باسم فرات الفائز بجائزة قابوس: الأدب العراقي مزدهر رغم المأساة
الشاعر والكاتب العراقي باسم فرات يتحدّث في حوار مع "العين الإخبارية" عن تجاربه في الشعر وأدب الرحلات ورؤيته للمشهد الثقافي في العراق.
أعرب الشاعر والكاتب العراقي باسم فرات عن سعادته الغامرة لفوزه بجائزة السلطان قابوس للثَّقافة والفنون والآداب، فرع أدب الرحلات.
وقال فرات في حوار مع "العين الإخبارية": "الجائزة منحتني فرصةً ثمينةً أنْ أعكف مستقبلًا على مشروعي الإبداعي، بما في ذلك التصوير الفوتوغرافي".
وأكد أنّ الأدب العراقي لا يزال عامراً بالأسماء المميزة ويعيش حقبة من الازدهار رغم المأساة السياسية.
باسم فرات أصدر عبر مسيرته 8 مجموعات شعرية، و3 مختارات شعرية، و3 مجموعات شعرية بالإنجليزية، ومجموعة شعرية واحدة بالإسبانية، و5 كتب في أدب الرحلات، وكتابًا واحدًا في السيرة الذاتية، وإلى نص الحوار.
كيف استقبلت خبر الفوز بالجائزة؟
لا أحد ينكر فرحه حين يفوز بجائزةٍ ما، ومَن ينكر قيمتها فهو يجافي الحقيقة، لأنَّ المال ضمانة للمبدع كي يستمرّ في مشروعه الإبداعيّ، وجائزة السُّلطان قابوس للثَّقافة والفنون والآداب، منحتني فرصةً ثمينةً أنْ أعكف مستقبلًا على مشروعي الإبداعي، شعرًا وأدبا رحلات، بل في مجال التصوير الفوتوغرافي، كما أنني فرحٌ لأن الجائزة كرستني بصفتي واحدًا من أبرز كُتّاب أدب الرحلات، وستلقي الضُّوء على قيمة هذا الأدب بما يشجع الناس على تدوين رحلاتهم.
حدثّنا عن أدب الرحلات.
إنَّ كلَّ كتابة تخلو من المتعة تخلو من الإبداع، وأوَّل مميزات الأدب هي المتعة، وكاتب أدب الرِّحلات هو أديبٌ قبل كلِّ شيءٍ، يتميِّز بمَلكَةِ الرَّصد، يرصد حتَّى دقائق الأمور، الملابس، التَّكوين الجسمانيّ للنَّاس واختلافاتهم، العادات والتَّقاليد والسُّلوكيات في الشَّوارع، ويقارن بينها على أسس المحبَّة وليس التَّفوُّق، فلا وجود لشعبٍ أو قوميَّةٍ أو إثنيَّةٍ أعلى أو أدنى من الأخرى.
مجموع هذه الالتقاطات تُشكِّل حين صبّها بأسلوبٍ أدبيٍّ متعةً تفتن القارئ. فأدب رحلات بلا متعة ودهشة وفتنة ويخلو من أسلوب الكاتب وتجربته الشَّخصيَّة ومن المعرفة، لم يعد أدب رحلات، إنَّما هو تجميعٌ من محرك البحث "جوجل" لا أكثر.
هل باتتْ الجوائز تشكِّل دليلًا على مستوى إبداعيَّة المنتج الأدبيّ؟
الجوائز أفضل الطرائق أو السُّبل لإطفاء ديون المبدع، وحثّه على الانحياز أكثر لمشروعه والانحناء بدأب لتطويره والإخلاص له، والشَّاعر بل المبدع بعامَّةٍ قد تقتله الجوائز إذا اعتقد أنَّ حصوله على جائزةٍ أو أكثر، قد أصبح رمزاً، ووصل إلى نهاية الطريق، وهذا ما حدث لعددٍ كبيرٍ من الشُّعراء والأدباء، فقد خفتتْ جمرة الإبداع في كتاباتهم بعد حصولهم على جائزة أو أكثر، إذ يجب على الشَّاعر أنْ يشعر بمسؤوليَّة عالية كلما كتبَ عنه ناقدٌ أو حصل على جائزة بل حتَّى على ثناءٍ وإنْ كان في مقهى.
لماذا اخترتَ كتابة الشِّعر في زمن يراه بعضهم زمن الرِّواية؟
بدأتُ بكتابة الشِّعر مبكِّرًا جدًّا، والشِّعر اختارني ولم أختره، لأنَّ طفلًا في الثَّامنة من عمره ينصت بجوارحه كلّها إلى معلمه في العمل "كنت أشتغل حَذَّاءً عند صديق أبي" وهو يقرأ الشِّعر المنشور في جريدة طريق الشَّعب، والتي كان يبعثني لشرائها له يوميًّا، أقول بهذا العمر المبكِّر لا يعني إلَّا أنَّ الشِّعر اختارني؛ لست معنياً بزمن من هذا الزمن، للرِّواية أم الشِّعر أم أي شيء آخر، فأنا أكتب لأنِّي معنيٌّ بالشِّعر ومهووسٌ به، عالمي هو وفيه أجد ذاتي وسلوتي ومتعتي وشخصيتي.
صدر مؤخَّرًا ديوانك "مُبكّراً في صباح بعيد"، وهو التَّاسع لك في تجربتك الشِّعريّة حدثنا عنه.
قصائد الدِّيوان في أغلبها تتحدَّث عن أماكن وشخصيَّات في مدينتي، استحضرتها بعد أن وجدتُ المدينة قد تحوَّلتْ إلى عمارات وفنادق مزدحمة جدًّا، مدينة فقدتْ خصوصيتها بالعمارة العربيَّة التي تتفق مع طبيعتها بصفتها تقع على حافَّة بادية.
محاولة استحضار طفولة لم تجد المكان نفسه، فحين عدتُ إلى العراق بعد غياب طويل، وجدتني غريبا في مدينتي، وجدتُ الانفتاح العشوائيّ أكل المدينة، لا براءة في الأزقَّة والشَّوارع؛ كما أنَّ الديوان قد ضمَّ قصائد أخرى مستوحاة من تجربتي في زيارة مقابر "العَلَمين"، وهي واحدة أراها من أجمل ما كتبتْ عن الحرب، ولليابان حصَّة فيها أيضًا.
أين تجد نفسك في فضاء الشِّعر؟
أنا شاعر قصيدة نثر، لكنِّي نشأتُ على قراءة الترُّاث وفي بداياتي كتبتُ القصيدة العموديَّة وقصيدة التَّفعيلة وأملك أذنًا موسيقيَّة فضلًا عن دراستي لعلم العروض، وأراها أفضل مَا يعبر عن هموم الحياة المعاصرة، وأحترم قصيدة العمود والتَّفعيلة، وأتمنَّى أنْ تكون للشِّعر مكانة أكبر، لكن لا أظن أنَّ الشِّعر يمكن أنْ تكون له شعبيَّة حتَّى عُشر معشار الموسيقى والغناء.
بمن تأثرتَ في كتابتك من الشُّعراء العرب والأجانب؟
ليس تأثُّرًا إنَّما أحببتُ ومالتْ ذائقتي إلى "جماعة كركوك" وهم "سركون بولص، وفاضل العزاويّ، وصلاح فائق، ومؤيَّد الرَّاويّ، وأنور الغسانيّ، والأب يوسف سعيد، وجان دمو"، فضلًا عن الشعراء حسب الشَّيخ جعفر، وسامي مهدي، ووديع سعادة، وعبَّاس بيضون، ومن الأجانب ديريك والكوت، وهناك عشرات الشُّعراء تجاربهم الشِّعريَّة مميزَّة، وتستحق كلَّ إعجاب وتقدير واحترام.
هل استطاع الأديب العراقيّ بواسطة منجزه الإبداعيّ كشاعرٍ وقاصٍّ وروائيٍّ أنْ يرتقي إلى حجم الدَّمار والفجيعة والمأساة التي يعانيها العراقيون؟
هناك أدبٌ عراقيٌّ مذهلٌ، عبَّر بشكلٍ رائعٍ من النَّاحية الفنَّيَّة أقصد، عن مأساة العراق، وهؤلاء كثير منهم حصد جوائز مثل البوكر وكتارا والبابطين والعويس وغيرها، فضلًا عن وصول عدد أكبر إلى القائمة الطَّويلة أو القصيرة، حتَّى فوزي أعدَّه جزءًا من المشهد، ففي كتبي في أدب الرِّحلات كان العراق حاضرًا.
سنوات المهجر وغربتك، هل انعكستْ على ذاتك الأدبيَّة؟
نعم، وبشكلٍ واضحٍ، وأي متتبع لتجربتي الشِّعريَّة سيجد هذا الانعكاس عبر المواضيع والمفردات والأجواء.
هل أعطت الكتابة لحياتك جدوى؟ أسبغتْ عليها معنى مختلفاً؟ وما هذا المعنى إنْ وجد؟
لا أجد نفسي إلَّا شاعرًا، ولا يمكنني تصوُّر نفسي بلا الشِّعر، فهو الجدوى الكبرى والغاية العظمى.