إذا صحت قراءة الإشارات السياسية التي تلوح في الأفق الدولي والإقليمي، ومنها تصريحات نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الذي حذر طهران من «اختبار حزم» الرئيس دونالد ترامب،
إذا صحت قراءة الإشارات السياسية التي تلوح في الأفق الدولي والإقليمي، ومنها تصريحات نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الذي حذر طهران من «اختبار حزم» الرئيس دونالد ترامب، وإذا صحت كذلك التسريبات الإعلامية بأن هناك تحركاً خليجياً مكثفاً من أجل دعم السياسيين العراقيين من ذوي الميول «العروبية» (السنة والشيعة)، وعلى رأسهم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يواجه ضغوطاً سياسية من نور المالكي ذي الميول الفارسية الطائفية والمدعوم من حكومة طهران.. إذا صحت هذه القرائن، فإن ذلك يعني أن هناك انطباعاً حقيقياً بأن نفوذ إيران في العراق ودورها في الملفات الإقليمية، يسيران نحو التراجع والتقلص، حيث لا يمكن للعرب وللدول الإقليمية الاستمرار في مشاهدة ما تفعله إيران من سياسات تضر كل دول المنطقة.
أما التحرك الخليجي المكثف فهو أحد الجهود الإقليمية للاستفادة من الظروف الدولية التي تتفاعل تحت السطح السياسي الدولي، وخاصة أن هناك رغبة أميركية واضحة مع بداية عهد دونالد ترامب وكذلك رغبة روسيا التي ترى في العلاقة مع إيران «شراً لا بد منه»، بدت تتشكل وإن كانت غامضة بعض الشيء، من أجل الضغط على طهران لإضعاف تأثيرها في الملفات الساخنة في الإقليم، بعدما اشتمت منها رائحة غير عادية في الملف السوري حتى كان أمر استبعادها من قمة «أستانة» في كازاخستان محل رغبة الكثيرين قبل أن تنضم في آخر لحظة، باعتبار أن إيران سبب رئيس في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة وبالتالي لا يمكن اعتبارها جزءاً من الحل.
الصورة النمطية عن إيران أنها دولة ترفض الحلول السياسية، وأنها غالباً ما تعتمد على «أذرعها العسكرية» في المنطقة، مثل «الحشد الشيعي» و«حزب الله»، والحوثيين.. لتخريب أي مساعٍ تدعو إلى استقرار المجتمع، وهذا خلق لها عداءات لدى الرأي العام العربي والعالمي.
حالياً، تعيش إيران خلافات حقيقية مع المجتمع الدولي وخلافات أخرى داخل دوائر صنع القرار فيها، وهذه هي القضية الرئيسة للإعلام الإيراني حالياً، خاصة بعد وفاة رفسنجاني الذي كان يعتبر «رمانة ميزان» النظام الإيراني. أما تلك الخلافات الداخلية فهي ناتجة عن الفساد الاقتصادي «المنظم». والشاهد أن السبب الرئيس في هذا الفساد يكمن في تمويل حروب إيران الخاسرة في الخارج. فبرغم أن النظام الإيراني يدرك أن مثل هذه الحروب هي وسيلة قديمة لإشغال الرأي العام الداخلي عن الفشل السياسي الداخلي، فإنه يبدو غير مبالٍ برد فعل الشارع الإيراني الذي بات اليوم يمارس ضغوطاً حقيقية على النظام.
الشيء المؤسف، أن النظام الإيراني نجح إلى حد ما في عسكرة المجتمعات العربية وربما العراق ولبنان أفضل الأمثلة. وبلا شك، فإن هذا الأمر يعود إلى وجود شخصيات محسوبة سياسياً على إيران، مثل «نصر الله» والمالكي، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يكون ذلك على حساب تحقيق التنمية في المجتمع الإيراني. وفي ظل استمرار الشعار التقليدي، وهو حماية الضعفاء، فإن النظام الإيراني يخوض حروباً خاسرة وبلا انتصارات حقيقية، على اعتبار أن المجتمعات العربية لا تحمل وداً للنظام الإيراني، وبالتالي فبعد أي توقف عن الدفع فإن «أذرع إيران» سرعان ما تسقط سياسياً، والنظام الإيراني يدرك ذلك.
أظن أن مثل هذا التحرك الدولي والإقليمي ضد إيران هو تصحيح لخطأ كبير وقعت فيه دول كثيرة، عربية وغيرها، وخاصة الولايات المتحدة، عندما ابتعدت عن دعم الشعب العراقي، فاستغلت طهران الفراغ السياسي من خلال دعمها لأفراد يوالون المرشد الإيراني، ويحملون فكراً طائفياً، فكانت النتيجة حالة الفوضى السياسية التي نراها، «واختطافاً» للقرار العربي. لهذا، فالموقف اليوم هو عبارة عن محاولة من أجل لملمة أوراق العرب السياسية وتوحيد مواقفهم «الوطنية» في مقابل طائفية إيران، وذلك من أجل إنقاذ القرار السياسي العربي سواء في العراق وفي غيره وإعادته إلى مجاله الطبيعي.
واقعياً، تبدو إيران «هشة» داخلياً بسبب مشكلاتها وأزماتها، والتي توالت مؤخراً بشكل كبير. فإقليمياً، يبدو أن تأثيرها بدأ يتراجع، خاصة بعد انضمام سلطنة عمان إلى التحالف الإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية، وبعدما أطلقت صاروخاً باليستياً لاختبار ردة فعل الإدارة الأميركية الجديدة. والآن هناك حديث عن استعادة القرار السياسي العراقي واللبناني. والهشاشة الأكبر في الموقف الإيراني تكمن في كراهية الشعوب العربية لسياسات طهران، الأمر الذي يشكل مساحة أخرى لإظهار الصورة الحقيقية لنظام الملالي في الداخل الإيراني وخارجه!
*نقلاً عن " الاتحاد "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة