قبل 100 عام.. الأزهر يسبق العالم في إدانة إبادة الأرمن
لم تكد الصحف المحلية توثق مجزرة آضنة بحق الأرمن عام 1909، حتى خرج شيخ الأزهر حينها سليم البشري، منددا بذلك، وأفتى بحرمة قتلهم.
فتوى عمرها أكثر من 100 عام، جسدت موقفا اتخذه الأزهر الشريف بالقاهرة بحق الأرمن الذين واجهوا أبشع الجرائم الدموية على يد العثمانيين، باعتبار أن هذه الممارسات "تلحق العار بالإسلام".
واليوم، إذ تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بالإبادة الجماعية بحق الأرمن على يد الأتراك، بات موقف الأزهر الذي سبق منذ أكثر من 100 عاما مشرفا، ويحمل دلالات الدور الأخلاقي والمسؤولية المجتمعية الذي يضطلع بها.
قرار بايدن المثير.. ماذا يعني الاعتراف بـ"هولوكوست الأرمن"؟
وقال شيخ الأزهر في فتواه حينها والتي وثقها بخط يده، إنه: "طالعتنا الصحف المحلية على أخبار محزنة وشائعات سيئة عن مسلمي بعض ولايات الأناضول من المماليك العثمانية، وهي أن بعضهم يعتدون على المسيحيين فيقتلونهم بغيًا وعدوانا، فكدنا لا نصدق ما وقع إلينا من هذه الشائعات".
وأضاف: "رجونا أن تكون تلك الشائعات باطلة، لأن الإسلام ينهى عن كل عدوان ويحرم البغي وسفك الدماء والإضرار بالناس كافة، المسلم والمسيحي واليهودي في ذلك سواء، فيا أيها المسلمون في تلكم البقاع وغيرها احذروا ما نهى الله عنه في شريعته الغراء، واحقنوا الدماء التي حرم الله إهراقها ولا تعتدوا على أحد من الناس فإن الله لا يحب المعتدين".
واستدل شيخ الأزهر بقوله تعالى في سورة الممتحنة "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ".
وحذر آنذاك من مخالفة ما شرعه الله في كتابه الكريم وسنته، وقال البشري: يا أيها المسلمون الله الله في دينكم وإياكم وما حظر عليكم ربكم في كتابه وسنة رسوله، والفسوق عن أمره والنزول على ما فيه غضبه وسخطه، إن الذين عاهدوكم والمستأمنين لكم والذين جاوروكم من أهل الذمة بينكم حقا من الله تعالى في رقابكم أن تستقيموا لهم ما استقاموا لكم، وأن تمنعوهم مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم وأن تجعلوا لهم من بأسكم قوة لهم، ومن قوتكم عزة ورخاء، وأن تكفوا عن أديرتهم وكنائسهم وبيعهم ما تكفون عن مساجدكم ومعابدكم .
وتابع:" ولا والله ما داس امرؤ حريمهم- ما انتهك شرف نسائهم - ووضع السيف فيهم وبنى عليهم، إلا كان ناقضا لما أخذ الله على المسلمين من عهد وأوجب عليهم من أمر.. فيا أيها المسلمون لا تجعلوا للعصبيات الجنسية سلطانًا عليكم، ولا للتشيع للعناصر سبيلا إلى نفوسكم، فإن هذه حمية الجاهلية التي ردها الإسلام ونعى على أهلها، ولقد كان لكم في رسول الله أحسن أُسوة وفي أصحابه العافين خير قدوة، ولو أنكم لم تسمعوا مقالة جاهل ولم تقعوا لسطان الهوى لملكت عليكم رحمة الإسلام مشاعركم، ولوجدتم عن سفك الدماء منصرفًا".
وأضاف:" واعلموا أنه إن كان ما بلغ الناس عنكم حقًا فقد أغضبتم ربكم ..وما أرضيتم نبيكم وشريعتكم وأحفظتم إخوانكم المسلمين عليكم غيرة على دينهم الذى قد تنكرت بهذا العمل الشنيع (إن صح) معالمه وانتهكت محارمه واطلقتم السنة الجاهلين بدينكم بنكر القول في المسلمين أجمعين"
كما استشهد الشيخ البشري في نهاية فتواه بالحديث الشريف: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة 40 عاماً".
وجاءت هذه الفتوى كاشفة لعظمة الدور التاريخي الذي لعبه الأزهر الشريف، ووثقها الشيخ محمد رفعت الإمام في كتابه الوثائقي "مصر والأرمن مسألة أضنة أبريل 1909 الطريق إلى الإبادة الأرمنية الكبرى 1915".
وبحسب الكتاب، فإن المذابح التي نفذها العثمانيون ضد الأرمن بدأت عام 1876 ومرت بثلاث مراحل حتى انتهت عام 1923، فلجأت أعداد كبيرة منهم إلى مصر عام 1915، حيث استقبلتهم مدينة بورسعيد وقتها بالترحاب.
وعن هذه الفتوى، قال المؤرخ المصري الدكتور عاصم الدسوقي لـ"العين الإخبارية" إن وثيقة شيخ الأزهر وفتواه تأتي من منطلق مسؤولية الأزهر الأخلاقية والدينية تجاه المجتمعات.
وأضاف المؤرخ المصري الكبير عاصم الدسوقي أنه "كان الأزهر في صدارة من تصدوا لهذه المجزرة، وكان من الطبيعي أن يتصدى لتلك السلطة التي تضرب بالأبرياء، في إشارة إلى اعتداءات العثمانيين على الأرمن المسيحيين في ذلك التوقيت".
بدوره قال الدكتور عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، لـ"العين الإخبارية"، إن انتفاضة الأزهر ضد الاعتداءات بحق الأرمن أمر ليس مستغربا، لكنها تأتي في إطار اضطلاع مؤسسة الأزهر بدورها، خاصة أن الشريعة الإسلامية حمت النفس الإنسانية وأحاطتها بسياج بليغ، فما كان مخالفة المخالف لنا في العقيدة علة للقتال معه أو لقتله أبدا.
وأضاف "العواري" أن الحديث الشريف الذي استند إليه شيخ الأزهر حينها يعني أن المعاهد معصوم الدم لا يجوز الاعتداء عليه، لهذا جاءت فتوى شيخ الأزهر فاصلة وناصرة لحق الأرمن في ذلك الوقت.
ولفت العالم الجليل إلى أن علة القتال في الإسلام كما شرعه الله وكما هو متفق عليه وفق سائر القوانين الدولية إنما هو لدفع عدوان المعتدي لا لشيء آخر.
aXA6IDMuMTQ3LjYuMTc2IA== جزيرة ام اند امز