جدار الأزمات يحاصر طلبة غزة.. الرسوم تغتال الطموحات
البطالة في قطاع غزة تصل إلى أكثر من 50% في حين ترتفع إلى قرابة 70% في أوساط الشباب، وتزداد يوميا أعداد المنضمين للبطالة
بعد مرور أكثر من أسبوعين على إعلان نتائج الثانوية العامة في فلسطين، لم يتمكن آلاف الطلبة الفلسطينيين في قطاع غزة من التسجيل بالجامعات لعدم امتلاكهم رسوم التسجيل.
الطالبة الفلسطينية هبة أبو كويك، واحدة من هؤلاء الطلبة، حققت تفوقا باهرا بحصولها على معدل 97% في القسم العلمي، ولكن فرحتها لم تدم طويلا، كما تروي لـ"العين الإخبارية"، فأحلامها في دراسة الطب، رهن بحصولها على منحة أو كفالة، مع عدم قدرة أسرتها على تحمل تكلفة دراستها.
أحلام رهن بالإمكانات
وقالت أبوكويك إنها تقدمت بـ3 طلبات لمؤسسات محلية ودولية لتوفير منحة لدراسة الطب، ولكنها لم تتلق أي رد حتى الآن، مشيرة إلى أنها ستضطر لدراسة تخصص آخر رسومه أقل بكثير من رسوم كلية الطب.
تشعر هبة بالأسى لأن أحلامها وطموحاتها رهن بإمكانيات مادية لا تستطيع توفيرها: "والدي عامل لا يستطيع توفير ثمن ساعة طب في جامعة الأزهر وقيمتها 90 دينارا أردنيا". وقالت: "هذه مبالغ باهظة تقتل أحلامي وتدفنها في تخصص لا أرغبه".
وأعلنت نتائج الثانوية العامة في فلسطين في 11 يوليو/ تموز الماضي، وبلغ عدد المتقدمين في الفروع كافة 77539 مشتركا، وكان عدد الناجحين منهم 55302 بنسبة بلغت 71.32%. ومن بين المتقدمين 33 ألف طالب في غزة.
وبحسب معطيات وزارة التعليم فإن 30% من الطلبة الناجحين حصلوا على معدلات تزيد على 90%.
ريما المغير حصلت على 91% في القسم العلمي وشقيقها عبدالله على 68%، وهما أيضا يواجهان أزمة التسجيل في الجامعة، فوالدهما هشام (50 عاما) موظف في القطاع العام يتقاضى حوالي 1750 شيكل (515 دولارا) تمثل 50% من راتبه الشهري بسبب أزمة السلطة الفلسطينية المالية.
تقول ريما لـ"العين الإخبارية" إنها تطمح في دراسة صيدلة أو علاج طبيعي بينما طموح شقيقها عبدالله دراسة تسويق إلكتروني، مشيرة إلى أن ضعف دخل والدهم حرمهما حتى من التوجه للجامعة لدفع رسوم القبول الأولية المقدرة بـ20 دينارا.
دراسة الطب حلم ولكن!
أحمد أبوطير، حصل على 96.٧% في القسم العلمي، وحلمه من الطفولة دراسة الطب البشري، يقول إنه بذل جهده لتحقيق المعدل الذي يؤهله لدخول كلية الطب وقد حققه بمعدله لكن وضع عائلته المالي يقف حائلا اليوم أمام التحاقه بالطب.
وأكد والده سامي (54 عاما) لـ"العين الإخبارية": "ناشدت كل المسؤولين والمؤسسات وأهالي الخير دعم تمويل دراسة ابني لكن لم يستجب أحد".
وأشار إلى أن الجامعة طلبت دفع رسوم الطب حتى يوم 29 يوليو/ تموز الجاري، وإلا فإن أحمد سيفقد مقعده في الكلية، وقال: "هذا مبلغ لا أمتلكه ولا استطيع جمع 1666 دينارا أردنيا للفصل الواحد".
ومنذ إعلان نتائج الثانوية العامة، لا تتوقف المناشدات على مواقع التواصل الاجتماعي، لتوفير منح وكفالات للطلبة خاصة المتفوقين لتمكينهم من التسجيل بالجامعات؛ في ظل الأزمات الاقتصادية التي تضرب قطاع غزة بسبب 14 عاما من الحصار، فاقمتها أزمة جائحة كورونا.
وتصل البطالة في قطاع غزة، إلى أكثر من 50% في حين ترتفع إلى قرابة 70% في أوساط الشباب، وتزداد يوميا أعداد المنضمين للبطالة، في حين أن موظفي القطاع العمومي سواء موظفي السلطة أو حماس، يعانون أيضا من تسلم رواتب مقلصة تتراوح بين 40 و50% من قيمة رواتبهم.
تقصير جماعي
الدكتور سلام الآغا، وهو رئيس جامعة بغزة، أشار إلى حالة طالبة والدها متوفي، حصلت على 97.3٪ فى الثانوية العامة، وتود الالتحاق بكلية الطب لكن أمها لا تملك دينارا واحدا من أصل 1820 دينارا رسوم الفصل الأول.
وذكر أن أم الطالبة اضطرت لبيع ذهبها لتسجيل ابنتها، ولكن السؤال الكبير ماذا ستفعل الطالبة الفصل القادم؟
وأكد أن هناك العشرات مثل هذه الطالبة لكنهم لا يستطيعون تحقيق رغبتهم بسبب الضائقة المالية.
ورأى أن هناك تقصيرا من الجامعات والمؤسسات والوزارات والدولة في رعاية هؤلاء المتفوقين، واعتبر أن هناك مغالاة في أسعار رسوم ساعة الطب بجامعات غزة (تتراوح بين 90-100 دينار أردني).
وقال: "آن الأوان لإحداث تغيير جذري فى هذه الأسعار، وآن الأوان لتساهم وزارة التعليم العالي مساهمة فاعلة بدعم الجامعات ماليا، وآن الأوان لتتدخل الدولة لمساعدة الطلبة كل الطلبة".
تسجيل ضعيف بالجامعات
الدكتور سليمان وافي عميد شؤون الطلبة بجامعة فلسطين، أكد لـ"العين الإخبارية" أن إقبال الطلبة على التسجيل ليس بالمستوى المطلوب، وقال: "هي إشكالية تواجهها كل الجامعات بغزة جراء الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها غزة.. لكن لربما يتحسن الإقبال بعد عيد الأضحى".
وأشار إلى ارتفاع قيمة رسوم ساعة الدراسة في كلية الطب؛ نظرا لتكلفة تدريسه واحتياجاته الغالية.
ووفق وافي؛ هناك حوالي آلاف طالب تبقت عليهم أقساط مالية من مستحقات الرسوم للجامعة من بين 8 آلاف طالب ملتحق بالجامعة.
واعتبر أنه من الصعب حل مشكلة الطلبة على حساب الجامعة التي تؤدي رسالتها المنوطة بها ومتحملة لظروف صعبة جدا.
وأكد وجود تراجع واضح في المنح المقدمة للطلبة المتفوقين من المؤسسات المحلية التي اعتادت تقديم مئات المنح للمتفوقين سنويا وهذا ترك اثره السلبي على التسجيل.
انحدار خطير
وحسب تقديرات إبراهيم الغندور، منسق الحملة الوطنية للمطالبة بتخفيض الرسوم الجامعية؛ فإن عام 2020 هو الأسوأ في تسجيل الطلبة بالجامعات؛ نظرا لعدة اعتبارات أولها شدة الحصار الإسرائيلي وأزمة رواتب موظفي القطاع العمومي ثم جائحة كورونا وتأثيراتها السلبية على مختلف القطاعات.
وأوضح الغندور، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن ذلك أدى لارتفاع معدلات الفقر والبطالة خصوصا في قطاع غزة، فضلا عن إعلان وزارة التربية والتعليم توقف منح الدول الصديقة بسبب كورونا، وقال: "كل هذه الإشكاليات يدفع ثمنها الطلبة".
ووفق معطيات وزارة التعليم العالي الفلسطينية، فخلال عام 2019، هناك حوالي 200 ألف طالب منتظمون في جامعات الضفة وغزة 82 ألفا منهم في جامعات غزة، بينما كان عدد طلبة جامعات غزة عام 2014 حوالي 95 ألف في غزة.
ويشير ذلك بحسب الغندور إلى "انحدار خطير" في عدد الطلبة: "فبدلا من ارتفاع عددهم سنة بعد أخرى فإننا نراه يتناقص وذلك بسبب انعدام الدخل لدى الأهالي من ناحية وتراجع التسهيلات والمنح المقدمة من الجامعات من ناحية ثانية علاوة على ارتفاع تكلفة الدراسة الجامعية في غزة قياسا بالدخل، وبالتالي العزوف عن التسجيل" .
حل ثلاثي
ونبه إلى أن مصير الطلبة خصوصا المتفوقين هو الضياع لأن التخصصات التي تلبي طموحاتهم تكلفتها باهظة.
ورأى أن الحل يكمن في 3 نقاط، أولاها دعم الحكومة لموازنات التعليم الجامعي، وإنشاء صندوق إقراض وطني لدعم الطالب الجامعي، ومطالبة الجامعات بتبني نهج تعليم وطني يراعي الظروف الاقتصادية ويقدم جملة من التسهيلات والمنح والقروض للطلبة.