مدينة الأشباح.. لماذا تتقاتل روسيا وأوكرانيا على باخموت؟
إذا كانت هناك مدينة يمكنها تمثيل موقع حرب الاستنزاف الطاحنة بين روسيا وأوكرانيا، فهي باخموت.. فما السر؟
استهدفت روسيا "باخموت" على مدار حوالي ثمانية أشهر، الأمر الذي حولها إلى ما يشبه مدينة الأشباح؛ حيث أرسلت موسكو موجات من الجنود تجاه مواقع الأوكرانيين، الأمر الذي أسفر عن خسائر فادحة في تلك العملية.
وفي عدة مراحل مرتبطة بمعركة باخموت، ومع اقتراب القوات الروسية، بدت المدينة على حافة الانهيار، لكن المقاتلين الأوكرانيين صمدوا افي مواقعهم، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وقبل الحرب، كانت باخموت تعرف في الغالب كمركز صناعة الملح، لكن القتال المتواصل والمتزايد للسيطرة على المدينة -الذي يقول محللون إنها تحمل أهمية استراتيجية ضئيلة- جعل منها صيحة استنفار ومعركة سياسية للجانبين.
والأسبوع الماضي، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الوضع في باخموت هو "الأصعب" في البلد، لكنه تعهد، مساء الإثنين، بعدم الانسحاب من باخموت، مضيفا أن كبار القادة العسكريين دعموا تعزيز المدينة.
ويمكن أن تسيطر موسكو قريبا على المدينة، بحسب ما قاله الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، الأربعاء، لكن مثل هذا السيناريو "لا يعكس بالضرورة أي نقطة تحول بالحرب، وفقط يسلط الضوء على ضرورة عدم الاستهانة بروسيا"، بحسب ما قاله للمراسلين قبل اجتماع مع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي.
وفي السطور التالية، تستعرض "واشنطن بوست" الأمريكية كل ما تحتاج معرفته عن المعركة من أجل المدينة.
أين باخموت؟
تقع باخموت في منطقة دونيتسك الشرقية، على بعد أكثر من 400 ميل جنوب شرق كييف و10 أميال من حدود منطقة لوهانسك.
كانت المدينة الصناعية تعرف بمناجم الفحم والجبس الموجودة بها، كما أنها موقع مصنع للنبيذ تم تأسيسه بأمر من الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين عام 1950، والذي أنتج على مدار عقود النبيذ الفوار السوفياتي من الدرجة الأولى، قبل إعادة تسميته عندما حصلت أوكرانيا على الاستقلال عام 1991.
وطال الصراع باخموت منذ عام 2014، عندما شن الانفصاليون المدعومون من روسيا حملة للسيطرة على دونيتسك، واستولى الانفصاليون لفترة قصيرة على أجزاء من المدينة ذاك العام، قبل أن تخرجهم القوات الأوكرانية منها.
وفي عام 2016، غيّر السكان اسم المدينة الذي يرجع إلى العهد السوفياتي، أرتيموفسك، ليعود إلى اسمها التاريخي باخموت، والذي يرجع إلى عام 1571، عندما كانت مستوطنة للقوزاق.
وتقع المدينة جنوب شرق كراماتورسك، وهي مركز إقليمي وإداري مهم في منطقة دونباس، التي تضم دونيتسك ولوهانسك.
وبعدما شنت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة ضد أوكرانيا، العام الماضي، تعرضت باخموت للقصف في مايو/أيار، في إطار جهود موسكو لتطويق القوات الأوكرانية في دونيتسك ولوهانسك.
آنذاك، قالت موسكو إنها ترمي للسيطرة على المنطقتين بالكامل، واللتين تأتيان بين تلك التي زعمت ضمها إليها في سبتمبر/أيلول الماضي.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال زيلينسكي إن القوات الروسية حولت المدينة إلى "أنقاض محترقة".
لماذا باخموت مهمة؟
قالت محللة الشؤون الروسية بمعهد دراسة الحرب كارولينا هيرد، إن باخموت لم تكن مدينة تحمل أهمية رمزية أو استراتيجية. وتبعد أكثر من 30 ميلا عن أقرب مدن كبيرة، كراماتورسك وسلوفيانسك.
لكن من المفارقة، بحسب المحللين، اضطلعت المدينة بأهمية سياسية كبيرة لكلا الجانبين، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن القتال كان محتدما للغاية هناك.
ومنذ شنت القوات الأوكرانية هجمات مضادة ناجحة في الخريف، مستعيدة بذلك أراضي، أصبح القتال إلى حد ما راكدا على طول الجبهة الممتدة لمسافة 600 ميل. وتعتبر باخموت أحد بضع أماكن حيث حققت القوات الروسية مكاسب جديدة.
والثلاثاء، وصف وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، باخموت بأنها "عقدة دفاعية مهمة للقوات الأوكرانية في الشرق". وأضاف في بيان: "السيطرة عليها ستمكن إجراء مزيد من الهجمات في عمق دفاعات القوات المسلحة الأوكرانية".
وبالنسبة للأوكرانيين، أصبحت باخموت رمزا للمقاومة. وعندما زار زيلينسكي المدينة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وصف المدينة المحاصرة بـ"حصن روحنا المعنوية".
وفي اليوم التالي، وخلال زيارة مفاجئة إلى واشنطن، قدم زيلينسكي علما من باخموت إلى الكونغرس، وقارن المعركة بنقطة تحول في الثورة الأمريكية.
كيف تطورت المعركة؟
منذ سبتمبر/أيلول الماضي، كثيرا ما بدت باخموت بأنها على حافة السقوط، وأكد المسؤولون الأوكرانيون أن أشرس المعارك تدور هناك. لكن صمدت القوات الأوكرانية طوال الشتار البارد، ووجهت نيران مدفعيتها على القوات الروسية.
وخلال الأسابيع الأخيرة، احتدم القتال، مع تكثيف القوات الروسية للهجمات وسعيها لتطويق باخموت والقوات الأوكرانية المتبقية هناك.
وقال ألكسندر رودنيانسكي، مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للشؤون الاقتصادية: "جيشنا سيدرس جميع الخيارات. حتى الآن، سيطروا على المدينة، لكن، إذا استلزم الأمر، فسينسحبون استراتيجيا".
لكن كبار القادة العسكريين لزيلينسكي نصحوا هذا الأسبوع بمضاعفة أوكرانيا دفاعها عن المدينة، بحسب ما قاله مكتبه خلال بيان، الإثنين.
ماذا يعني نصر روسيا؟
إذا أخرجت القوات الروسية القوات الأوكرانية من باخموت، سيمثل ذلك انتصارا عسكريا نادرا لهم خلال الشهور الأخيرة، ومكسبا رمزيا للكرملين.
لكن من حيث القيمة الاستراتيجية، يقول محللون إن مثل هذا النصر سيكون باهظا، والمدينة نفسها مدمرة عن بكرة أبيها.
وقد يعطي الانتصار نقطة انطلاق للروس للدفع نحو الشمال الغربي على طول الطريق إلى سلوفيانسك، أو شمالًا إلى بلدة سيفسرك. مع العلم أن القوات الروسية حاولت السيطرة على تلك المدن في الماضي وفشلت. وحفر الأوكرانيون دفاعات احتياطية في المجتمعات المجاورة، مما قد يجعل أي تقدم روسي صعبًا.
وحتى إذا انسحبت أوكرانيا، فقد نجحت بالفعل في إرهاق القوات الروسية. وقد تصعب الخسائر الفادحة والموارد التي تم استخدامها على موسكو شن دفاع فعال في الجنوب، حيث ربما تستعد أوكرانيا لإطلاق هجوم مضاد في الربيع.
aXA6IDE4LjIyNi4yMjYuMTUxIA== جزيرة ام اند امز