الأمر الآخر والمريب في تفجير بيروت، هو معرفة معظم الجهات الأمنية والشخصيات السياسية بوجود نيترات الأمونيوم داخل عنبرٍ في مرفأ العاصمة.
خلف تفجير بيروت الهائل والذي ضرب مرفأها أمس الثلاثاء، خسائر بشرية ومادّية كبيرة وتحولت في دقائق إلى مدينةٍ منكّوبة ما ترك الكثير من علامات الاستفهام، خاصة وأن مجمل الروايات التي قدّمتها السلطات اللبنانية على التوالي، غير منطقية ولا يمكن لعاقل أن يصدّقها على الإطلاق مهما حصل.
فقد كشفت الرواية الأولى أن التفجير الذي ضرب مرفأ العاصمة اللبنانية حصل داخل مستودعٍ للألعاب النارية، والسؤال كيف يمكن أن تؤدي تلك المفرقعات إلى هذا الدمار وإلى إحداث هزّاتٍ أرضية وترددات في كلّ أنحاء لبنان وصولاً إلى أجزاء من قبرص وسوريا والأردن، وهو أمر أكدته وكالة الصحافة الفرنسية يوم أمس. ناهيك عن أن حجم الدمار الذي خلّفه التفجير في نصف أحياء بيروت على الأقل، يوحي بأن شيئاً كبيراً قد حصل، وهذا ما ينفي جملةً وتفصيلاً فرضية انفجار مستودع ألعابٍ نارية.
كانت هذه الرواية المتداولة على نطاقٍ واسع، قبل أن يخرج رئيس الحكومة اللبنانية حسّان دياب في كلمة متلفزة ويشير فيها إلى أن التفجير وقع في مستودعٍ يحتوي على مادة نيترات الأمونيوم والمخزنة منذ ست سنوات على الأقل. وهو ما أكده أيضاً بيان "مجلس الدفاع الأعلى" الذي كشف عن انفجار نحو 2700 طن من نيترات الأمونيوم، والتي كانت مخبأة بغرض إتلافها في عنبر رقم 12 بمرفأ بيروت، إلا أنها تُرِكت وتم نسيانها، فانفجرت يوم أمس، مخلّفةً مئات القتلى وآلاف الجرحى وآلاف المشرّدين الذين تضررت بيوتهم.
والسؤال الأهم الآن: لمن تعود ملكية هذه المواد المتفجّرة في مرفأ بيروت؟ ومن أين جاءت؟ وإن كانت الأجهزة الأمنية قد صادرتها بالفعل في العام 2014، فلماذا لم يتم إتلافها مباشرة؟ وأين كانت الحكومات اللبنانية المتعاقبة من كلّ ما يجري في المرفأ طيلة السنوات الماضية؟
هذه كلها جملة أسئلة ينبغي على الحكومة الحالية التي يتحكم بها "حزب الله" الإجابة عليها، خاصة وأن توقيت التفجير الذي يأتي قبل أيام من صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، يترك أيضاً علامة استفهام كبيرة، لا سيما وأن الحزب هو المتهم الأول بقتله أو على الأقل شارك في ذلك مع جهاتٍ أخرى.
أما الأمر الآخر والمريب في تفجير بيروت، هو معرفة معظم الجهات الأمنية والشخصيات السياسية بوجود نيترات الأمونيوم داخل عنبرٍ في مرفأ العاصمة، حتى أن مدير الجمارك بدري الضاهر قال لوسائل إعلامٍ محلية إنه كان يعلم بوجود تلك المواد المتفجرة في المرفأ، وأنه طلب من قاضي الأمور المستعجلة تحديد مصيرها ثماني مرّات على الأقل بين الأعوام 2014 و 2017، لكن القاضي لم يفعل شيئاً حتى حلّت الكارثة ووقع الانفجار!
إن هذا الحادث يؤكد مرة أخرى عدم وجود سلطة فعلية للحكومة اللبنانية، فالأنباء تتوالى من مرفأ بيروت وتشير إلى أن بواخر كانت تصله دون أن يقوم موظفو الجمارك بتفتيشها، وهذا يعني أن طرفاً آخر كانت تصله البواخر وهو حزب الله، دون أن تقوم الجهات المعنية بمنع ذلك أو الوقوف ضده.
لذلك، أياً كانت أسباب الانفجار سواءً أكان قد تمَّ عن قصد أو خطأ، الحكومة اللبنانية ومن خلفها حزب الله والأطراف المحلية الأخرى الداعمة لهما، يتحمّلان معاً مسؤولية كارثة مرفأ بيروت، وعليهم الكشف بالسرعة القصوى عن أسباب وجود نيترات الأمونيوم داخله، لكن هذا باعتقادي لن يحصل، فالحكومة لم تستقل رغم أن الفاجعة كبيرة، وجرت العادة في بيروت بعدم كشف مجرّيات أي تفجيرٍ يضربها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة