إن الوصول برسائلنا إلى شعوب العالم هدفه خدمة مصالحنا الوطنية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، وهو أمر مشروع لكل الشعوب،
عند الحديث عن الشعوب، غالباً ما نذكر صفة واحدة للإشارة إلى شعب ما، وتتضح هذه الصفة أكثر كلما قارنّا هذا الشعب بغيره من الشعوب، وقد تكون هذه الصفة موجودة لدى الآخرين بنسب متفاوتة، ولكن متى ما أردنا أن نجعل لهذه الصفة رمزاً، يتحتم علينا ذكر هذا الشعب وتصبح بذلك هذه الصفة تحديداً التي ترمز إليه هي أغلى ما يمتلك.
عندما نتحدث عن سمعة دولة الإمارات، ربما علينا أن نتفق جميعاً من أين نبدأ، وما هي الركيزة التي ننطلق منها، ما هي الصفة التي نمتاز بها والتي تشكلت عبر نصف قرن، نسأل أنفسنا. كيف يرانا العالم؟ وما هي صورتنا في عيون الآخرين؟
الصفة هي نتيجة تراكمية لأداء وسلوك ومواقف تشكل في نهاية المطاف السمعة، ويمكننا القول إن صورتك التي يراها الآخرون، ولا يمكن أن تطلبها منهم؛ بل عليك أن تكسب ذلك؛ أي أن الغير سيراك كيف تستحق أن تُرى، وسيتحدث عنك حسب فهمه واعتقاده، وليس بالضرورة بناء على ما تقوله أنت عن نفسك، والذي يُقال ليس بالضرورة هو الذي يُفهم.
عندما نتحدث عن سمعة دولة الإمارات، ربما علينا أن نتفق جميعاً من أين نبدأ، وما هي الركيزة التي ننطلق منها، ما هي الصفة التي نمتاز بها والتي تشكلت عبر نصف قرن، نسأل أنفسنا. كيف يرانا العالم؟ وما هي صورتنا في عيون الآخرين؟ وما هو أغلى ما نمتلك؟
الإجابة عن هذه الأسئلة تجلت مكتملة قبل قرابة أربعة أشهر في حديث لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، حين قال: "أغلى ما نمتلك في بلادنا على مر الأيام، ولازم نورثه لأجيالنا، ونظهر قدّام العالم هي مصداقيتنا".
إذن فالمصداقية هي أغلى ما نمتلك وهي رسالة دولة الإمارات التي يجب علينا أن نظهرها لشعوب العالم الأخرى، ولكن كيف تُعرّف الشعوب الأخرى المصداقية؟ إذا نظرنا إلى معجم أكسفورد للغة الإنجليزية فإنه يُعرّف المصداقية بأنها القدرة على إقناع الآخرين "عندما تُستخدم كفعل، وعندما تُستخدم المصداقية كاسم فتُعرّف بأنها: الثقة التي توجدها في الآخرين فيصدقونك".
أما معنى الكلمة وفقاً لقاموس الأكاديمية الفرنسية فهو "تُنسب كلمة مصداقية لكل ما يستحق التصديق، تُنسب لكل شيء يمتلك معايير التصديق".
1
أما الألمان فيُعرفون المصداقية بتعمق أكثر، وكلمة المصداقية باللغة الألمانية ذات شقين (الإيمان والجدارة)، وتُعرّف الكلمة كالتالي:
"المصداقية هي مقاييس لاستعداد المتلقي لقبول تصريح شخص آخر على أنه صالح، عندها فقط يعتمد على الشخص وأفعاله".
إن الوصول برسائلنا إلى شعوب العالم هدفه خدمة مصالحنا الوطنية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، وهو أمر مشروع لكل الشعوب، وفي ظل تطور وسائل التواصل والإعلام الرقمي أصبح الوصول أمراً سهلاً، ولكن الوصول بالرسائل إلى الآخرين لا يعني بالضرورة التأثير فيهم، وليس الهدف أن يسمعونا؛ بل أن يستمعوا إلينا، فما الشعوب التي نريد خلق حوار معها؟ ولماذا اخترنا هذه الشعوب دون غيرها؟ وربما يكون السؤال الأهم: ما الذي سيجعلها تستمع إلينا؟ وما الذي يدفعها للاهتمام برسائلنا والتفاعل معها؟
متى ما أجبنا عن هذه الأسئلة، يَسهل علينا معرفة أين تلتقي مصالحنا مع مصالح الشعوب الأخرى، مع إدراكنا بأنها لن تتطابق في كل المجالات، ويسهل عندها كذلك صياغة الرسائل الموجهة للخارج التي قد تختلف عن الرسائل الموجهة للداخل على الرغم من أن كلتا الرسالتين تخدم المصالح الوطنية للدولة، وهو أمر طبيعي نظراً لاختلاف الجمهور المستهدف.
هنا في أوروبا ومن واقع التجربة في ألمانيا والآن في فرنسا، يبدو لي أن أكثر الطرق تأثيراً في الجمهور الأوروبي عند الحديث عن النموذج الإماراتي ومصداقيته، عرض التجربة الإماراتية من خلال الحديث عنها عبر ثلاث مراحل بتسلسل معين يضمن انسيابية نقل الرسالة إلى هذا الجمهور، المرحلة الأولى هي سرد قصص على الإمارات قبل قيام الاتحاد، وكثيراً ما أكرر في لقاءاتي معهم، ما ذكره صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قبل عدة سنوات عندما كان يتحدث عن السنوات التي سبقت الاتحاد، فقال: "بين كل طفلين يولدان، كان يموت طفل خلال السنة الأولى، وبين كل ثلاث نساء يلدن، تموت إحداهن خلال عملية الولادة"، وبالإمكان هنا الحديث عن تدني مستوى التعليم وحالة البنى التحتية آنذاك.
2
أما المرحلة الثانية فهي الحديث عن التحديات بعد إعلان الاتحاد، سواء كانت تحديات داخلية أو خارجية، فالدولة تأثرت بالأحداث التي مرت بها المنطقة، وعلينا التذكير ببعض التفاصيل المهمة للأحداث الكبيرة التي مرت بها المنطقة خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والرسالة هنا أن طريق النهضة لم يكن مفروشاً بالورود، وأن الثروة التي حبانا الله بها، ليست ضماناً للازدهار والتطور، وهناك أمثلة لثروات أصبحت نقمة على شعوبها، فالإمارات كما يسميها الكاتب رشيد الخيون "هي تصالح العقل والثروة".
أما المرحلة الثالثة في الحديث عن الدولة للجمهور الخارجي فهي ذات شقين؛ الشق الأول هو المنجز الذي نراه اليوم في الحاضر الذي نعيشه وهنا تذكر الأرقام، وتوضح الإحصائيات وتعرض الصور، والشق الثاني هو الحديث عن المستقبل، وحينها نشرح أهدافنا وطموحنا في القادم من السنوات.
يقول الأمريكي بيتر دركر؛ أحد أبرز رواد عمل الإدارة والاتصال في القرن العشرين: "إن أهم شيء في علم الاتصال، هو أن تسمع الذي لم يتم ذكره"، وعندما نتحدث عن دولة الإمارات ونروي قصصنا ونعرض أرقامنا ونشرح أهدافنا فذلك هو الشيء الذي يقال، أما الشيء الذي يفهم فهو مصداقيتنا.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة