زار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، أمس الثلاثاء، دولة روسيا الاتحادية.
وهي الزيارة الثالثة لسموه خارجيا منذ توليه رئاسة دولة الإمارات في مايو الماضي، وبالتالي تشكل أهمية كبيرة على أكثر من صعيد ولأسباب متعددة.
فالزيارة من ناحية تكتسب أهمية خاصة على المستوى الثنائي في العلاقات بين الدولتين، روسيا والإمارات، اللتين تسعيان إلى تقوية الروابط بينهما وتعظيم فرص التعاون والمكاسب المشتركة للشعبين في المجالات كافة.
وتعزز زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا كذلك التواصل المباشر بين زعيمَي البلدين والمسؤولين فيهما عموما من منظور التنسيق والتشاور حول التطورات المتلاحقة والمستجدات على الساحة الدولية، التي تشهد تحولات مهمة، وربما مفصلية، في تشكيل وبلورة مستقبل النظام الدولي القائم، الذي يتعرض لمحطات وصدمات كثيرة خلال الفترة الأخيرة.
وبصورة أكثر تحديدًا، فإن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، إلى روسيا في هذا التوقيت، تحمل دلالات وإشارات عميقة لجهة تعاظُم الدور الإماراتي في القضايا الدولية وكيفية التعاطي معها، أو ما يمكن اعتباره "إدارة العالم" من أجل التهدئة والاستقرار الأمني وشؤون الطاقة العالمية.
وربما هذه الخطوة ليست الأولى من نوعها في هذا السياق، إذ تُثبت الدبلوماسية الإماراتية يوما بعد يوم أنها تملك القيادة والرؤية والأدوات والحيوية، التي كفلت لها بالفعل الاضطلاع بأدوار عالمية والتصدي لأزمات تعثرت أمامها دول كبرى.
ودون الدخول في تفاصيل تحركات وأدوار قامت بها الإمارات في الفترة الماضية القريبة، تكفينا الإشارة إلى ما قدمته، ولا تزال، على صعيد الأزمات والتطورات الراهنة في العالم.. بدءًا من توليها الرئاسة الدورية لمجلس الأمن قبل أشهر وموقفها الموضوعي المتوازن، الذي تبنَّته داخل المجلس وخارجه بشأن أزمة أوكرانيا.. ثم الديناميكية والحنكة، التي غلفت إسهام الإمارات وتحركاتها المباشرة وغير المباشرة وجهود تهدئة الأزمة.. ثم الدور المحوري الذي تلعبه في استقرار سوق الطاقة العالمية، وتحديدًا داخل تكتل "أوبك+"، الذي ينظم تدفقات النفط إلى العالم.
وبذلك يظهر بُعدٌ شديد الأهمية والعمق في زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا، إذ جاءت تلك الزيارة الرئاسية الرسمية بعد أيام قليلة من اتخاذ مجموعة الدول المنتجة للنفط وحلفائها "أوبك+" قرارًا بخفض الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل يوميا.. الأمر الذي يمثل موقفًا "تاريخيًّا" متوازنًا، في ظل ضغوط أمريكية متزايدة لزيادة الإنتاج، لتعويض غياب النفط الروسي، الذي تُحاصره العقوبات الأمريكية والأوروبية، إذ يعد مسار الطاقة أحد أهم وأخطر مسارات الأزمة الروسية-الأوكرانية من حيث تداعياتها على دول العالم كله.
وفي ظل هذه المرحلة شديدة الحساسية على المستوى الإقليمي في الشرق الأوسط، وكذلك على المستوى العالمي، فإن هذه الزيارة تُعيد تأكيد وترسيخ الرؤية الإماراتية الحاكمة لسياساتها وتحركاتها الخارجية، والتي تبحث بها دائمًا عن المصلحة والأمن والازدهار لها ولمنطقة الشرق الأوسط وللعالم.
وتنطلق الإمارات في هذه الأهداف من الاستقلالية والموضوعية، مع الحرص دائما على التوازن وعدم الانحياز أو الخروج عن تلك المحددات.
لهذا، فليس مستغرَبًا أن تسفر مباحثات رئيس دولة الإمارات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، عن صيغ للتعاون والتنسيق أو تفاهمات جديدة، سواء على المستوى الثنائي، أو فيما يتعلق بالقضايا الساخنة المطروحة، وعلى رأسها الحرب الدائرة في أوكرانيا، والتي صارت بحاجة ماسة إلى جهود فعالة للوساطة والتهدئة.. ما يستلزم توافر شروط مقبولية وحياد ومكانة، وهي تحديدًا الصفات التي تتمتع بها دولة الإمارات وتؤهلها بجدارة للعب دور الراعي لتسوية تلك الأزمة وترتيب أوضاع العالم، التي ارتبكت بسببها في المجالات كافة، خصوصًا في تجارة النفط والغذاء وسلاسل الإمداد لكثير من المنتجات والسلع الأساسية لشعوب العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة