تعيش النخبة السياسية العراقية رهاناتٍ جرّبتها طوال سنوات مضت، وفي كل مرة تفشل في تشكيل تكتل سياسي موحد قادر على التغيير وانتشال العراق من كبوته.
مئات الآلاف من العراقيين يعيشون قلقا سياسياً شديد التركيب والتناقض، إذ هم متأكدون بأنه ليس من أي أفق أو إمكانية لحل قضاياهم الداخلية ومشكلاتهم، التي لها ارتباط بالقوى السياسية والزعامات المسيطرة والموجودة في المشهد، ليقينها التام بعدم امتلاك هذه القوى أي مشاريع أو رؤى تستطيع عبرها أن تقدم ما هو أفضل للعراقيين، وربما ذلك نتيجة ارتباط بعض هذه القوى بشروط ولائية خارجية.
يُمكن القول إن العراقيين يعيشون إرهاصات تحولهم كشعب نحو الهوية الوطنية الخالصة، شعب أقرب ما يكون للوعي من سيادة الطائفية، رغم المعوقات الصعبة، لكن التقدم الشعبي سريع نحو التخلص من سطوة المليشيات المسلحة، ما قد يقوّض سلطتها أمام سلطة الدولة وسيادتها، أمام نموذج اللا دولة، الذي يحاول نظام الملالي فرضه في العراق، بل وفي كل بلد مدّ إليه ذراعا من أذرع حرسه الثوري المليشياوي.
هكذا انتفض شعب العراق على نظام الولي الفقيه، وكبّدوه خسارة انتخابية برلمانية فادحة، شهدت تراجع عدد مقاعد الموالين لإيران، فيما حصد التيار الصدري أكبر كتلة برلمانية، بينما حاول الموالون عبثا نسف نتائج الانتخابات بعدم الاعتراف بها أو بشرعيتها، لكن الاعتراف الأممي والتدقيق القضائي وإعادة الفرز والعدّ كلها أمور ثبّتت النتائج والهزيمة الإيرانية.
لو ناقشنا الموضوع خارج دائرة الأمنيات إلى دائرة الواقع وما هو قائم فعلاً، فأعتقد أن مجرد السير بخطوة واحدة نحو الانتفاضة الشعبية العراقية لـ"مقاطعة البضائع الإيرانية" تحت عنوان محلي صنع في العراق عراقي -"خليها تخيس"- له دلالات عميقة، منها: أن شرفاء الشعب العراقي معركتهم ما زالت مستمرة في رفض احتلالهم إيرانيا.. وأن بقاء العراق تحت ضغط إيران لم يعد مقبولا بأي وجه من الأوجه.. وأن العراقيين اختاروا عراقا حرا كامل السيادة، وأنه مهما طال الزمن وكثرت الصعوبات والأزمات سوف يظل العراق وشعبه دولة راسخة في المنطقة وسيعود إلى ما كان له من تأثير عربي ودولي.
يرى مراقبون أن الأجواء في العراق تتجه نحو مزيد من الوعي الشعبي ومعركة استرداد العراق، لا سيما مع استمرار الفجوة بين المليشيات الولائية المتمردة على مفهوم الدولة والدستور والعملية السياسية من جهة، وبين قوى وطنية من جهة ثانية، واستمرار نشر إيران للعنف والفوضى ومحاولات عزل العراق عن محيطه العربي واستهداف سيادته، لذا نجد الشعب العراقي يرسل ردًا عمليا سريعًا لإيران يحذر من مغبة استمرار صواريخ المليشيات المهددة لهم ولاستقرار بلادهم.
ربما تكون معركة الوعي الشعبي في العراق أكثر فائدة وقوة ومواجهة وتأثيرا من أي معارك رسمية تخوضها حكومة أو جيش.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة