مؤتمر السلام في "بلد الحياد".. هل يكتب نهاية الحرب في أوكرانيا؟
فيما تتصاعد خطى الحرب بشكل مستمر، يبحث آخرون عن فرصة لوضع نهاية قريبة للقتال، وتجنيب العالم تداعيات جمة على كافة المستويات.
ومنذ بداية الحرب في فبراير/شباط 2022، لم تراوح فكرة السلام مكانها، بل سارعت الأطراف المتصارعة إلى حشد عتادها، سواء بـ"التعبئة" في روسيا، أو جمع السلاح الغربي في أوكرانيا.
ورغم ابتعاد فكرة السلام ونهاية الحرب، فإن جهود وساطة من أطراف ثالثة نجحت بشدة في ملفات أخرى، مثل وساطة دولة الإمارات العربية المتحدة في توصل روسيا وأوكرانيا لاتفاقات تبادل أسرى، وإبرام تركيا صفقة تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.
٣ مسارات
وفي هذا الإطار، قال الخبير النمساوي الأبرز في الشؤون الخارجية، هاينز غارتنر، "هناك ثلاثة مسارات للحرب، إما أن يكون هناك اتفاق سلام، وإما أن يُهزم أحد الأطراف بالكامل، أما المسار الثالث، وهو ما نعيشه الآن، فأن يتم تصعيد الحرب بشكل مستمر دون وجود فائز واضح".
وأضاف أن "المسار الثالث قد يشمل هجمات واسعة على السكان المدنيين أو استخدام الأسلحة النووية، إذ لم نستطع إيقاف هذا التصعيد المستمر".
وتابع في مقابلة مع مجلة كونتراست النمساوية الشهيرة، "الأمر لم يعد يتعلق فقط بسيادة أوكرانيا، والتي هي في الواقع جوهر الخلاف، ولكننا نتحدث الآن عن وجود الغرب مقابل وجود روسيا. ومن الصعب التفاوض على هذا المستوى، لأنه لا يمكنك التفاوض على الأيديولوجيات والوجود".
وأعرب عن رأيه -في المقابلة التي طالعتها "العين الإخبارية"- أنه "من الناحية الجيوسياسية، روسيا هُزمت بالفعل.. لم تحقق ما أرادت. وبدلاً من الحد من توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حدث العكس، كما عززت الحرب الهوية الوطنية لأوكرانيا".
قبل أن يستدرك "أما من الناحية العسكرية، فلن تؤدي شحنات الأسلحة الغربية وحدها إلى تحرير الأراضي الأوكرانية، بل تعزز الوضع الراهن (التصعيد المستمر)".
وعن مكاسب الحرب في أرض المعركة، لفت الخبير النمساوي إلى وجودها لدى كل طرف، مستطردا في هذه الجزئية: "أحيانا يتم تفسير الانتصار في ساحة معركة بعينها على أنه ضربة مدمرة لأحد الأطراف، وهذا ليس صحيحًا".
المبادرة
غارتنر تحدث بوضوح عما سماه السيناريو الأصعب، وقال: "آخر بقايا دونباس وشبه جزيرة القرم هما الخط الأحمر بالنسبة لروسيا، وهما مسألة وجودية"، مضيفا "إذا تم طرد روسيا منهما، فلن يتردد بوتين في استخدام الأسلحة النووية... سيكون ذلك بمثابة كارثة بالنسبة لأوروبا لأنها ستكون ساحة معركة نووية".
هنا طرح غارتنر ما يشبه المبادرة لعقد مؤتمر دولي للسلام بحضور الأطراف الرئيسية للحرب، بقوله "تملك النمسا جميع المتطلبات المسبقة للإعداد واستضافة مؤتمر سلام حول الحرب في أوكرانيا، على غرار مشاركة النمسا وغيرها من الدول المحايدة في مشاورات الأمن والتعاون في أوروبا في السبعينيات بمشاركة أمريكا والاتحاد السوفياتي".
لكن الأمر من وجهة نظره، يتطلب "أن تظل الدولة المحايدة على اتصال مع جميع أطراف النزاع. وإلا فإن استضافة مثل هذا المؤتمر غير ممكن".
وضرب غارتنر الأستاذ في جامعة فيينا مثالا باستضافة العاصمة النمساوية مفاوضات النووي الإيراني خلال العامين الماضيين وفي 2015، مضيفا "هذا يحدث فقط انطلاقا من حياد النمسا".
وأوضح "في الأزمة الحالية، يمكن للنمسا بالطبع أن تلعب دورًا خاصًا بها منطلقا من حيادها، كما فعلت خلال الحرب الباردة، في إطلاق مؤتمر للسلام بمشاركة روسيا وأوكرانيا، يضع نهاية للحرب".
أساس الطرح
ويستند طرح غارتنر إلى حقيقة أن النمسا باتت رفقة سويسرا (الدولتان المحايدتان الوحيدتان في قلب أوروبا)، بعد أن تخلت فنلندا والسويد عن الحياد لصالح الانضمام لحلف شمال الأطلسي "ناتو".
لكن النمسا تملك أفضلية على سويسرا كوسيط في السلام، لأنها عضو في الاتحاد الأوروبي، ورفضت بشكل قاطع تسليم أسلحة لكييف، وتمسكت بوجود اتصالات مستمرة مع موسكو.
بل إن المستشار النمساوي كارل نيهامر كان المسؤول الأوروبي الوحيد الذي زار موسكو بعد اندلاع الحرب، وبالتحديد في أبريل/نيسان الماضي، والتقى الرئيس فلاديمير بوتين.
وقبل أسبوعين، سمحت النمسا بدخول وفد روسيا المشارك في اجتماعات الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وحضر بالفعل الاجتماعات، رغم احتجاج كييف على ذلك ومقاطعتها الاجتماعات.
ومن ثم، ووفق مراقبين، فإن النمسا كبلد أوروبي محايد ويملك اتصالات مع جميع الأطراف، قادرة على استضافة مؤتمر السلام ولعب دور الوسيط، لكن الأمر يتوقف على أطراف الحرب لقبول مثل هذه المبادرة.
إذ تصر كييف على ضرورة انسحاب روسيا من شبه جزيرة القرم ودونباس قبل أي مفاوضات، فيما تتمسك روسيا بمناطق داخل أوكرانيا تقول إنها تتعرض للاضطهاد بسبب هويتها الروسية، فضلا عن نزع سلاح كييف، ما يخلق وضعا "صفريا".
هذه الوضعية الصفرية تصعب معها المفاوضات، ويحتاج الأمر لجهود دولية كبيرة تتزامن مع جمود عسكري على الأرض وارتفاع تكلفة القتال البشرية والمادية، لدفع الأطراف إلى طاولة التفاوض، وفق المراقبين.
aXA6IDE4LjIxNi41My43IA==
جزيرة ام اند امز