بعد انفجار بيروت.. مؤامرات السطو على الأبنية الأثرية
ظاهرة بيع المنازل التراثة، دفعت وزير المالية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني لإصدار تعميم منذ أيام، بمنع بيع أو رهن العقارات
وكأن الدمار الذي أصاب المنازل والأبنية التراثية في بيروت نتيجة انفجار المرفأ قبل أسبوع لا يكفي أصحابها الذين فقدوا حتى ذكرياتهم فيها، فهناك من يحاول استغلال الظروف الصعبة التي يمرون بها للانقضاض على هذه الأملاك، إما بهدف التجارة بها أو لهدمها وتشييد مبان شاهقة مكانها.
هذا الموضوع بات حديث أصحاب هذه الأملاك في بيروت، ولا سيما المناطق الأكثر تضررا من الانفجار والقريبة من وسط العاصمة، وهو ما يؤكد عليه أحد سكان منطقة الرميل في حديث لـ "العين الإخبارية".
هذا الشخص الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال: "هناك من يحاول شراء بعض البيوت التراثية من أصحابها، مستغلين الظروف الصعبة والحزن والأسى الذي يعصف بالمواطنين جراء خسارتهم لأقاربهم أو لممتلكاتهم في انفجار بيروت".
وأضاف: "لا يمكن للقوى الأمنية كشف هؤلاء لأنهم يعملون في الظل ووراء الكواليس. بعضهم قال لمالك أحد الأبنية التراثية منذ يومين إن منزلك نصف مدمر وأضراره كبيرة وأنا مستعد لشرائه منك كما هو وبالدولار الكاش، لكن جواب المالك كان أنه لا يفكر ببيعه".
وأشار إلى أن هذه الحالات تتكرر بين 3 إلى 5 مرات يومياً في منطقتي الرميل والجعيتاوي، معبرا عن آماله بأن يتم التقيد بقرارات وزارة الثقافة اللبنانية التي تمنع بموجبها عمليات بيع المنازل التراثية إلا بموافقتها، "وهذا يطمئننا بأن معالم المنطقة وتاريخ بيروت الثقافي ستتم المحافظة عليه".
وأكد أن "هذه الأبنية قديمة جدا ويجب ترميمها وليس هدمها، فالترميم هو أفضل الحلول وفي النهاية الإهمال هو ما أوصلنا إلى هذه الكوارث والمصائب التي حلت بنا، لكن لحسن الحظ أن القليل من هذه البيوت التراثية تدمر كليا جراء الانفجار".
قرار بمنع البيع والرهن
ظاهرة بيع المنازل التراثة، دفعت وزير المالية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني إلى إصدار تعميم منذ أيام، بمنع بيع أو رهن العقارات ذات الطابع التراثي والتاريخي أو ترتيب أي حق عيني عليها، إلا بعد أخذ موافقة وزارة الثقافة اللبنانية، وذلك منعا لاستغلال الحالة الراهنة للمناطق المنكوبة إثر تفجير مرفأ بيروت وضواحيها طوال فترة المسح وإعادة الاعمار.
ويأتي تعميم وزني بعد تلقيه اتصالا هاتفيا من رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الذي أجرى اتصالا مماثلا بوزير الثقافة والزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى طالبا منهما اتخاذ القرارات والإجراءات والتدابير اللازمة لمنع أي عملية رهن أو بيع أي عقار أو مبنى من المباني والعقارات المصنفة تراثية أو ثقافية أو تاريخية طوال فتره المسح القائم، وأثناء عملية إعادة الإعمار.
يأتي ذلك منعا لاستغلال الفرصة والتسلل تحت جنح العصف والدمار الحاصل في المنطقة المنكوبة في العاصمة بيروت لهدم العقارات التراثية.
محاولات باءت بالفشل
ولا ينفي عضو التجمع للحفاظ على التراث اللبناني رجا نجيم في حديث لـ "العين الإخبارية" حدوث محاولات من بعض الجهات لشراء العقارات، مشددا على أن جميعها باءت بالفشل.
وأضاف: "بعض السماسرة وصلوا إلى حدود إغراء مالكي العقارات بمبالغ كبيرة بهدف هدمها لاحقا وإقامة أبنية حديثة مكانها ومن ثم بيع كل شقة منها بمئات آلاف الدولارات، متكئين على حجج غير منطقية وواهية، لكن الحمد لله لم يوفق أحد منهم حتى الآن".
وأكد نجيم "لا يوجد شيء لا يمكن إصلاحه، فلننظر إلى أشهر معالم برلين ومنها بوابة براندِنبورج التي بقيت شبه مدمّرة طوال الحرب الباردة، نظرًا لموقعها القريب من حائط برلين، إلى أن أعيد ترميمها بين عامي 2000 و2002، لتصبح على ما هي عليه الآن".
وعن تداعيات انفجار المرفأ، أشار إلى أن الدمار طال معظم البيوت الأثرية لكن بدرجات متفاوتة وأن النسبة الأكبر منها غير مسكونة منذ زمن.
وأوضح أن 90% من الأبنية التراثية الموجودة شرق العاصمة تضررت، وبدرجة أقل الجزء الشمالي لجهة منطقة الصيفي، وتتراوح الأضرار بين خفيفة ومتوسطة وكبيرة، ويتراوح عدد المباني التراثية التي تحتاج إلى تدعيم بين 10 و15 مبنى بينما التي تحتاج إلى ترميم هي بالمئات.
ونوه إلى أن هناك لجنة تشكلت لمعالجة الملف منذ أيام تحت إشراف نقابة المهندسين في لبنان، وبالتالي سيكون هناك تراجع في الأخطاء والهفوات، معتبرا أن المشكلة أن المسؤولين في لبنان يفتقرون إلى الحس الأثري والتراثي.
واقترح نجيم أن تتضمن عملية الترميم عدة مراحل، الأولى مباشرة الجهات المعنية بتدعيم و"تسقيف" (أي وضع الدعائم والسقوف) المباني التراثية المتضررة بشكل كبير، خلال شهرين من الآن، أي قبل حلول فصل الشتاء وهطول الأمطار، معربا عن ثقته بأن هذه ستكون الأولوية عند المعنيين، ومن ثم المباشرة بعمليات الترميم في المرحلة الثانية.
نقابة المقاولين تنفي
لكن في المقابل، ينفي نقيب المقاولين مارون الحلو في حديث مع "العين الإخبارية" حصول محاولات شراء من المقاومين أو من السماسرة لهذه البيوت التراثية بغية هدمها لاحقا، عازيا ذلك إلى وجود الأجهزة الأمنية وحمايتها لهذه الأبنية ووجود أصحاب هذه البيوت أو مستأجريها على الأرض.
ويتمنى الحلو لو يهتم أهل السياسة بشؤونهم فقط وينجحوا فيها أفضل لهم "لأنهم لو كانوا فعلا يقومون بواجباتهم على أفضل وجه لما حصل الانفجار، ولما كنا نتحدث عن موضوع الأبنية التراثية ولا عن الدمار والخراب الذي خلفه الانفجار"، وفق تعبيره.
ويؤكد الحلو "حريصون من موقعنا كمقاولين ومهندسين وكمجتمع مدني على التراث وعلى تاريخ بيروت، أكثر ممن يُنظرون اليوم يمينا وشمالاً".
وحول واقع هذا النوع من الأبنية يقول إن هناك الأبنية المدمرة كليا وهذه لا نستطيع هدمها وإقامة بناء حديث بمواصفات قديمة مكانها، أما المدمرة جزئيا فهناك إجماع ما بين التنظيم المدني ووزارة الثقافة ونقابة المهندسين ونقابة المقاولين وبلدية بيروت على الإبقاء على هذه المباني التاريخية وترميمها للحفاظ على الطابع التراثي لبيروت.
وبالنسبة لعدد المباني التراثية المتضررة، أكد الحلو أن عددها يتراوح بين 500 و1000 مبنى بانتظار المسح النهائي، ناصحاً من يرغب بإعادة السكن فيها بعدم الإقدام على ذلك "لأنه يجب الانتهاء من الكشف على متانتها وديمومتها، وهذا يأتي بعد عملية المسح".
وأشار إلى أن المشكلة الأساسية التي تعرقل إعادة تأهيل المباني هي إيجاد الجهة التي ستتولى تمويل الترميم، مضيفا "هل ستكون على عاتق شركات التأمين أم على هيئات الإغاثة أم عبر مساعدات من الخارج أو الجمعيات غير الحكومية؟.
وتابع: "حتى اليوم لا يزال المالك أو المستأجر لهذه الأبنية مترددا في عملية التصليح أو الترميم بانتظار وضوع الصورة كاملة".
aXA6IDE4LjExOS4xMDcuMTU5IA==
جزيرة ام اند امز