بعد إغلاق محطة BBC عربي.. هل دخلنا عصر سحب البساط من الإذاعات؟ (خاص)
ظهر الجمعة الماضية، أُسدل الستار على راديو "بي بي سي عربي"، بعد 85 عاماً من البث المتواصل عبر الأثير.
قرار الإغلاق أعلنت عنه هيئة الإذاعة البريطانية في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، وأرجعته إلى تنفيذ خطّة لإعادة الهيكلة والتوجّه إلى المنصات الرقمية، بما ترتب عليه إلغاء 382 وظيفة.
أكدت الهيئة حينها أن هذه الخطوة جاءت للتعامل مع التضخم المرتفع والتكاليف العالية وتسوية رسوم الترخيص النقدية الثابتة، خاصةً مع ضرورة توفير 28.5 مليون جنيه استرليني كجزء من تخفيضات أوسع بقيمة 500 مليون جنيه استرليني، في خطوة حفزها توجه الجمهور نحو شبكة الإنترنت للاطلاع على أحدث الأنباء.
ما اتخذته هيئة الإذاعة البريطانية للتعامل مع أزمتها، فتح باب النقاش بشأن تأثيرات هذا الإجراء على الصناعة ككل، فالبعض يتساءل عما إذا كانت هذه الخطوة من شأنها أن تسحب البساط من تحت أقدام الإذاعة بشكل عام، أو ترسم طريقًا لمؤسسات أخرى تسعى إلى ترشيد نفقاتها بأي وسيلة كانت، وهو ما حاولت "العين الإخبارية" الوقوف على حقيقته خلال السطور التالية..
الأمر لا يتعلق بسحب البساط
قال الدكتور ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامي، إن خطوة هيئة الإذاعة البريطانية لا تعني بالضرورة سحب البساط من تحت أقدام الإذاعة، لكنها قد تكون مؤشرًا على حقيقة الوضع.
أضاف عبدالعزيز، لـ"العين الإخبارية": "ما حدث هو إحصاء بي بي سي لعدد جمهورها في الوطن العربي البالغ 39 مليونًا أسبوعيًا، تبين أن منهم 5% يستمعون للإذاعة فقط، وهنا باتت مصاريف التشغيل لا جدوى منها".
ما سبق، اتفق معه الدكتور عمرو عبدالحميد أستاذ مساعد الإذاعة والتلفزيون بجامعة القاسمية بالشارقة: "من وجهة نظري الموضوع لا يتعلق بسحب البساط، الإذاعة لا بد أن تواكب التطورات الحديثة في المجال ولا توجد وسيلة تلغي وسيلة أخرى، لكنها تجعلها أكثر مواكبة للعصر".
رغم هذا، اعتبر "عبدالحميد"، في تصريحه لـ"العين الإخبارية": أن القرار الصادر كان مفاجئًا لكل المتابعين للعمل الإذاعي والتليفزيوني: "هذه الإذاعة لها جمهورها على امتداد محيط العالم العربي والعالم أجمع".
فيما ذكر الدكتور عثمان فكري، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن التاريخ يؤكد دائمًا أنه لا توجد وسيلة إعلامية جماهيرية ظهرت واختفت من الساحة مرة أخرى، موضحًا، لـ"العين الإخبارية"، أن "الوسائل لا تختفي، لكنها تظهر في شكل جديد عبر وسيط جديد".
ضغوط اقتصادية
اعتبر الدكتور ياسر عبدالعزيز، أن الضغوط الاقتصادية كان لها دور في اتخاذ هذا الإجراء، فالغرض هو "توفير نفقات الإذاعة لصالح خدمات لها طبيعة مسموعة من خلال الروابط الإلكترونية عبر منصات الديجيتال، وعلى رأسها البودكاست".
هذا الأمر نوه به كذلك الدكتور عمرو عبدالحميد، فقال: "الإذاعة حاليًا يمكن إنتاج محتواها ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات على الهواتف الذكية، بما يجعل الاتجاه إلى العالم الرقمي قادمًا لا محالة".
واستدرك: "المشكلة أن الإذاعة لم تنتقل بالكامل لتبث خلال الإنترنت، وما حدث هو إغلاق لاستوديوهات وإنهاء لعقود العاملين وإغلاق لفروع لإذاعة بي بي سي في القاهرة والأردن وغيرها، وبالتالي فكرة إعلان الإذاعة بأنها ستتحول للشكل الرقمي فكرة غير واضحة للمستمع".
التغيير قادم لا محالة
توقع الدكتور ياسر عبدالعزيز أن تسير مؤسسات إعلامية أخرى على نفس نهج "بي بي سي"، مبررًا: "آليات التلقي السائدة تتغير تغيرًا مطردًا في اتجاه المنصات الديجيتال والشاشات، وهذا الأمر يأتي على حساب الوسائل التقليدية كالصحف والتلفزيون والإذاعة، بما يزيد الضغوط على وسائل الإعلام التقليدية".
من جانبه، أوضح الدكتور عمرو عبدالحميد أن بعض الجمهور ما زال مرتبطًا بالإذاعة خاصةً داخل السيارات بجانب بعض هواة الاستماع للأثير، واستدرك: "علينا التكيف مع التغيرات الحديثة في المجال تقنيًا، خاصة الجمهور من جيل الشباب الذين غيروا نمط الاستماع إلى البودكاست وتطبيق (تيك توك) وغيرهما".
تابع: "ما حدث هو جرس إنذار لأي محطة إذاعية لن تواكب التطورات الحديثة، وتحاول البحث عن مصادر دخل مختلفة تضمن لها الاستمرارية، وتدرك أن عصر البودكاست والتقنية الرقمية قادم لا محالة".
على نفس المنوال، قال الدكتور عثمان فكري إن البودكاست يُعتبر شكلًا جديدًا للإذاعة في الوقت الراهن، منوهًا في الوقت نفسه بأن الإذاعة التقليدية تعرف جمهورها وتوجه مضمونها له، وهو "جمهور السيارات والمواصلات": "أفضل الفترات الإذاعية هي مع الساعة الثامنة صباحًا والرابعة عصرًا، أي موعدي ذهاب الناس إلى أعمالهم وعودتهم منها".
اعتبر "فكري" أن فكرة سير مؤسسات أخرى على نهج "بي بي سي" وارد: "هذا الأمر حدث بالفعل من خلال توقف النسخة المطبوعة من الصحف المسائية في مصر منذ عدة أشهر، كما قلت لك قد يتغير الوسيط لكن الوسيلة موجودة".
استطرد: "هناك نظرية في الإعلام تُدعى (الإزاحة)، تعني أنه إذا امتلكت وسيلة أو وسيط إمكانات وسيطا آخر وأضافت عليه يستطيع أن يزيح جماهيرها، وهذا ما يحدث مع الإنترنت الذي يُعتبر وسيطًا يمتلك كل الإمكانات المطلوبة بأقل تكلفة، وبالتالي يزيح تدريجيًا جماهير الوسائط التقليدية إلى وسائطه الحديثة".