يثار تساؤل حول مدى وحدود التنسيق الأمريكي-الإسرائيلي، الذي يمكن أن يسهم في استمرار حكومة "بينيت" وعدم انهيار الائتلاف الراهن.
يأتي هذا في ظل تكثيف الاتصالات واللقاءات الأمريكية-الإسرائيلية مؤخرا، والتي تمثلت في لقاء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ونظيره الإسرائيلي، يائير لبيد، ولقاء "بايدن" مع الرئيس الإسرائيلي المنتهية ولايته، رؤوفين ريفلين، وتواصل الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب عبر قنوات دبلوماسية، تكثفت إثر زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي، أفيف كوخافي، إلى واشنطن.
ويحظى استمرار الحكومة الإسرائيلية الحالية في موقعها باهتمام كبير من دوائر الكونجرس، والحزبين الديمقراطي والجمهوري، باعتبار أن استقرار إسرائيل والدفاع عن أمنها القومي موضوع غير قابل للجدال في الداخل الأمريكي، مع تركيز أمريكا وإسرائيل على دبلوماسية واقعية ومرنة وبرجماتية، بدلا من اتباع دبلوماسية صدامية، خاصة في الملفات محل الخلاف والتجاذب، مثل النووي الإيراني، الذي لا يزال مكونا رئيسيا في جوهر ومسارات العلاقات بين الجانبين، مقابل التوافق في ملف دعم إسرائيل الأمني والاستراتيجي.
يشار إلى أن أكبر دعم دبلوماسي ومالي من الولايات المتحدة لإسرائيل، عبر 3.8 مليار دولار سنويا، معظمه يأتي على شكل مساعدات عسكرية، ورغم هذا الدعم الكبير والعمل على استمرار ائتلاف الحكومة، فإن هناك قناعة بأن توسيع نطاقات عملية السلام بين الدول العربية وإسرائيل في الفترة المقبلة لن يكون بديلا عن العمل والانخراط في القضايا بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وهو ما يُفهم منه أن الإدارة الأمريكية تريد إحداث توازن، ولو شكلي، يدفع الطرفين للعمل معا.
وتركز الإدارة الأمريكية، في إطار تعاملاتها مع إسرائيل، على أمرين: الأول وهو الإقليمي، وهو ما يهم إسرائيل والمرتبط بالتعامل مع إيران ودعم اتفاقيات السلام، وإبرام مزيد من التفاهمات مع الدول العربية في إطار مواجهة التحديات والمخاطر المشتركة، ووجود إسرائيل في كل الترتيبات الأمنية والاستراتيجية التي تطرحها الولايات المتحدة.
والثاني هو الثنائي: ويشمل تقليل مساحات التباين في الملفات مع الجانب الإسرائيلي، وهو ما نُقل إلى الرئيس الإسرائيلي برغم عدم اندراج ذلك في صلاحياته، كما توجه وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، لنظيره الإسرائيلي يائير لبيد، بخطاب سياسي يؤكد وجود قواسم مشتركة تدفع إلى العمل معا، وبناء تفاهمات إقليمية وثنائية حقيقية.
في إطار هذا، ستحاول الإدارة الأمريكية، في تعاملها مع الحكومة الإسرائيلية، الضغط على مكوناتها وائتلافها بالعمل على القواسم المشتركة، وعدم التذرع ببرامج حزبية ضيقة، أو الدخول في صدامات جوهرية مع الإدارة الأمريكية بأن أحزاب الائتلاف الراهن تتبنى سياسات متشددة ضد الفصائل الفلسطينية، وتعارض سياسة رئيس الوزراء السابق، نتنياهو، في الفصل بين القطاع والضفة، وتطالب بتعزيز السلطة الفلسطينية، والتشدد الكامل ضد الفصائل الفلسطينية في القطاع، وهو التوجه الذي تتحسب لتبعاته الإدارة الأمريكية فعليا، وتحاول محاصرته.
وبالتالي، وفي إطار هذا المناخ الجديد من العلاقات التي تتشكل بين واشنطن وتل أبيب، فإن الأولوية الأمريكية والإسرائيلية حاليا تتطلب الحفاظ على وضع الائتلاف الحكومي الراهن، وعدم تفككه، بما يقر استراتيجية التحرك الفعلية والمباشرة في هذا التوقيت، مع تكثيف الحوار السياسي والاستراتيجي بين الجانبين.
هذا مع التحرك انطلاقا من تقييمات الإدارة الأمريكية بأن الحكومة الإسرائيلية الراهنة هي أكثر حكومة تنطبق عليها مقولة إن "سياستها الداخلية تحدد سياستها الخارجية"، لكنها قد تنجح في استمرار إدارة المشهد مع الجانب الفلسطيني عبر "استراتيجية مراوغة"، وتأجيل الخيارات مع السلطة الفلسطينية، اقتناعا بأن إدارة "بايدن" لن تغامر في الوقت الراهن بطرح رؤية أو مقاربة للحل مع السلطة الفلسطينية.
إذاً ليس مستبعدا أن تدخل الإدارة الأمريكية مع الحكومة الإسرائيلية في صفقة تتعلق بترتيب الأولويات والمهام، ليس بالنسبة للمتطلبات الإسرائيلية تجاه القطاع أو "رام الله" فقط، بل وفي التعامل مع إيران كمهدد إقليمي كبير لأمن إسرائيل حال توقيع الاتفاق النووي.
فالرئيس الأمريكي "بايدن" عازم الآن على العودة إلى الاتفاق، ولا يستطيع رئيس الوزراء الإسرائيلي، "بينيت"، كما لم يستطع "نتنياهو" قبله، منع الإدارة الأمريكية من التفاوض مع إيران.
ورغم كل الرفض في المنطقة، ظل البرنامج النووي الإيراني نشطا، إذ تراكمت كمية كافية من اليورانيوم المخصب لتأمين القدرة على صنع أسلحة.
وهناك تحد آخر ينتظر "بينيت"، فقد أمضى "نتنياهو" سنوات يهدد إيران بضربات عسكرية، لكنه لم ينفذها، مثلما هدد الفلسطينيين بضم الضفة الغربية، لكنه فشل في التعامل مع تلك التهديدات.
ولهذا، فإن الإدارة الأمريكية ستسعي في نقل العلاقات الراهنة بين تل أبيب وواشنطن إلى مرحلة أخرى، مع التسليم باستمرار بعض مساحات التجاذب كأمر طبيعي، تخوفا من انهيار الائتلاف الحاكم وتحذيرات بعض نواب الكونجرس من الحزب الديمقراطي من أن العلاقات مع إسرائيل يجب أن تُبنى بشكل مؤسسي، وذلك في إشارة لتضرر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في فترة "نتنياهو"، الذي يمكنه أن يعود إلى الواجهة السياسية، أو يدفع تكتل "ليكود" ببديل له، مما قد يعطل أي مسار حقيقي للحكومة الحالية، وهو الأمر الذي يتطلب محاصرة أي خلاف سياسي، وتحقيق مكاسب في الملفات الأكثر أهمية، مع الانطلاق إلى الملفات الصعبة في درجة تالية، وتعزيز التواصل مع الحكومة الإسرائيلية الراهنة، انطلاقا من قاعدة "المصالح المشتركة"، بما يحقق مكاسب كل طرف، مع استمرار دعم إسرائيل كحكومة ودولة.
هذا الأمر يتطلب تأكيدا لإتمام الدعم العسكري والاستراتيجي والتماشي مع الطرح الإسرائيلي في هذا السياق، مع تحجيم مساحات التباين، خاصة في الملف الإيراني، فهناك رهانات أمريكية في الكونجرس، تأتي من نواب الحزبين الديمقراطي والجمهوري، الذين يرون احتمال انهيار المفاوضات الراهنة حول البرنامج النووي الإيراني، أو على الأقل تعثرها، بما يفيد طرح إسرائيل ويعزز موقفها فيما يتعلق بالبرنامج الصاروخي.
وهنا يمكن تأكيد أن الإدارة الأمريكية ستستمر داعمة للحكومة الإسرائيلية، ولن تتراجع عن مسار مساندتها في الفترة المقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة