مأزق الحكومتين بليبيا.. هل تنجح دبلوماسية الهاتف والتغريد؟
مفترق طرق جديد باتت ليبيا على أبوابه، بعد أيام من أداء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية، أمام البرلمان، في جلسة شهدت حضورًا كبيرًا.
إلا أنه ومنذ أداء الحكومة الجديدة اليمين ورغم تأكيد رئيسها باستمرار أن التشكيلة الوزارية ستبدأ مهامها من العاصمة طرابلس، لم يحدث أي من ذلك، بل على النقيض تمامًا عقد رئيس الحكومة السابقة عبدالحميد الدبيبة اجتماعًا وزاريًا اليوم بمن تبقى من تشكيلته الوزارية، في موقف تصعيدي يؤكد أن الأخير لن يسلم السلطة بشكل سلمي.
موقف تصعيدي، عبر عنه مرارًا عبدالحميد الدبيبة في بيانات سابقة بأنه لن يسلم السلطة إلا لسلطة منتخبة، ما دفع الأطراف الغربية إلى اللجوء لـ"دبلوماسية الهاتف" و"التغريد" كسياسة لحث الأطراف الليبية على عدم التصعيد المسلح.
كما دعت تلك الأصوات الغربية إلى تسليم السلطة بشكل سلسل يجنب الليبين ويلات الحروب، التي لم تلتئم الجراح التي خلفتها بعد.
دبلوماسية الهاتف
وفي هذا الإطار، تلقت الأطراف الليبية خلال الساعات الأربع وعشرين الماضية اتصالات مكثفة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والسفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نورلاند، فضلا عن السفيرة البريطانية كارولاين هرندل، بالإضافة إلى المبادرة التي أعلنتها المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني ويليامز، في محاولة أخيرة للبعد عن العنف سبيلا لفرض الحلول.
إلا أن دبلوماسية الهاتف والتي اتبعتها الأطراف الغربية، اعتبرها محللون ليبيون "غير مجدية"، مشيرين إلى أن الموقف الغربي لم يكن واضحًا ولا صارمًا في تأييده لأي من الحكومتين، مما فتح الباب على مصراعيه بشأن احتمالات كثيرة.
وإلى ذلك يقول المحلل السياسي الليبي حسين مفتاح، إن الدول الغربية ذات الكلمة المؤثرة في الأزمة الليبية، لجأت إلى سياسة إصدار بيانات وإجراء اتصالات هاتفية وممارسة "التغريد" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة اعتبرها قد تؤثر نوعًا ما، إلا أنها لن تكون مجدية في حل الأزمة.
لا جدية
وأوضح المحلل الليبي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أنه لا "جدية" من الدول الغربية أو البعثة الأممية بوضع حل للأزمة الليبية؛ فالدول الخمس التي أصدرت بيانا مشتركا لم تذكر أيا من الحكومتين هي الشرعية، ويجب دعمها.
وأكد أن هذه الأطراف "غير جادة" في حلحلة الأزمة الليبية؛ فهي ترى أن وضع عدم الاستقرار في ليبيا يخدم مصالحها ويمرر أجندتها، شريطة عدم تحوله إلى صراع مسلح، مشيرًا إلى أن تلك الدول ستصدر بيانات "حادة" حال تعرض مصالحها للخطر؛ بل إنها ستتدخل لتعطيل أي عملية سياسية قد لا تتوافق معها.
وحول موقف الشارع الليبي، قال مفتاح إن الليبيين يعولون على تغيير كل الوجوه الحالية، مشيرًا إلى أنهم سيرحبون فقط بالحكومة القادرة على إنجاز الانتخابات في أقرب وقت ممكن، وهو ما دفع الدبيبة للعب على هذا الوتر بادعائه أنه قادر على إنجاز الانتخابات في يونيو/حزيران المقبل.
شارع منقسم
أما الشارع الليبي فلم يحدد موقفه حتى الآن؛ فلا مظاهرات مرحبة أو رافضة لأي من الحكومتين، ما يجعل من الصعب تحديد موقفه، إلا أن ما لا يختلف عليه الليبيون هو إنجاز الانتخابات بشكل سريع لتغيير كل الأجسام الحالية.
ورغم الأزمة الحالية والتي قد تهدد وحدة ليبيا، إلا أن الحقوقي والمحلل عصام التاجوري، قال إنه من غير المتوقع أن تهدد هذه الأزمة وحدة التراب الليبي؛ لاعتبارات كثيرة، وعلى رأسها طبيعة مكونات الفريقين المتنازعين على السلطة التنفيذية.
وأوضح الحقوقي الليبي، أن باشاغا والدبيبة لديهما ممثلون عن كل المناطق والمدن الليبية، ما يجعل من الانقسام أمرًا غير قابل للحدوث، بالإضافة إلى أن النزاع قائم على السلطة التنفيذية فقط لا باقي سلطات الدولة.
وحول جهود الوساطة الخارجية، فأكد التاجوري أن تلك الجهود ليست حقيقية؛ واصفًا إياها بـ"الخجولة"، مشيرًا إلى أن حالة الانقسام ما بين الفاعلين إقليميًا ودوليًا هي السبب الذي يعيق نجاعة هذه الجهود.
وأكد أن غياب الرؤية الغربية الموحدة حيال القضية الليبية، بسبب كون الملف الليبي مرتبط بملفات دولية أكثر تعقيدا؛ فالعديد من الدول الغربية تعتبره ورقة ضغط لا ساحة عمل مشتركة.
أما عن سبل الخروج من الأزمة الحالية، فأكد التاجوري، أن الخروج مشروط بإدراك الفاعلين المحليين بضرورة فك الارتباط مع الفاعلين إقليميًا ودوليًا، خاصة في هذا التوقيت الذي ينشغل فيه المجتمع الدولي بالأزمة الأوكرانية؛ مما سيخلق فرصة حقيقية لإعادة ترتيب البيت الداخلي، بعيدا عن أي تأثيرات خارجية.
وأشار إلى أن معادلة الشارع الليبي لم تعد في حسابات المجتمع الدولي ولا الأطراف المحلية "لأن المال السياسي أفسد الشارع الليبي"، على حد قوله.
خيارات محتملة
وحول الخيارات المحتملة، فتوقع الحقوقي الليبي أن جميع الخيارات متاحة؛ وعلى رأسها خيار انسحاب أحد الفريقين لصالح الآخر، مع ضمان الخروج المشرف للفريق المنسحب أو الاثنين معا، وترك المجال مفتوحًا لإعادة النظر كليا في مسألة السلطة التنفيذية.
إلا أن تلك الرؤية لم يؤيدها المحلل السياسي الليبي محمد يسري، الذي اعتبر أن الحل لأزمة بلاده لن يكون ليبيًا ليبيًا؛ لأن "الطبقة السياسية احتكمت منذ سنوات للأطراف الدولية في حلحلة الأزمة".
ودلل على موقفه بالمبادرة الأممية الأخيرة التي طرحتها المبعوثة الأممية، بالإضافة إلى محاولات السفير الأمريكي الأخيرة لخلق توافق بين الأطراف السياسية.
وأوضح أن دبلوماسية الهاتف قد تؤدي إلى حلول "ناجعة" بالفعل، خاصة إذا كانت من أطراف لها تأثير كبير في المشهد الليبي مثل فرنسا وأمريكا، مما سيشكل مزيدًا من الضغط على كافة الأطراف الليبية لمحاولة الوصول إلى توافق وإنهاء الصراع الحاصل بين الأطراف السياسية.
aXA6IDMuMTQuMTMyLjQzIA== جزيرة ام اند امز