا لترتيبها في القائمة فسوف يتضح لنا أن المجموعة الأولى تشمل دولتين عربيتين فقط وهما الإمارات التي شغلت المركز الـ16 عالميا، والبحرين المركز الـ43. وهكذا تصدرت الإمارات الترتيب العربي كما تصدرت من قبل هذا الترتيب في تقرير المنافسة العالمي. وقد سجل التقرير أن دولة الإمارات حافظت على صدارتها للدول العربية للمرة السابعة على التوالي، وأنها كانت من بين أفضل عشر دول في العالم في أربعة مجالات من المجالات التي يغطيها التقرير. وشغلت المركز الأول عالميا وفقا لمؤشر سهولة الحصول على الكهرباء.
أما بقية الدول العربية فقد توزعت على المجموعات الثلاث الأخرى، فيوجد في المجموعة الثانية سبع دول هي: المغرب رقم 53، والسعودية 62، وسلطنة عمان 68، والأردن 75، وقطر 77، وتونس 78، والكويت 83. ويوجد في المجموعة الثالثة أربع دول هي: جيبوتي رقم 112، ومصر 114، وفلسطين 117ولبنان 143. ويوجد في المجموعة الرابعة ثماني دول هي: موريتانيا رقم 152، والجزائر 157، وجزر القمر 160، والسودان 171، والعراق 172، وليبيا 186، واليمن 188، والصومال 190. أي أن أكبر عدد من الدول العربية جاء في المجموعة الرابعة أي المجموعة التي تضم أسوأ اقتصادات من زاوية أداء الأعمال. وأن دولة عربية شغلت الموقع الأخير في القائمة، وسبقتها دولة أخرى بمركزين.
وبصفة عامة، تحسن أداء أغلب الدول العربية والذي بلغ عدد 11 دولة بفعل الإصلاحات الاقتصادية التي تم إدخالها، ومن ذلك السعودية التي حققت تحسنا بعدد 30 مركزا، وكانت أكثر الدول التي استطاعت الارتقاء بمركزها عالميا وتلاها مباشرة الأردن بعدد 29 مركزا، ثم البحرين بعدد 19 مركزا، والكويت بعدد 14 مركزا، وسلطنة عمان بعدد 10 مراكز، والمغرب بعدد 7 مراكز، وكل من مصر وقطر بعدد 6 مراكز، وجزر القمر بعدد 4 مراكز، وسوريا بعدد 3 مراكز، وتونس بعدد مركزين.
وتراجعت سبع دول في ترتيبها وهي: جيبوتي بعدد 13 مركزا، والسودان 9 مراكز، والإمارات 5 مراكز، وموريتانيا 4 مراكز، وكل من فلسطين ولبنان والعراق بمركز واحد. بينما حافظت الجزائر ، وليبيا، واليمن، والصومال على ترتيبها.
وهناك دروس عديدة على القائمين بالإدارة الاقتصادية والمالية في بلادنا العربية الاستفادة منها وتختلف هذه الدروس من بلد لآخر. ولكنها تتعلق كلها بمدى تيسير الإجراءات التي تضعها الدولة لبدء النشاط الاقتصادي وتوفير احتياجاته من أرض وكهرباء واستقرار النظم الضريبية وأسعار مُدخلات الإنتاج، وقوة النظام المصرفي ونظم الائتمان فيه، ونظم حماية الملكية. وهي أمور قد تبدو اقتصادية ومالية للوهلة الأولى ولكنها تتضمن بُعدًا سياسيًا يتمثلُ في الشفافية وسياسات الإفصاح المالي ومُكافحة سائر مظاهر الفساد والرشوة.
نُريدُ أن نستفيد من خبرات الآخرين وتجاربهم، وأن نبني على دروس النجاح التي حققوها. فالنجاحُ له سُبله وأساليبه وأدواته التي اختبرتها عشرات الدول، والفشلُ أيضًا له سبله وأساليبه وأدواته التي عرفناها وليس مطلوبًا منا إعادة اكتشاف العجلة.
وفي هذا فليتنافس المتنافسون..
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة