الإمارات لأنها ابتعدت عن الأيدولوجية والخطاب الأيديولوجي الغوغائي، أعطت أولوية مطلقة للاقتصاد والتنمية والمعرفة واستثمرت بقوة في بنيتها التحتية والرقمية.
ستدخل سنة 2020 كواحدة من أصعب السنوات التي مرت على العالم المعاصر خلال الخمسين سنة الأخيرة بسبب الانتشار الواسع لفيروس كورونا الفتاك والعابر للقارات الذي أصاب أكثر من 17.6 مليون نسمة ووفاة نحو 700 ألف شخص في 190 دولة وأصاب العالم بركود اقتصادي غير مسبوق.
كما ستدخل سنة 2020 التاريخ كواحدة من أسوأ السنوات التنموية التي مرت على المنطقة العربية التي انكمش نموها الاقتصادي بمعدل 15 في المئة. وسنة 2020 هي أيضاً من بين أصعب السنوات مالياً على دول الخليج العربي بسبب انهيار أسعار برميل النفط الخام دون الـ40 دولاراً في الربع الأول من السنة.
لكن في هذه السنة الصعبة، حققت الإمارات إنجازيين تنمويين وتقنيين استثنائيين متتاليين وليس إنجازاً علمياً وتقنياَ واحداً لتصبح سنة 2020 من أكثر السنوات تميزاً وليس من أكثر السنوات صعوبة في تاريخها الحديث.
ففي 20/7/2020 عاشت الإمارات لحظة صعود مسبار الأمل إلى كوكب المريخ التي توازي في قيمتها التاريخية إرسال الاتحاد السوفيتي مركبة سبوتنيك إلى الفضاء الخارجي ونزول أوائل راود فضاء أمريكيين على سطح القمر قبل 6 عقود. كانت تلك لحظة متميزة في تاريخ الإمارات كما كانت لحظة ملهمة لكل العرب. لتصبح الإمارات الدولة العربية الأولى التي تقتحم عالم الفضاء الخارجي وتصبح ضمن قائمة ثلاث دول فقط، الصين والولايات المتحدة والإمارات تدخل سباق اكتشاف كوكب المريخ.
وفي أقل من أسبوعين وبتاريخ 1/8/2020 أعلنت إمارات القرن الـ 21 تشغيل أول محطة من مجمع براكة النووي المكون من 4 محطات لتوليد الطاقة النووية السلمية، لتعيش الإمارات لحظة متميزة أخرى وتدخل التاريخ من جديد كأول دولة عربية نووية سلمية.
لقد أصبحت الإمارات اليوم الدولة الرقم 31 ضمن نادي الدول المنتجة للطاقة النووية في العالم، وأصبحت محطة براكة الإماراتية المحطة رقم 450 المنتجة للكهرباء في العالم وتقف جنباً إلى جنب مع 5 دول تملك 4 محطات لتوليد الطاقة النووية هي سويسرا وهنغاريا وفنلندا وسلوفاكيا. وأول دولة نووية سلمية في التاريخ تبني 4 محطات نووية دفعة واحدة وفي الوقت نفسه ووفق أعلى معايير السلامة العالمية بتكلفة 20 مليار دولار لتصبح أضخم تجمع نووي سلمي في العالم.
والسؤال الذي يتكرر دائماً وأبداً لماذا الإمارات تحقق هذه النجاحات دون بقية الدول العربية الأكبر مساحة وسكاناً، والأقدم تعليماً وامتلاكاً للموارد البشرية، والأضخم في ثرواتها الطبيعية بما في ذلك الثروة النفطية، والأعرق في تاريخها وأمجادها؟
ما الذي يميز الإمارات التي بدأت رحلتها كدولة اتحادية حديثة ومستقلة منذ 50 سنةً عن الدول الأخرى في المنطقة العربية؟ كيف برزت الإمارات كنموذج تنموي مستقر ومزدهر وقادر على مواصلة نموها والحفاظ على استقرارها في منطقة هي من أكثر المناطق عنفاً وعدم استقرار في العالم؟ وكيف استطاعت دولة متواضعة في مقدراتها وبداياتها وكانت تصنف حتى وقت قريب ضمن الدول الصغيرة أن تصبح قوة اقتصادية وضمن أكبر 30 اقتصاداً في العالم وتتحول إلى قوة عسكرية تمتلك ثاني أكبر قوة جوية في الشرق الأوسط وتصبح قوة دبلوماسية وسياسية إقليمية صاعدة وتدخل قائمة مكونة من نحو 30 دولة تعرف بقائمة القوى المتوسطة الجديدة في القرن الـ21؟
دخول الإمارات في سباق الوصول إلى كوكب المريخ، وانضمامها إلى نادي الدول المنتجة للطاقة النووية السلمية، سيزيدان الاهتمام العربي والعالمي بنموذج الإمارات وسيضاعفان حفيظة الباحثين عن السر في تميز هذه الدولة العربية في مجالات التنموية التقليدية فحسب وإنما في مجالات علمية وتقنية ومعرفية غير تقليدية؟
ربما كلمة السر الأهم تكمن فيما ذكره رئيس تحرير مجلة "لانست"، أهم مجلة علمية في العالم في مقابلة له هذا الأسبوع مع شبكة "سي إن إن"، ان القيادة في الإمارات تؤمن بالعلم وتستمع للعلماء لذلك تعاملت بنجاح مع فيروس كورونا بعكس القيادة السياسية الراهنة في أمريكا التي تزدري العلم ولا تستمع للعلماء على الرغم من أنها تملك أكبر عدد من العلماء والمراكز البحثية في العالم.
الإمارات لأنها ابتعدت عن الأيديولوجية والخطاب الأيديولوجي الغوغائي، أعطت أولوية مطلقة للاقتصاد والتنمية والمعرفة واستثمرت بقوة في بنيتها التحتية والرقمية وتمكنت من تحقيق أهم أهدافها الوطنية على مدى الخمسين سنة الأخيرة.
فإمارات القرن الـ21 تختلف كلياً ونهائياً عن إمارات القرن الـ20. شتان بين إمارات 2020 التي تذهب بثقة إلى كوكب المريخ وتمتلك أكبر مجمع للطاقة النووية في العالم وإمارات 1971 عندما بدأت بتواضع وتأنٍ شديدين مرحلة تأسيس الدولة الاتحادية المستقلة.
كانت إمارات 1971 دولة نفطية وريعية صغيرة وتقليدية لا يحسب لها أي حساب. أما إمارات 2020 فهي قوة من القوى الوسطى الصاعدة في العالم التي يحسب لها ألف حساب.
إمارات 2020 ليست دولة نفطية ريعية بل هي ثاني أكبر اقتصاد عربي وضمن أكبر 30 اقتصاداً عالمياً، ومن أكثر اقتصادات المنطقة تنوعاً، وتجاوزت مرحلة الاقتصاد الريعي لتدخل بقوة إلى بناء اقتصاد ما بعد النفط واقتصاد المعرفة. أما مجتمع الإمارات الجديد فلم يعد مجتمعاً تقليدياً وأحادياً، بل هو من أكثر المجتمعات العربية مدنية وانفتاحاً وتسامحاً وحداثة وعولمة.
إمارات القرن الـ21 تعيش لحظتها في التاريخ وتعيش زمنها الجميل وعصرها الذهبي وتقتحم الفضاء وتدخل النادي النووي وتبرز كقوة ديبلوماسية وكعملاق اقتصادي وتعرف بالضبط أين تود ان تكون سنة 2021 عندما تحتفل بيوبيلها الذهبي وتعرف أيضاً بدقة وبرؤية بعيدة المدى أين تود أن تصبح سنة 2030.
كل ذلك يتم بثقة. فإمارات 2020 أكثر ثقة بنفسها من أي وقت آخر، بل إن أبرز ما يميز الإمارات اليوم هو الثقة بحاضرها ومستقبلها وبمقدراتها وإمكاناتها. الثقة عنوان الإمارات ومن لا يدركها لا يدرك أهم سمات هذه الدولة العربية الصاعدة. الثقة واضحة في حديث قادتها ونهج حكومتها وفي محيا مواطنيها وعلى وجوه المقيمين على أرضها.
تشغيل محطة براكة النووية كما الرحلة إلى المريخ هما تتويجان لثقة الإمارات بنفسها وهي تعيش أفضل وليس أصعب سنواتها.
نقلا عن "النهار" اللبنانية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة