سياسة الترهيب الاقتصادي التي تمارسها إدارة ترامب فاشلة (تحليل)

اعتبر تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي أن الترهيب الاقتصادي الذي تمارسه الإدارة الأمريكية سياسة فاشلة على المدى الطويل.
ومنذ وصوله إلى سدة الحكم، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجموعة واسعة من الدول باتخاذ إجراءات عقابية، في مقدمتها فرض الرسوم الجمركية، لتحقيق أهداف في مجالات متنوعة مثل الوصول إلى الأسواق الخارجية، والسيطرة على تدفقات الأشخاص والمخدرات، والاستيلاء على الأراضي، لكن مدى نجاح هذه التكتيكات في السياسة الخارجية غير مضمون، إذ عادة ما يكون الترهيب سياسة فاشلة.
أرجع التقرير الدافع وراء الترهيب إلى "أسباب نفسية".
- مع تصاعد الحرب التجارية.. الصين تشدد قبضتها على التكنولوجيا والمعادن والمهندسين
- وول ستريت: عدم اليقين الاقتصادي يربك خطط أرباب الأعمال في أمريكا
يرى التقرير أن الرسوم الجمركية قد يكون الغرض منها توليد الإيرادات أو إنشاء حاجز وقائي للصناعات المحلية، وكلا الهدفين ذكرهما ترامب كثيرًا، وقد يكونا نجح في الضغط على الدول بشكل ما، مثل كولومبيا، إذ أدت تهديدات ترامب إلى موافقتها على استقبال مواطنيها المُرحلين، أو استعداد كندا والمكسيك للإعلان عن تدابير حدودية إضافية لضبط حركة المهاجرين أو ضبط تدفق مخدر الفنتانيل.
مثال أخر هو تهديد ترامب بعدم تقديم المساعدة لدول أخرى إذا تعرضت للغزو إلا إذا اتخذت تدابير معينة، مثل زيادة إنفاقها الدفاعي كما طالب دول الناتو، أو حتى غزوها بنفسه ما لم تتوقف عن التعاون مع دول أخرى، كما طالب بنما التي انسحبت من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
سلاح ذو حدين
رغم كل هذا، فإن تلك التهديدات قد تكون سلاحا ذا حدين، فالتهديدات أداة فعالة للسياسة الخارجية إذا تم استخدامها كعنصر أساسي في الاستراتيجية الدبلوماسية.
واعتبر التقرير أن مثل أي تكتيك آخر، يحمل "الترهيب" تكاليف محتملة، فضحايا الترهيب يميلون مع الوقت الى الابتعاد عن مصدره، وقد يسعوا الى تغيير ظروفهم ليصبحوا أقل عرضة أو اعتمادًا على مصدر التهديد، أو حتى يتجهوا لتشكيل جبهة موحدة لفرض تدابير مضادة عقابية، أو حتى البحث عن حماة آخرين – ربما يكونون أيضًا أعداء سابقين، لكن بشكل أقل قسوة.
من الأمثلة على ذلك، جهود الدول الأوروبية لزيادة إنفاقها الدفاعي وتعزيز تنسيقها في الوقت نفسه. وهو ما يمكن اعتباره بمثابة تنازل لمطالب ترامب، ولكنه أيضًا محاولة للبحث عن بديل للمظلة الأمنية الأمريكية.
النتيجة المحتملة لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة هي انخفاض قدرتها على ممارسة الترهيب بفعالية باستخدام الأدوات نفسها مع الوقت.
قتل الثقة بين الحلفاء
لا يمكن أيضا للترهيب أن يحقق جميع الأهداف، وقد يضر بقدرة الولايات المتحدة على تحقيق بعض الأهداف على الإطلاق.
فرغم أن الترهيب قد يولد امتثالًا لمطالب محددة، فإنه قد يعوق التعاون في مجالات يصعب مراقبتها وتعتمد على الثقة والتأكد من عدم التصرف بشكل انتهازي أو متقلب. كما أن العلاقات القائمة على الثقة توفر فوائد متبادلة نتيجة التعاون الطوعي. لكن التهديدات، حتى ضد الحلفاء، تقوض هذه الثقة ورغم أن مصدر الترهيب قد ينجح في انتزاع التنازلات المطلوبة، فإن ذلك قد يؤدي إلى حرمانه من أشكال التعاون الحيوية الأخرى، بما قد يشمل ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون في الأبحاث والتطوير، ومراقبة الأوبئة، وإدارة المخاطر المالية، والعديد من المجالات الحساسة الأخرى التي تتطلب تعاونًا مستمرًا.
كما أن أقوى التهديدات لها حدود لفعاليتها، فالتهديد في مجال معين مثل التجارة، لتحقيق الامتثال في مجال آخر مثل الأمن، يخلق حافزًا للامتثال فقط بقدر الفائدة المكتسبة من تفادي التهديد. لكن عندما يُستخدم التهديد نفسه لانتزاع تنازلات في مجالات متعددة، تزداد التكاليف بينما تبقى الفوائد كما هي، ما يقلل من قوة التهديد. كما أن التنفيذ الفعلي للتهديد قد يجعله أقل مصداقية مستقبلاً، إذ قد لا تستطيع الولايات المتحدة فرض الرسوم الجمركية على جميع الواردات دون الإضرار بمصالحها. وأظهرت بعض الدول الكبرى، مثل كندا والصين والاتحاد الأوروبي، استعدادها لتحمل الرسوم الجمركية وفرض تدابير مضادة، ما يشير إلى أن التهديد بالتعريفات الجمركية قد يكون في النهاية أداة ضعيفة لضمان الامتثال الشامل.
أخيرًا، كلما كان التهديد أكثر تطرفًا، زادت الحاجة إلى وضع أكثر تطرفًا لتعزيز مصداقيته. على سبيل المثال، التهديد باستخدام الأسلحة النووية أو قطع جميع العلاقات الاقتصادية قد يضر بالدولة نفسها التي ترهب الأخرين، لأنه قد يفقد إمكانية الاستفادة من التعاون الاقتصادي أو السياسي، كما أن الإجراءات القصوى قد تؤدي إلى عواقب وردود فعل سلبية شديدة. لهذا السبب، غالبًا ما تُستخدم هذه الإجراءات فقط ضد دول أصغر، كما هو الحال مع العقوبات المفروضة على كوبا. لكن تطبيق هذه الإجراءات ضد دول أو مجموعات أكبر من الدول يكون أقل مصداقية.
aXA6IDE4LjIyNS4zNy4xNzcg
جزيرة ام اند امز