حظر الرحلات الجوية.. دولة أوروبية تواجه المناخ
أصبح الأفراد والمؤسسات مهتمين بشكل متزايد بفهم التأثيرات المناخية لأنشطتهم.
هذا، وقد حظي السفر الجوي على وجه الخصوص باهتمام كبير لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHG)، وخاصة ثاني أكسيد الكربون (CO2). ويرجع ذلك جزئيًا إلى النمو السابق في السفر الجوي وتوقعات استمرار النمو، إلى جانب الافتقار إلى خيارات الطيران منخفضة الكربون.
الطيران منخفض الكربون
لا تزال خيارات الطيران منخفضة الكربون نادرة في أحسن الأحوال، حتى في ظل السيناريو الأكثر تفاؤلاً لدى منظمة الطيران المدني الدولي، أشارت الدراسات إلى أنه من غير المرجح أن تحقق صناعة الطيران منخفض الكربون الهدف الطموح للمنظمة، المُتمثل في تحسين كفاءة الوقود بنسبة 2٪ سنويًا (وبالتالي خفض ثاني أكسيد الكربون)؛ حيث تزعم مجموعة عمل النقل الجوي (ATAG) ، أن الصناعة تحقق تحسنًا سنويًا بنسبة 2٪ في الكفاءة؛ حيث تعمل على تحقيق هدف 2050 المتمثل في خفض إجمالي الانبعاثات بنسبة 50٪ مقارنة بعام 2005 في الولايات المتحدة.
فرنسا نموذجًا
أصبحت فرنسا -التي تصدرت عناوين الصحف تحظر الكثير من الأشياء، مثل المدافئ الخارجية والتدخين في الغابات، في محاولة للحد من تغير المناخ -أول دولة تحظر الرحلات الجوية القصيرة هذا الأسبوع، حيث منعت العديد من الرحلات الجوية الداخلية التي يمكن الوصول إليها بسهولة بالقطار.
مرسوم حظر الطيران
سنت الحكومة الفرنسية قرارًا إلزاميًا على جميع شركات الطيران وخطوط السفر داخل دولتها في 23 مايو 2023، بحظر الرحلات الجوية الداخلية القصيرة التي يمكن تغطيتها بالقطار في غضون ساعتين ونصف الساعة، وذلك في خطوة بدت منطقية جدًا لدى الحكومة هناك؛ حيث أشادت بالمرسوم باعتباره دليلًا على أن فرنسا كانت في طليعة الدول التي تدعم سياسات المناخ الطموحة؛ وخير دليل على ذلك، تصريح الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" في رسالة احتفالية على منصة "تويتر" تضمنت أيضًا صورة مختومة بالحبر الأخضر كُتب عليها 'الوعد محفوظ': 'نحن أول من يفعل ذلك'. بحسب ماذكرته صحيفة واشنطن بوست
ومن جانبه، صرح "كليمان بون"، وزير النقل الفرنسي، عن حظر الطيران، في بيان يوم الثلاثاء أعلن فيه بأن ذلك الإجراء هو "الأول من نوعه في العالم: هذه خطوة أساسية ورمز قوي في سياستنا للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري".
جاء المرسوم من تجربة فرنسا الجديدة في عام 2019، لتكليف 150 شخصًا تم اختيارهم عشوائيًا بوضع سياسة مناخية في 'تجمع المواطنين'. واقترح حظر أي رحلات جوية يمكن إنجازها في أقل من أربع ساعات بالقطار.
مزايا المرسوم
فإن الرحلات الجوية القصيرة تلحق الضرر بالمناخ دون توفير راحة أكبر من ركوب القطار؛ حيث تحرق الطائرات كميات كبيرة من الوقود عند الإقلاع وعند الصعود إلى الارتفاع، مما يجعل السفر الجوي لمسافات قصيرة أقل كفاءة في استخدام الطاقة. هذا، ويُمثل الطيران أكثر من 2% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، وتشكل الرحلات قصيرة المدى -التي تُعرف بأنها تغطي مسافات أقل من حوالي 930 ميلاً- حوالي ثلث ذلك.
كما أوضح رذرفورد مدير البرامج في المجلس الدولي للنقل النظيف، بإن هناك مكانًا رائعًا: بالنسبة للرحلات التي تقل عن 500 ميل، فإن استبدال رحلات الطيران برحلات قطارات عالية السرعة، يُمكن أن يحد من السفر الجوي؛ حيث تُشكل الرحلات التي تقل عن 500 ميل حوالي 25% من إجمالي رحلات الحركة الجوية المحلية للولايات المتحدة.
استكمل رذرفورد قائلًا، "خذ رحلة أقل من 300 ميل بين العاصمة ومدينة نيويورك". واستنادًا إلى دراسة صادرة في عام 2021، تحت عنوان "التوفير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل راكب باستخدام السكك الحديدية بدلاً من السفر الجوي في شمال شرق الولايات المتحدة"، فإن راكبًا واحدًا يقوم برحلة ذهابًا وإيابًا بالقطار بدلاً من الطيران سيمنع ما بين 100 و 150 كيلوجرامًا من ثاني أكسيد الكربون من التدفق في الغلاف الجوي- وهو ما يعادل منع حرق ما يقرب من 10 إلى 15 جالونًا من البنزين؛ حيث إن القطار بين العاصمة ونيويورك يعمل بالكهرباء.
هذا، وأشار رذرفورد، إلى إن تصرفات فرنسا تُعّدُ خطوة صغيرة نحو تغيير طريقة تفكير الأفراد في الطيران. عندما يكون هناك بديل جيد - يستغرق نفس القدر من الوقت ويكون مسؤولاً عن تقليل انبعاثات الكربون - فلماذا لا تأخذ القطار فقط؟
استثناءات المرسوم
أفاد النقاد، بإن هناك الكثير من اللغط حول ذلك المرسوم؛ حيث إنه ينطبق فقط على المدن المتصلة عن طريق خدمة القطارات المباشرة التي تعمل 'عدة مرات في اليوم'. ولا ينطبق ذلك على الرحلات الجوية المتصلة، ويضع استثناءً لمطار Paris Roissy-Charles de Gaulle، أحد أكثر محاور الركاب ازدحامًا في أوروبا، بحيث تظل الخطوط الجوية بين شارل ديجول والمدن الفرنسية الأخرى قائمة. فمن المتوقع أن تؤثر القاعدة النهائية على ثلاثة مسارات فقط: الرحلات بين باريس-أورلي وبوردو أو نانت أو ليون.
لذا فإن الحظر الجديد لن يقلل بشكل كبير من انبعاثات الطيران في فرنسا. بحسب ما ذكره، "دان رذرفورد"، في رسالة بالبريد الإلكتروني "إن المرسوم سيقلل من هذه البرامج بنسبة تقل عن 3%"؛ لكن الحظر يمكن أن يكون له قوة سياسية. قال رذرفورد: 'إنها ضربة قوية في صناعة الطيران'. وعلى نطاق أوسع - أو في بلد أكبر - فإن إنهاء الرحلات القصيرة المدى يمكن أن يحدث فرقًا حقيقيًا.
لطالما كان يُنظر إلى الرحلات الجوية القصيرة على أنها نوع من ويلات المناخ. تعتبر الرحلات الطويلة -مثل الرحلات عبر المحيط الأطلسي من الولايات المتحدة إلى أوروبا- كثيفة الكربون ولكن ليس لديها أيضًا بدائل جيدة.
تهدف الاستثناءات إلى التأكد من أن خدمة القطارات بين مدينتين قوية بما يكفي قبل حظر الرحلات الجوية بين تلك الوجهات نفسها. لكن بالنسبة للنقاد، فإن الخلط المربك جعل هذا المرسوم ضعيف إلى حد كبير.
هذا، ومن جانبها ذكرت "جينيفيف لافيرير"، التي تتولى قضايا النقل في France Nature Environnement ، وهو اتحاد لمجموعات الدفاع البيئي: 'كل هذه الضجة ، ليس كثيرًا'. وأفادت، بأن الحظر يمكن أن يكون له تأثير 'تعليمي'، من خلال تشجيع المسافرين على البحث عن بدائل للطيران. لكنها أكدت أن الحكومة فوتت فرصة للعمل بقوة أكبر، مضيفة: 'هناك الكثير من القيود التي أدت إلى اختفاء الفعالية'.
كان الحظر على الرحلات الداخلية القصيرة جزءًا من قانون واسع النطاق لمعالجة تغير المناخ تم تمريره في عام 2021؛ بهدف خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في فرنسا. وفي ضوء ذلك، كشفت حكومة ماكرون مؤخرًا عن خارطة طريق معجلة لخفض تلك الانبعاثات بنسبة 50٪ بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990.
aXA6IDUyLjE1LjY4Ljk3IA== جزيرة ام اند امز