استحقت إثيوبيا كدولة بجدارة اسم "متحف الشعوب".
فالدولة التي تضم أكثر من 80 قومية كبيرة، وكل قومية تضم عددًا من القبائل والبطون داخلها، أُعطيت مكانةً كبيرة في المنطقة لما تحتويه من تعددية عرقية وإثنية ودينية وثقافية، إذ تعتبر قارة مصغرة بسبب التمازُج والتصاهُر والتنوع الذي تضمه.
تنقسم إثيوبيا فيدراليا إلى 11 إقليما، بحسب التقسيم الفيدرالي الإثني، كما ترتبط بحدود طويلة مع دول مجاورة عدة، ما يجعل هذه القوميات تعمل كحلقة وصل بين إثيوبيا وشعوبها وبين شعوب تلك الدول المجاورة، إذ باتت بعض تلك القوميات الإثيوبية تتداخل مع هذه الدول كقوميات وقبائل مشتركة لها جذور وأصول في هذه الدول.
فالتداخل مع السودان عبر حدود إثيوبيا الغربية يحدث عبر قوميات "بني شنقول قمز"، التي تلعب دورًا كبيرًا في مدّ أواصر الترابط، فهناك قوميات مثل البرتا، والقمز والفونج، وغيرهما من القوميات، تتحرك بين الدوليتن، وتشترك في العديد من العناصر الثقافية والحياتية والاجتماعية، ولا يمكن أن تميز أين أنت حين تتحرك في إقليم "بني شنقول قمز" بغرب إثيوبيا، للتشابه في كل شيء من أزياء ومأكل ومشرب وعناصر حياتية أخرى، حيث تظل "الجلابية والعمامة والشال" إحدى السمات المشتركة، فضلا عن ملامح المواطنين المتشابهة.
وفي شرق إثيوبيا يوجد الصوماليون وإقليم الصومال الإثيوبي، أو كما يطلق عليه "أوغادين"، وهو إقليم تتداخل فيه القومية الصومالية ومنطقة لا تستطيع أن تميز فيها بين شعوب الدولتين، ولا ننسى "العفر" في شمال شرق إثيوبيا، تلك القومية التي تربط إثيوبيا مع كل من إريتريا وجيبوتي، عبر "مثلث العفر"، وهي منطقة لقومية "العفر"، حيث التواصل العفري بين الدول الثلاث، إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا، كأهم عنصر حياتي وتاريخي وأثري مشترك في تلك الرقعة الجغرافية.
وفي الشمال هناك تداخل لُغوي وقبَلي وعِرقي بين "تيغراي" وإريتريا، عبر لغة "التقرنجة"، فضلا عن عناصر ثقافية أخرى مشتركة، لا يمكن أن تنقطع رغم الحدود الجغرافية والسياسية، لأنها ظلت أكثر العوامل، التي جعلت هذه الشعوب تلتقي في ثقافاتها وإرثها الشعبي.
وفي مناطق جنوب غرب إثيوبيا، المتاخمة لدولة جنوب السودان، توجد قوميات النوير والأنواك، وهي تتمتع بوجود كبير في دولة جنوب السودان، وهي إحدى الروابط الشعبية بين إثيوبيا وجنوب السودان، وقد تجد كل هذه القوميات لها أسر وتصاهُر بين إثيوبيا والدول المجاورة لها، وقد تعيش جزءًا منها في الأراضي الإثيوبية وأخرى في إحدى دول الجوار.
وتشترك هذه الشعوب في كل عناصر الحياة من ثقافات ومِهن وحرف، حتى احتفالاتها وعاداتها وتقاليدها تجدها لا تختلف في أي شيء، إذ تتحدث اللغات واللهجات الخاصة بها، والتي تعتبر لغة التعامل اليومي فيما بينها.
ويساعد هذا الوجود القبَلي والقومي في لعب دور لتوطيد العَلاقة بين الشعوب والدول من خلال دبلوماسية شعبية، تُعتبر هي الأقوى في تلك الرقعة الجغرافية.
فتحركات هذه الشعوب والعرقيات بين تلك الدول لا يمكن تقييدها بأي لوائح أو إجراءات، لأنهم أكثر معرفة ببعضهم ومواقع تحركاتهم عبر ممارسة حياتية يومية، وتبادل تجاري وثقافي متين، فضلا عما يجمعهم من مناسبات مختلفة تحتفل بها هذه القوميات جميعا على طول الشريط الحدودي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة