حين زار رئيس الولايات المتحدة السابق، ترامب، السعودية عام 2017، جاء بطموحات لم تجد تلبية إلا في إطار مصالح المملكة.
ثقة أمريكا العظمى تهتز يوما تلو الآخر منذ أن قدم جو بايدن إلى "البيت الأبيض" بسبب إلحاحه في محاولات الضغط على الكبار، وبين هؤلاء الكبار بالتأكيد المملكة العربية السعودية، التي تتحلّى بكامل لياقتها الدبلوماسية في الرد على ما يتفوّه به "بايدن" وسط ذهول أمريكي من تصرفات الرجل الأول تجاه قرارات "أوبك+".
"أوبك" وحلفاؤها من الدول الـ13، الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك بلس" وحليفاتها بقيادة روسيا، أقروا الأسبوع الماضي خفضا كبيرا في حصص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني، ليفقد بايدن اتزانه الدبلوماسي كرئيس أكبر دولة في العالم ويقول مجددًا: "لا لأوبك"، لكن بطريقة غير لائقة.
خطوة "أوبك+" غير السياسية بالمرة صادفت عالمًا مأزومًا في الطاقة بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، فيما يستعد الناخبون الأمريكيون المنهكون من التضخم للإدلاء بأصواتهم في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، ما زاد ورطة واشنطن تجاه حلفائها الأوروبيين.
لم يحدد "بايدن" أيضًا في برنامجه طريقة الخلاص من أزمته الاقتصادية، فقد ارتفعت الأسعار بنسبة 6.6% بعد استبعاد الوقود والغذاء، الذي يميل إلى التقلب، وغالبا ما يتم إزالته من قراءات التضخم، للسماح بفهم أفضل للاتجاهات الأساسية، وهو ارتفاع فيما يسمى "المؤشر الأساسي" الذي كان أيضا أكثر مما توقعه الاقتصاديون.
الاقتصاديون أنفسهم يرون أن قرار "أوبك+" الأخير بخفض الإنتاج هو قرار لحفظ توازن السوق، وليس قرارًا لرفع أو خفض أسعار النفط عالميا كما زعم "بايدن"، الذي يبدو أنه قد تناسى ما جاء به للبيت الأبيض حين قال إن الأولوية في المستقبل ستكون للطاقة "الخضراء" و"الاستثمار في الطاقة الجديدة الصديقة للمناخ وللأرض"، فما الذي يُغضب رجل البيت الأبيض من خفض الإنتاج؟
في ظني أن "بايدن" لم يتعلم الدرس من أسلافه، الرؤساء السابقين للولايات المتحدة، وهو أيضًا في حاجة إلى مطالعة النسخة الأصلية من الكتاب أمريكي الصنع، "لعبة الأمم"، لـ"مايلز كوبلاند"، الرجل الذي حدد اللعبة كما حدد معها طريقة اللاعب في خوض اللعبة.
اللعبة الأمريكية في الشرق الأوسط لا تتغير، ولست أدري لماذا يصر "بايدن" على اللعب بطريقة ثبت فشلها، ألا يعلم الرجل أن جميع خطط منتجي النفط ارتبكت بسبب الحرب الأوكرانية، التي دفعت فيها أمريكا دفعًا نحو أسوأ أزمة في تاريخها، وهي أزمة الطاقة، التي هزت العالم؟
العالم فعليا لم يهتز في تاريخه لكتاب كما جرى عند ظهور كتاب "لعبة الأمم"، الصادر عام 1969، ويصوّر فيه الأمم كقطع شطرنج يجري تحريكها من قبل الخارجية الأمريكية بحسب سيناريوهات مسبقة، لكن مع تغيير أساسيات اللعبة وفق معايير القوى الجديدة، على أمريكا و"بايدن" استيعاب درس ألا لعِبَ مع الأمم إلا باحترام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة