لا تحتاج الولايات المتحدة ولا الدول الغربية الأخرى إلى أن تضيف انطباعات جديدة للانطباع القائل إنها تمارس معايير مزدوجة.
الإرهاب، مهما اختلفت التصورات من حوله، فإنه يظل إرهابا طالما أنه يستهدف مدنيين أو منشآت مدنية.
أيُّ محاولة للتمييز أو المفاضلة بين إرهاب وآخر، إنما تشجع الإرهاب الآخر. في حين أن الموقف الصارم حيال كل أعمال الإرهاب، هو واحد من أول وأهم السبل لمكافحته، على أيِّ وجهٍ ظهر.
جماعة الحوثي في اليمن، لم ترفض كل دعوات السلام، ولم تعطل كل جهود الأمم المتحدة، ولم تواصل محاولاتها الرامية إلى بسط سيطرتها على كل أرجاء البلاد، فحسب، ولكنها لم تتردد يوما واحدا في شن هجمات ضد المدنيين والمنشآت المدنية في السعودية، حتى من قبل أن تتدخل قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة السعودية.
لقد كان ذلك كافيا بمفرده، لتأكيد الطبيعة الإرهابية لهذه الجماعة.
صلاتها الوطيدة مع جماعات "مصنفة" كتنظيمات إرهابية، أضافت إلى اليقين يقينا أوضح بأنها ليست سوى منظمة إرهاب، وأنها لا تختلف في شيء عمن تقيم روابط معهم أو عمن يزودها بالسلاح، أو عمن يتكفل بتقديم التوجيه والتدريب لها.
فلماذا تتردد الولايات المتحدة وغيرها في إعادة وضع هذا التنظيم في المصاف الذي اختاره لنفسه؟
حتى جاءت الهجمات على بعض المنشآت المدنية في الإمارات لتضيف تأكيدا فوق التأكيد، أن هذه الجماعة، ليست سوى تنظيم إرهابي، مرتبط بتنظيمات إرهابية، ويمارس أعمالا إرهابية لا علاقة لها بالحرب داخل اليمن، وغايته لا تتعدى الإرهاب نفسه، لا سيما وأنه ينطلق من الافتراض بأن الإرهاب نفسه هو الضرر المقصود، وليس الأضرار المادية التي قد تنجم عنه.
ما كانت الولايات المتحدة ولا بريطانيا ولا فرنسا لتتردد في تصنيف جماعة كهذه كتنظيم إرهابي، لو أنها فعلت واحدا من ألف مما فعله الحوثي ضد أي منشأة مدنية بأراضيها.
فلماذا يتردد الذين يعرفون ماذا سيفعلون لو أنهم تعرضوا لواحد من تلك الأعمال؟ وهل هناك إرهاب أبشع من آخر؟ أم أن العيون هناك تنظر إلى الأمور بمنظار مختلف، لا يرى الشيء نفسه إذا ما رآه في مكان آخر، لا يعنيه؟
لقد علمتنا التجربة أن نحمل الإرهاب على محمل واحد، وأن نحاربه بالصرامة نفسها، عندما يضرب في نيويورك، أو باريس، أو الموصل، أو الحسكة، أو نجران.
الإرهاب واحد. والتواطؤ مع وجه من وجوهه، إنما يشجع الوجه الآخر على التمادي، لأنه سرعان ما يرى أن وسائله تثمر نجاحا.
إدارة الرئيس جو بايدن، بدأت من موقف لا ينطوي على المقدار الضروري من العمق، عندما جعلت من إلغاء سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب، منهجا لها.
حيث رأت أنها تكون على موقف صحيح عندما تعكس ما فعل، دونما روية أو تدقيق.
فألغت تصنيف الحوثي كتنظيم إرهابي، دون أن تنظر إلى أفعاله، لمجرد أن الإدارة السابقة هي التي وضعت التصنيف. وهي أرادت العودة إلى التفاوض بشأن الاتفاق النووي مع إيران، لمجرد أن ترامب قرر الخروج منه. ولكن ها هي الوقائع عادت لتفرض نفسها.
الإرهاب هو نفسه، بأي منظار شئت أن تنظر إليه. ولست بحاجة إلى تصور أيديولوجي مسبق له. لأن القاعدة الأساسية في كل عمل إرهابي، هي ذاتها دائما. فهي تقصد تحقيق غايات سياسية عن طريق شن هجمات ضد المدنيين.
الشرعية التي حاول الحوثي الاستيلاء عليها، عادت لتفرض وجودها بما يكفي للقول إن الحرب أنجزت النصف الأهم مما اندلعت من أجله. وكان هدفها شرعيا وبسيطا ولا سجال حوله من وجهة نظر المعايير الدولية.
ولكن الإرهاب الذي بدأ بالاستيلاء على السلطة بمؤامرة انقلابية، ظل إرهابا، ورفض كل مبادرات السلام، والتسويات السياسية للأزمة. وهذا، ليس بقول اليمنيين الذين تصدوا للإرهاب، وإنما بقول مبعوثي الأمم المتحدة.
إطلاق صاروخ على منشأة مدنية في السعودية أو الإمارات لا يعني شيئا على مستويات الضرر المادي، وذلك مثلما أن هجوما إرهابيا في نيويورك أو لندن أو باريس لا يعني شيئا على ذات المستوى. ولكن الإرهاب إرهاب في النهاية، ولا يمكن حمله على مَحمَلين مختلفين. واحدٌ يدفع إلى شن حرب، والآخر يمكن التغاضي عنه، على سبيل المناكفة مع رئيس سابق. وهي مناكفة لا يمكن لضحايا الإرهاب أن يفهموا معناها أصلا، ولعلهم يستخفون بأغراضها الهزيلة أيضا.
إرهاب الحوثي ليس بحاجة إلى إعادة تعريف. والإرهاب لا يحتاج إلى مَنْ يدل عليه. لأنه يدل على نفسه.
إنما يدل على نفسه أيضا، ذلك الذي ينظر إليه بمعايير مزدوجة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة