"مطبات" بمدار رحلة واشنطن للقمر.. عاصفة الكاريبي أم رهاب الفشل؟
سياق بالغ التعقيد يطوق رحلة أمريكية مرتقبة للقمر، ويلفها بحزام من المحاذير التي قد تربك استكمالها في ظل سباق مع روسيا نحو الفضاء.
فصل جديد من المنافسة ينتقل من الأرض إلى الفضاء، ويرفع سقف التحديات أمام وكالة الفضاء الأمريكية التي تحبس أنفاسها منذ مدة عقب فشل محاولات إطلاق صاروخها العملاق إلى القمر.
فشل أرجعته ناسا لأسباب فنية، لكن مراقبين يرون أن رهاب الفشل هو ما يرفع المحاذير لدى واشنطن ويرجئ بالتالي عملية الإطلاق لحين توفر الضمانات الفنية والجوية اللازمة.
للمرة الثالثة
وللمرة الثالثة قد لا تنجح عملية إطلاق صاروخ "ناسا" الجديد العملاق إلى القمر والعقبة تكمن هذه المرة في عاصفة بمنطقة البحر الكاريبي.
وبعد محاولتي إقلاع فاشلتين قبل بضعة أسابيع بسبب مشاكل فنية، أصبحت المحاولة الجديدة المقرر تنفيذها الثلاثاء ضمن برنامج "أرتيميس 1" مهددة حالياً بفعل عاصفة تتشكل في منطقة البحر الكاريبي.
ولم تجر بعد تسمية "المنخفض الاستوائي رقم 9" فيما يقع حالياً أسفل جمهورية الدومينيكان. إلا أن هذا المنخفض يُفترض أن يتحول إلى إعصار في الأيام المقبلة وأن يصل عبر خليج المكسيك إلى فلوريدا حيث يقع مركز كينيدي للفضاء الذي سيُطلَق منه الصاروخ.
وقال المسؤول في مركز كينيدي مايك بولغر الجمعة إنّ "خطتنا الرئيسية تتمثل في مواصلة المهمة والمباشرة بعملية الإقلاع في 27 أيلول (سبتمبر الجاري)".
وتابع "لكن إذا تعيّن علينا الانتقال إلى الخطة الثانوية، فسنحتاج إلى بضعة أيام للانتقال من الاختبار الحالي (...) وإعادة الصاروخ إلى مبنى التجميع الخاص به".
وتتولى وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) مراقبة كل تقرير عن حالة الطقس، فيما قال بولغر "سنتخذ قرارنا ربما كحد أقصى صباح الغد (السبت) أو في وقت مبكر من بعد الظهر".
أكتوبر؟
يمكن لصاروخ "اس ال اس" البرتقالي والأبيض أن يتحمل على منصة الإطلاق رياح تصل سرعتها إلى 137 كيلومتراً في الساعة.
وفي حال كان لا بدّ من إزالة الصاروخ عن المنصة، فلن يجري إطلاقه في الفترة المحددة التي قد تمتد حتى 4 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وسيتعيّن تمديد فترة إقلاع الصاروخ لتصبح بين 17 و31 من الشهر مع احتمال إقلاعه خلال يوم من هذه الفترة باستثناء أيام 24 و25 و26 و28.
وسيشكل تأجيل موعد إقلاع الصاروخ ضربة قاسية لناسا التي سبق أن واجهت مشكلتين منعتاها من إطلاق صاروخها الجديد نحو القمر.
وفي بداية الشهر الجاري، أُلغيت عملية إطلاق الصاروخ في اللحظات الاخيرة بسبب تسرب الهيدروجين السائل أثناء ملء الخزانات بهذا الوقود. إلا أن وكالة الفضاء الأمريكية أعلنت هذا الأسبوع أنها اختبرت بنجاح عملية تزويد الصاروخ الجديد بالوقود.
وحصلت ناسا من القوة الفضائية للولايات المتحدة على إعفاء لتجنب إعادة اختبار البطاريات على نظام تفجير يُستخدم لتدمير الصاروخ إذا انحرف عن مساره بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
وكان لا بد من الحصول على هذا الاستثناء من أجل التمكن من إطلاق الصاروخ الثلاثاء أو في تاريخ احتياطي هو الثاني من أكتوبر المقبل.
ويُفترض أن تبدأ نافذة الإطلاق الثلاثاء عند الساعة 11,37 بالتوقيت المحلي وتستمر لسبعين دقيقة. وفي حال نجحت العملية، فستستمر المهمة الفضائية 39 يوماً ثم ستهبط الكبسولة المثبتة على الصاروخ في المحيط الهادئ في الخامس من نوفمبر.
لماذا الآن؟
لا شيء يكون اعتباطيا حين يتعلق الأمر بالحرب الباردة الدائرة بين روسيا والغرب، والتي تفاقمت منذ بدء العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي.
فواشنطن المسكونة بهاجس التفوق في الفضاء، تدرك أن نزاعها بالوكالة مع موسكو على الأرض لم يؤت ثماره، وأن رد الاعتبار يكمن في كسر الصدى الإعلامي لحرب الأخيرة في أوكرانيا من خلال محاولة توجيه الأنظار إلى القمر.
فتوقيت الإعلان الأمريكي عن إطلاق "أرتميس 1" إلى القمر جاء بعد أقل من شهر فقط على إعلان يوري بوريسوف، الرئيس الجديد لوكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس"، أن موسكو قررت الانسحاب من محطة الفضاء الدولية "بعد العام 2024".
وفي رد فعل فوري حينها، رأت واشنطن في القرار الروسي تطورا مؤسفا، بينما أكد البيت الأبيض أنه لم يتلق بلاغا رسميا بشأن هذا الانسحاب وأنه يدرس بدائل لتخفيف وطأته، ومطاردة الروس.
وتماما كما دفعت نهاية الحرب الباردة، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، البلدين إلى التعاون ومن ثم إنشاء المحطة، فإن الحرب الساخنة الحالية بين الغريمين التقليديين، ستكون أحد أسباب انهيار الشراكة التي استمرت لأكثر من عقدين من الزمن.
انهيار لن يعني الكثير بالنسبة لموسكو التي تخطط لبناء محطتها الفضائية الخاصة بها والتي تأمل أن تتمكن من الاستقرار في مدارها حول الأرض بحلول عام 2028، وهذا ما يجعل واشنطن تحسب خطواتها بدقة وهي تتجه نحو الفضاء.
فأي فشل في مهمة "أرتميس 1" لن يكون مجرد مطب على طريق طويلة، وإنما سيمنح موسكو نقطة انتصار، وإن آنية، وهذا ما لا تريد واشنطن الوصول إليه ولو كلفها ذلك إرجاء عملية الإطلاق لمرات عديدة أخرى.