كل هذا الانحراف الأردوغاني بات يخلق شعوراً سياسياً منزعجاً من تركيا في عدد كبير من البلدان. وبدافع الحذر، تلجأ معظم الدول إلى الصمت.
صحيح أن نوايا أردوغان كانت دائماً غامضة، ولكن منذ عام بدأ في إظهارها بشكل علني في انحراف مثير للقلق، لأن مثل هذه المناورات لا تليق برئيس دولة، بل هي أقرب إلى زعيم عصابة قطاع طرق يرتدي ملابس أنيقة، أو ما أسوأ من ذلك هو أنه شخص لديه أوهام ماضوية وطموحات استعمارية لا تناسب القرن الحادي والعشرين.
عند القيام بتحليل مواقف بلد ما، فإن إحدى التقنيات السريعة هي معرفة من هم الأصدقاء والبلدان التي يقيم معها علاقات محايدة، ولعل الأهم من ذلك كله هو معرفة من هم أعداؤه. وفي حالة أردوغان، هناك ثلاثة أصدقاء أهمهم: قطر وإيران، أما أعداؤه فتوجد صعوبة بالغة في تحديد قائمة لهم لأنها تتزايد باستمرار.
كل هذا الانحراف الأردوغاني بات يخلق شعوراً سياسياً منزعجاً من تركيا في عدد كبير من البلدان. وبدافع الحذر، تلجأ معظم الدول إلى الصمت، لكن الآن وقع ما كان يجب أن يقع. وفي النهاية، كان على أحد أن يوقف أرودوغان عند حده، وقد فعل ذلك وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، الذي قال: "إن التصريح الاستفزازي الذي أدلى به وزير الدفاع التركي يمثل دبلوماسية بلاده الجديدة... فالعلاقات لا تبنى بالتهديدات والتدخلات، ولا يوجد مجال للأوهام الاستعمارية في الوقت الحالي، ومن الأنسب لتركيا أن تتوقف عن التدخل في الشؤون العربية".
إنه تصريح متزن ومناسب يُحسب للوزير الإماراتي، الذي اختار عباراته بدقة متناهية. وبالإضافة إلى مطالبة أنقرة بالكف عن التدخل في شؤون الدول العربية، سيكون محقاً أيضاً إن أضاف أنه على تركيا ترك الأوروبيين والروس وحتى بلدان أمريكا الجنوبية بسلام أيضاً، فحتى هذه الدول لم تسلم منها.
إن الدور الحالي للسياسة الخارجية التركية كارثي بالنسبة لمستقبل البلاد ويلقي بظلال لا متناهية من الشك حوله. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أليس من الممكن التفكير أن أردوغان مولع بالفوضى؟ من الصعب جداً فهم منطق إدارته لمحاولات التوسع المفرط في الخارج عندما عجز، طيلة عشرين عاماً عن حل القضية الكردية في عقر داره.
لدى أردوغان دائماً خطة ب و ج. إن كل خطوة يخطوها في الخارج هي من أجل الاستيلاء على موارد الدول أو للتموضع من خلال الحصول على موقع استراتيجي لقواته. لقد زار وزير خارجيته مؤخراً النيجر وتوغو وغينيا الاستوائية لتفعيل اثنتين من أدوات السياسة الخارجية اللينة، أي وكالة التعاون والتنمية التركية والمؤسسة التابعة لوزارة التعليم ومجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية. إن النصيحة الذهبية التي يمكن إسداؤها لهذه البلدان الثلاثة هي: إذا كانت تركيا ستساعدكم كما تفعل في سوريا والصومال وليبيا وأذربيجان واليمن وغيرها، فعليكم توخي أقصى درجات الحذر واليقظة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة