جدران أصيلة تتحدى كورونا في المغرب.. الفن سلاح المبدعين
فنانون تشكيليون يتخذون من ألوانهم وإبداعاتهم سلاحاً لمواجهة الآثار النفسية التي تراكمت طوال الفترة الماضية في المدينة المغربية.
ما إن تطأ قدماك مدينة أصيلة شمالي المغرب، حتى تتسلل إلى رئتيك بدون استئذان، رائحة البحر، وتسحر عيناك زُرقته الخلابة، وحين تخطو نحو المدينة العتيقة، تأسرك الألوان البهية لجداريات تسكن الجدران القديمة.
فيما تستيقظ المدينة من الحجر الصحي ببطء وتأن، تنفض عنها غُبار أربعة أشهر من المكوث في المنازل والتباعد بين الأفراد، يلتصق تشكيليون بجدران المدينة، مُتخذين من ألوانهم وإبداعاتهم سلاحاً لمواجهة الآثار النفسية التي تراكمت طوال الفترة الماضية.
ولم تمنع الجائحة المدينة العتيقة من التخلف عن موعدها السنوي مع الألوان والبهجة، بل اتخذت منها حافزاً لتجديد العهد مع فناني المدينة، لمنح جُدرانها رونقاً جديداً، ولإخراج السكان من أجواء الضيق والحزن التي تخيّم على حاضرة دأبت على الظهور في أبهى صورها، ولا سيما إبان فترة الصيف، بحسب قول الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، محمد بن عيسى.
وفي الوقت الذي كانت جُدران المدينة منذ عام 1978 مرسماً لفنانين عالميين، فرضت ظروف الجائحة على المنظمين الاقتصار على أبناء المدينة من رسامين مخضرمين، ومُبدعين أطفال ويافعين.
ويلحظ الزائر للمدينة التي نشأت قبل ألفي سنة من اليوم، حركة دؤوبة لأطفال، مُنغمسين في ورشات فنية، تلطخت أياديهم وملابسهم بالألوان، فيما ينخرط محترفون كبار السن في حالة من الوجد عند إبداع جدارياتهم في أرجاء القلعة الرومانية التي حملت سابقاً اسم "زيليس".
تأجيل وتعجيل
وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت المؤسسة إرجاء تنظيم موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ42 إلى صيف 2021، بسبب تفشي فيروس كورونا في العالم، إلا أنها بمجرد تخفيف إجراءات الحجر، قررت التعجيل بتنفيذ محور الجداريات من برنامج الموسم الثقافي.
محمد بنعيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، شدد على أن تنظيم هذا المعرض الفني في الهواء الطلق، يأتي لإخراج المدينة وسكانها من أجواء الضيق والحزن التي تخيّم على حاضرة دأبت على الظهور في أبهى صورها، ولا سيما إبان فترة الصيف.
وفي الوقت الذي ألغيت فيه جميع فعاليات الموسم، كشف بنعيسى للصحفيين أن فناني المدينة قرروا الاحتفاظ بفقرة الجداريات، على اعتبار أن تنظيمها ممكن في إطار احترام الإجراءات الجاري بها العمل، والموصى بها من طرف الجهات المسؤولة.
ولفت إلى أن رسم الجداريات لا يتطلب تجمهراً للناس، مُعلقاً: "هذا لم يمنع مع ذلك من الترحيب بالزوار، ليس بعدد كبير كما كان معتاداً في السابق، ما خلق دينامية تجارية نوعاً ما".
وأوضح أن هذا النشاط يأتي بعد فترة عمت فيها حالة من "الاكتئاب"، وبالتالي فـ"الهدف منه بعث طمأنينة وارتياح وأمل سكان مدينة أصيلة، عبر منح فرصة للجمهور للتأمل في جداريات جميلة رسمت بألوان زاهية".
دورة استثنائية
وبدوره، أكد الفنان التشكيلي محمد العنزاوي، الذي يُشرف على ورشة الجداريات والصباغة بمؤسسة منتدى أصيلة، أن الدورة التي تنعقد هذه السنة، هي "استثنائية بامتياز"، مُرجعاً ذلك إلى الظروف التي فرضتها الجائحة على العالم أجمع.
ولفت في تصريحات للصحفيين، إلى أن مؤسسة منتدى أصيلة، ارتأت الخروج من ضائقة الجائحة من خلال نشاط يُشرف عليه فنانون محليون، للترويح عن الناس وتعويضهم عن أيام الحجر التي قضوها في منازلهم بـ"جو من البهجة والسرور".
جداريات "كورونية"
وكانت كورونا حاضرة بقوة في الجداريات التي يعمل التشكيليون على إنجازها، إذ يرسم التشكيلي المغربي، محمد العنزاوي، جدارية مستوحاة من اللوحة الشهيرة لبابلو بيكاسو المناهضة للحرب بعنوان "غيرنيكا"، إلا أنه قام بتغيير ملامح الأشخاص الموجودين فيها، إذ حرص على إلباسهم أقنعة واقية توافقاً وإجبارية وضع الكمامات للوقاية من كورونا.
وبدوره، عمد الفنان معاذ الجباري إلى إلباس الموناليزيا للإيطالي ليوناردو دا فينتشي، كِمامة واقية على وجهها، مشيراً إلى أن هذا يعكس الوضع الحالي الذي يعيشه العالم، خاصة أن إيطاليا كانت أكثر دول العالم تضرراً من هذا الوباء الفتاك.
وفي نسخه العادية، كان منتدى أصيلة يُنظم سنوياً، الموسم الثقافي للمدينة، إذ يشهد على مدار أكثر من أسبوعين تنظيم عدة فعاليات ثقافية وسياسية، وأيضاً فنية وأخرى تشكيلية.
واعتاد المنظمون على استضافة العشرات من الشخصيات الثقافية والفنية والسياسية المرموقة، من مختلف الدول العربية وأيضاً الأجنبية.
لكن هذه السنة، دفعت ظروف الجائحة المنظمين للاقتصار فقط على مشغل الصباغة على الجداريات، بمشاركة 14 فناناً مغربياً.
إلى جانب معرض لأعمال مختارة للفنانين المشاركين في التظاهرة برواق المعارض التابع لمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، ومعرض لأعمال الفنانين الصغار، سبق أن أنجز في "مرسم الطفل" في موسم أصيلة الـ41، ومعرض للفنانين أبناء المدينة بالشباب بقصر الثقافة.