"العين الإخبارية" ترصد كواليس وثمار "اتفاقيات إبراهيم" بميزان أحد مهندسيها
"كان من الواضح أننا نمضي نحو خطوات تاريخية"، هكذا عاد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق مائير بن شبات على كواليس اتفاقات إبراهيم.
بن شبات، الذي لعب دورا كبيرا في التوصل إلى خطوات أحيت مفهوم السلام بالشرق الأوسط، تحدث لـ"العين الإخبارية" في ذكرى مرور 3 سنوات على إعلان الاتفاقيات الإبراهيمية.
وفي المقابلة، تطرق بن شبات الذي يعتبر أحد مهندسي الاتفاقيات، إلى كواليس التوقيع وفترة المفاوضات التي سبقته، مشددا على أن "التحمس الكبير الذي أنتجته هذه الاتفاقيات لن يفنى أبدا. لقد شعرنا بأننا نسجل بأيدينا تاريخ المنطقة ونحول الرؤية إلى واقع ونبني شراكة بين الشعوب والدول ونخلق أفقا من الأمل".
وأشاد بـ"بالرؤية المسؤولة والشجاعة التي أبداها كل من ولي عهد أبوظبي آنذاك (رئيس دولة الإمارات حاليا) الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وشقيقه مستشار الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، ووزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، والسفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة".
واعتبر أن "تحقيق أربع اتفاقيات سلام في غضون سنة واحدة ليس أمرا عاديا".
وفي رده على سؤال حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لفت "بن شبات" إلى أنه "يمكن حل المشاكل بين الجانبين من خلالهما فقط"، مستدركا في الآن نفسه أن "أجواء إيجابية ودعما واسع النطاق سيؤديان إلى خلق فرص اقتصادية سيكون لها الدور الكبير في ذلك أيضا".
أما السودان فأشار إلى أن "عدم التوقيع حتى الآن على اتفاقية مع الخرطوم يشكل فرصة ضائعة".
محذرا من أن "أحيانا الرغبة بالانتظار لتوقيت مثالي أو لظروف مثالية قد تسبب في ضياع الفرصة، وهذا ما قد يحدث بالنسبة للسودان. لذا أوصي الآن أيضا بالتوقيع على اتفاقية معه، رغم الأوضاع الداخلية التي تسود هناك حاليا".
وفيما يلي نص المقابلة:
*العين الإخبارية: مرت ٣ سنوات على الإعلان عن اتفاقيات إبراهيم. ما أبرز الإنجازات التي حققتها الخطوة للمنطقة ولعلاقات العرب مع إسرائيل؟
بن شبات: بعد مرور ثلاث سنوات على إبرام "اتفاقيات إبراهيم" يمكن النظر برضا إلى العلاقات التي تشكلت بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والمغرب، التي تشمل علاقات تجارية واقتصادية وسياحية واسعة النطاق ولقاءات دبلوماسية وأمنية رفيعة المستوى وخطوط طيران مباشرة.
هذا وأكثر من ذلك، يمكن مشاهدة التأثير الكبير الذي حققته هذه الاتفاقيات على المجال الثقافي والعلاقات بين الشعوب.
هذه الاتفاقيات تغلبت على الاختبارات غير السهلة التي جلبها الواقع في تلك الفترة ومنها جائحة كورونا التي أثرت على وتيرة تقدم الاتصالات وعلى القدرة على تطبيق مقومات هامة من الاتفاقيات.
كما قادت الاتفاقيات لصعود إدارة جو بايدن إلى سدة الحكم والتغيير الذي طرأ على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وتغلبت أيضا على تأثير عدم الاستقرار السياسي المتواصل في إسرائيل وصمدت أمام الأحداث الأمنية التي وقعت في غزة والقدس والضفة الغربية.
وجود "اتفاقيات إبراهيم" أصبح جزءا من واقع حياتنا، وهذه الاتفاقيات التاريخية غيرت وجه الشرق الأوسط وخلقت أجندة جديدة وزخما سلميا وشراكة وأفقا جديدا من الأمل.
والتوقيع على هذه الاتفاقيات يحمل في طياته تحمسا هائلا ولكنه يحمل أيضا هموما لأنه بعد المراسم الرسمية تبدأ الحياة الحقيقية التي قد تجلب معها تحديات، ولكن في هذه الحالة، التحمس يبقى كما كان على جميع المستويات والقطاعات والقضايا.
لا نزال نتحلى جميعا بذات الروح الاحتفالية والحماسة والتفاؤل. هذه الأجواء تولد أفكارا وطاقات جديدة وهي تعطي الإيمان والأمل وتعد بالاستمرارية.
*العين الإخبارية: شخصيا كان لكم دور بارز في هذه الاتفاقيات، ما أبرز ما علق بذهنكم خلال هذه العملية؟ هل ثمة حادثة معينة ترغبون بمشاركتها؟
بن شبات: تشرفت كثيرا بالمشاركة في الجهود التي أفضت إلى تحقيق "اتفاقيات إبراهيم"، وكان من حظي رئاسة البعثات الإسرائيلية التي أتت للتوقيع على هذه الاتفاقيات التاريخية.
التحمس الكبير الذي أنتجته هذه الاتفاقيات لن يفنى أبدا، لقد شعرنا بأننا نسجل بأيدينا تاريخ المنطقة ونحول الرؤية إلى واقع ونبني شراكة بين الشعوب والدول ونخلق أفقا من الأمل.
من المهم بالنسبة لي أن أذكر بأن الجهود التي أدت إلى هذه الاتفاقيات قد بُذلت على مدار فترة طويلة وشارك فيها أناس مميزون من إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات والدول الأخرى الشريكة في الاتفاقيات. إنهم يستحقون جميعا كل التقدير والامتنان.
كما يستحق ذلك رؤساء الدول الذين اتخذوا القرارات الشجاعة وغيروا وجه المنطقة.
لقد ركزت المحادثات التي شاركت فيها عشية التوصل إلى تلك الاتفاقيات على الإمكانات الهائلة التي تكمن فيها بمختلف المجالات: التكنولوجيا والابتكار والتجارة والاقتصاد والمياه والفلاحة والطاقة والبنى التحتية والطيران والسياحة والثقافة والصحة، إلى جانب الأبعاد الأمنية، بطبيعة الحال.
لقد أشرت في الكلمة التي ألقيتها بصفتي رئيس البعثة الإسرائيلية الرسمية إلى أبوظبي، التي زارت دولة الإمارات بعد وقت قصير من الإعلان عن "اتفاقيات إبراهيم"، إلى معنى الاسم الذي اختير لها.
وقلت: "سيدنا إبراهيم، والدنا الأول، عرض رؤية جديدة فندت العقائد الكاذبة التي سادت في تلك الفترة، إنه أسس الإيمان التوحيدي. إن الإيمان بإله واحد ميزه كبركة لجميعنا". الكلمات التي اختتمت بها كلمتي تناسب الفترة الحالية أيضا: "نستلهم من والدنا المشترك ونشق طريقا نحو مستقبل من الأمل والتفاؤل والأخوة والشراكة، في سبيل تحقيق الازدهار والسلام".
*العين الإخبارية: هل يمكنكم وضعنا في صورة الأجواء التي قادت إلى الاتفاقيات؟ هل كانت مفاوضات صعبة؟
بن شبات: الاتفاقيات تلك لم تأت من فراغ وسبقتها علاقات متواصلة قد بنت الثقة بين الأطراف وعكست الإمكانات التي تكمن في الشراكة بينها.
الأجواء كانت موضوعية. كان من الواضح بالنسبة لنا جميعا بأننا نذهب إلى اتخاذ خطوات تاريخية. لا أستطيع أن أصف المفاوضات بأنها كانت صعبة، لأنها كانت عبارة عن حوار بناء كان يرمز إلى الفرصة الكبيرة التي كانت تقف أمامنا.
فريق الرئيس (الأمريكي السابق دونالد) ترامب قام بعمل رائع، ويجب أيضا الإشادة بالرؤية المسؤولة والشجاعة التي أبداها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي آنذاك (رئيس دولة الإمارات حاليا)، وشقيقه مستشار الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، ووزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، والسفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة".
وفي البحرين والمغرب أيضا حظينا بالعمل مع أناس مميزين يحبون وطنهم أدركوا حجم الفرصة التاريخية التي وقفت أمامنا.
*العين الإخبارية: برأيكم.. ما الأسباب التي جعلت هذه الاتفاقات ممكنة بعد عقود من عدم توقيع أية اتفاقات إسرائيلية-عربية؟
بن شبات: هذه الاتفاقيات قد تبلورت في لحظة معينة ولكنها تحققت بعد عملية نضج طويلة.
برأيي، الدافع الرئيسي لها كان إدراك الزعماء بأن الشراكة الإقليمية تحمل في طياتها إمكانات كبيرة ومستقبلا جديدا يصب في مصلحة جميع شعوب المنطقة. جيل الشباب في كل هذه الدول ينظر إلى المستقبل، وليس إلى الماضي. المستقبل يكمن في الابتكارات التكنولوجية وفي البشائر التي تأتي معها في مجالات السايبر والمياه والغذاء والطاقة والصحة والمواصلات والتعليم والثقافة.
تعامل كل هذه الدول مع تهديدات مشتركة ساهم بطبيعة الحال في تعزيز رغبتها بالتوقيع على هذه الاتفاقيات، ولكنني أميل أكثر إلى الاعتقاد بأن هذا كان الاعتبار الرئيسي للتوقيع عليها.
بطبيعة الحال، الرغبة لوحدها لا تكفي لإحداث هذا التحول والدور الأمريكي شكل آلية ترجمت هذه الرغبة إلى خطة عملية وقدمت لها دعما كبيرا.
* العين الإخبارية: اكتسبت هذه العملية زخما كبيرا في بدايتها ثم سادها الفتور إلى حد ما. ما هي الأسباب برأيكم؟
بن شبات: بالفعل، وتيرة وقوع الأحداث لا تشبه ما كانت عليه سابقا ولكن علينا أن نعترف بأن هذه الوتيرة كانت استثنائية وفقا لكل المقاييس، لكن يظل تحقيق أربع اتفاقيات سلام في غضون سنة واحدة ليس أمرا عاديا.
أذكر بأن اتفاقيتي السلام اللتين تم التوصل إليهما في المنطقة قبل ذلك، مع مصر ثم مع الأردن، كانتا تتحققان بفجوة 25 عاما بينهما.
إلى جانب ذلك، لا يمكن تجاهل التأثير الذي أحدثه تغير الإدارة الأمريكية وسياستها في الشرق الأوسط. فإدارة جو بايدن أعربت عن رغبتها بالحفاظ على زخم الاتفاقيات ولكن السياسة التي تبنتها أضعفت التأثير الأمريكي في الشرق الأوسط.
وعليه، فإن دائرة دول اتفاقيات إبراهيم لم تتوسع وما عدا "قمة النقب" التي تجسدت أهميتها بعقدها، لم يتم القيام بمبادرات وبمشاريع مدنية كبيرة شاركت فيها دول الاتفاقيات.
*العين الإخبارية: هل تعتقدون أن التوقيع على اتفاق مع السودان لا يزال ممكنا؟
بن شبات: برأيي، عدم التوقيع لغاية الآن على اتفاقية مع السودان يشكل فرصة ضائعة أحيانا، الرغبة بالانتظار لتوقيت مثالي أو لظروف مثالية قد تسبب في ضياع الفرصة وهذا ما قد يحدث بالنسبة للسودان.
لذا، أوصي الآن أيضا بالتوقيع على اتفاقية معه، رغم الأوضاع الداخلية التي تسود هناك حاليا، وبتقديري، هذه الخطوة ستعزز الفرصة لتحقيق استقرار داخلي هناك وهي ستخدم أيضا الرغبة في إبقاء السودان داخل المعسكر الصحيح.
*العين الإخبارية: ما هي الدول، سواء الإسلامية أو العربية، التي تعتقدون أنها الأقرب لتوقيع اتفاقيات مع إسرائيل؟
بن شبات: هناك سلسلة من الدول المعنية، لن يكون ذكيا بالنسبة لي أن أذكر أسماءها في هذه المرحلة المبكرة.
*العين الإخبارية: كيف يمكن لهذه الاتفاقات أن تفضي إلى حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟
بن شبات: الدول التي وقعت على الاتفاقيات مع إسرائيل لم تفقد الأمل بتحقيق السلام بينها وبين الفلسطينيين.
قطار السلام قد غادر المحطة. يمكن ركوبه، وبطبيعة الحال، كلما توسعت دائرة السلام وأجواء العداء تتبدل بعلاقات الشراكة، يتوسع التأثير على الأطراف التي لم تنضم إليها بعد.
يمكن حل المشاكل بين إسرائيل والفلسطينيين من خلالهم فقط. ولكن أجواء إيجابية ودعما واسع النطاق سيؤديان إلى خلق فرص اقتصادية سيكون لها الدور الكبير في ذلك أيضا.
*العين الإخبارية: بتقديركم، بعد كم سنة سيكون الشرق الأوسط في سلام مع إسرائيل؟
بن شبات: لا أستطيع تقدير المدة الزمنية المطلوبة لذلك، ولكنني متفائل جدا بالنسبة لفرص تحقيق هذا الغرض. الشرق الأوسط لا يزال حافلا بالتحديات والصراعات والتوترات والتحديات الأمنية والمائية والغذائية والصحية والمجتمعية والاقتصادية. ولكن، خلافا لما حدث سابقا، الدول العربية تعتبر إسرائيل اليوم جزءا من الحل لهذه التحديات. اتفاقيات إبراهيم أظهرت وأثبتت بأنه يوجد طريق آخر.
*العين الإخبارية: شخصيا هل ما زلتم تحتفظون بعلاقات مع الأطراف التي توصلتم معها إلى اتفاقيات رغم مغادرتكم منصبكم الرسمي؟
بن شبات: أكن تقديرا واحتراما كبيرين لهم جميعا، وأبذل جهودا من أجل الحفاظ على العلاقات الودية التي تسود بيننا، بدون أن أتدخل في الأمور الدبلوماسية التي لست معنيا بها حاليا.
أتابع تطور هذه العلاقات عن كثب وأكتب مقالات وأجري مقابلات صحفية حولها، أيضا من أجل المساهمة في الجهود لإنجاحها.
لم أعتبر ذلك مهمة مهنية تم تكليفي بها فحسب، بل أيضا اعتبرت ذلك تجسيدا لرؤية أؤمن بها وأصلي من أجلها منذ طفولتي.
من هو مائير بن شبات
شغل منصب مستشار الأمن القومي ورئيس هيئة الأمن القومي بين الأعوام 2017-2021، حيث كانت هذه الفترة أطول ولاية لأي شخص في هذا المنصب.
كان شريكا للاتصالات التي أفضت إلى "اتفاقيات إبراهيم" وترأس البعثات الإسرائيلية التي وقعت عليها.
قبل ذلك، عمل بن شبات في صفوف جهاز الأمن العام على مدار 28 عاما وشغل منصب رئيس هيئة مكافحة الإرهاب والتجسس ورئيس هيئة السايبر ورئيس المنطقة الجنوبية.
ولد في إسرائيل لعائلة هاجرت من المغرب وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة بار إيلان، كما تخرج من دورات في مجال الإسلام وتاريخ الشرق الأوسط والاستخبارات والإدارة.