بايدن يسعى إلى إصلاح أخطاء غزو العراق عام 2003، ولكن الجميع يتساءل: هل يقدر على فهم الأوضاع العراقية بشكل صحيح؟
لا شك أن أنظار العراقيين تتجه نحو البيت الأبيض وقراراته بشأن سياسته الخارجية، ويدرك المواطن العادي أن السياسة الأمريكية تؤثر على حياته ومستقبله. إنها ببساطة اللاعب الأساسي في العراق على الرغم من انشغالهم ورغم الانشغال الكبير بالمظاهرات والأزمة الاقتصادية وانقطاع الرواتب وغيرها، لكنهم يحلمون بأن يأتي الحل من الخارج لكل أزماتهم ومشكلاتهم ولا ينسون أن الولايات المتحدة هي التي غيرت نظام الحكم في العراق في 2003 بعد شن حربها على العراق وقوضت النظام السابق، وتمتد تداعياتها على الشرق الأوسط برمته.
لم ترحب الفصائل العراقية الموالية لإيران بالإعلان عن فوز بايدن في الانتخابات الأمريكية، بل قامت بتقديم التبرعات لحملته الانتخابية تقدر بملايين الدولارات. وهي تتأمل أن يراجع بايدن سياسة ترامب وتداعياتها، باعتبار أن ولاية ترامب تميزت بالسلبية والتأزم في نظرها، بل وأكثر من ذلك تمتد تلك السياسة إلى تهديد وجودها. ولا تزال هذه الفصائل تتخوف من ردود أفعال الرئيس ترامب حتى في فترته الانتقالية الحالية في استهدافها أو التأثير عليها. أما على الصعيد الرسمي، فقد اعتبر الرئيس العراقي برهم صالح بايدن صديقا وشريكا موثوقا به، فيما أكد الكاظمي أمله في تقوية الروابط الاستراتيجية بين البلدين في عهده.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتغير الأوضاع جذريًا في العراق إزاء انتخاب بايدن؟ وهل هناك تخوف من احتمال عدم اهتمام بايدن بالعراق واعتباره من أولوياته الأساسية، خاصة في تطبيق مشروعه القائم على نظام الفيدرالية والأقاليم سيئ الصيت في تقسيم العراق.
مما لا شك فيه إن سياسة الحزبين قائمة على رؤيتين متفاوتتين، لكن الاستراتيجية واحدة في شتى الأحوال. ففي الوقت الذي يمارس فيه الحزب الجمهوري خيارات الحرب والعقوبات، يلجأ الديمقراطيون إلى انتهاج سياسة التهدئة والعقلانية في التعامل مع الشؤون الخارجية مع إعطاء المصالح الأمريكية الأولوية.
ولا ينسى العراقيون أنه في عهد ترامب تم دحر تنظيم داعش الإرهابي، وتحرير مدينة الموصل، وإفشال انفصال كُردستان العراق. ولا تزال صورة ترامب في نظر العراقيين تؤكد تعامله الحازم مع المليشيات التي تتحكم بالعراق. ويأتي تخوف انتخاب بايدن من أن سياسته ستتناغم مع إيران، مما يؤدي بالتالي إلى تقوية المليشيات في العراق بعد أن خفّ بريقها بعد القضاء على سليماني والمهندس رغم تهديد ترامب بفرض عقوبات على العراق والتهديد بغلق السفارة الأمريكية في بغداد وغيرها من التداعيات.
وترى الأحزاب العراقية في بايدن الشخص المناسب للتحالف معه في المنطقة، إلا أن السؤال الجوهري يفرض نفسه: هل الظروف الإقليمية والدولية بالنسبة لإدارة بايدن المقبلة هي ذاتها الظروف التي كانت تحكم عمل إدارة أوباما؟ وهل سيفعّل بايدن مشروع تقسم العراق؟ وهل سيعيد "الاتفاق النووي" مع إيران الذي انسحب منه ترامب في مايو 2018؟ تبقى الخطوات السياسية العملية مجرد تكهنات، لأن الظروف الدولية اختلفت عما كانت عليه في عهد أوباما.
يسعى الرئيس المنتخب بايدن إلى تحسين العلاقات الأمريكية الأوروبية التي تخلخلت في عهد ترامب، وهذا ما يشير إلى أن البوابة الأولى لتلك العلاقة ستكون من خلال إحياء الاتفاق النووي مع إيران ومن أجل كبح جماح الحرب المحدقة في المنطقة.
إن الأجواء السياسية قد تقود بايدن إلى نظريته في تقسيم العراق إلى أقاليم، خاصة أن إيران التي أسست الجماعات المسلحة في العراق لا تريد دولة شيعية قوية بجوارها، وما يهمها هو تطبيق استراتيجيتها في الإبقاء على عراق ضعيف ومتزعزع ومسلوب الإرادة، تتحكم فيه الجماعات المسلحة المرتبطة بالولي الفقية وتعتبره قائدًا لها.
لا تزال الحرب الأمريكية على العراق عائقًا أمام بايدن، وتطرح عليه مسألة بقاء القوات الأمريكية في العراق أو سحبها حسب.
على الرغم من انتقاد بايدن لخروج ترامب من الاتفاق النووي الايراني، فإنه لا يمكن العودة سريعًا إلى الاتفاق النووي الذي قد يبدأ بتخفيف العقوبات. كما أن مسألة بقاء أو خروج القوات الأمريكية من العراق يبقى الموضوع الساخن الذي يواجه الرئيس المنتخب الديمقراطي بايدن الذي يؤمن بأن عقوبات ترامب أضعفت الموقف الإيراني الداخلي والإقليمي، لذلك قد يضع بايدن شروطًا معينة لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي وإجبار طهران على تقديم تنازلات إضافية.
تمتد علاقة بايدن بالعراق إلى نحو عقدين من الزمان، حيث عديدة إليه، وبنى علاقات وثيقة مع اللاعبين الرئيسيين في السياسة العراقية، إلا أن هذه العلاقة قائمة على خط أخلاقي وواقعي. إنه يسعى إلى إصلاح أخطاء غزو العراق سنة 2003. ولكن الجميع يتساءل: هل يقدر بايدن على فهم الأوضاع العراقية بشكل صحيح؟
أما علاقته بالأكراد فتوصف بالتاريخية، وتعود إلى 2002، حيث زار المنطقة برفقة زميله السيناتور تشاك هاغل من تركيا، وألقى خطابًا أمام البرلمان الكردي في أربيل، مؤكدًا على فكرة الفيدرالية التي يرحب بها الأكراد.
كما لا ننسى أن صورة بايدن لها أهميتها الكبيرة في العالم، حيث ارتبطت بالوقوف ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ودعم التدخل العسكري في البلقان، وتوسيع الناتو، والسيطرة على الأسلحة الاستراتيجية، وتقليص حجم الحرب الأمريكية في أفغانستان وغيرها في قضايا تغيير المناخ إلى ملفات العلاقات مع الصين وروسيا منذ توليه منصب نائب الرئيس في عهد أوباما، وهي خبرة طويلة وعميقة تؤهله لكي يقيس خطواته المقبلة في الشأن العراقي العربي.
والسؤال المطروح الآن: هل يطبق بايدن مشروع الفيدرالية والأقاليم في العراق؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة