متخمة هي أجندة لقاء القمة المرتقب بعد بضعة أيام بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين.
تطوف عناوينها على مختلف قضايا العالم التي تمثل بطريقة أو بأخرى نقاط تماس، بعضها من النوع الساخن، وغيرها ممن تصنف بقضايا استراتيجية تتقاطع حولها مصالحهما هنا وتتنافر هناك.
ما يعنينا في المنطقة العربية تحديدا، وفي عموم الشرق الأوسط، هو مدى استعداد كل منهما، أو كليهما، لطرح مقاربات عملية بشأن عدد من المشاكل العالقة التي تثقل كاهل معظم الأطراف: سوريا، القضية الفلسطينية، الملف النووي الإيراني، ليبيا، اليمن، حيث ترتبط هذه الملفات مجتمعة بشكل مباشر بمسألة الأمن والاستقرارين الإقليمي والدولي.
قبل الإعلان عن استضافة جنيف لقمة الزعيمين المزمعة في السادس عشر من الشهر الجاري، ساد مناخ من التشكيك بإمكانية حصولها على خلفية موقف صارخ أبداه بايدن قبل بضعة أشهر في معرض إجابته عن سؤال: هل تعتقد أن الرئيس الروسي قاتل؟ بقوله نعم، أعتقد ذلك، ليظهر بوتين بعدها بأيام قليلة متغافلا عما قاله بايدن، ومادّا يده لنظيره الأمريكي بدعوته للقاء ثنائي لرسم خطوط تفاهمات لمستقبل علاقات البلدين ضمن أطر تفاهمات تكتيكية وأخرى استراتيجية.
الاتفاق على عقد القمة لا يعني بالضرورة تجاوز القطبين الدوليين خلافاتهما وصراعاتهما وحروبهما الباردة والساخنة، ولا يعني أيضا إسقاط نزاعاتهما الثنائية الممتدة من ميادين معاهدات الأسلحة الاستراتيجية وقضايا المناخ مرورا بمحاولات كل منهما لتضييق الخناق على الآخر كما هو حاصل في شرق أوروبا، حيث يتمدد حلف شمال الأطلسي إلى ما تعتبره موسكو حدائقها الخلفية في بولندا ودول البلطيق وجورجيا وجزء من آسيا، والتنازع على العلاقات مع الصين التي تسبب صداعا لبايدن وإدارته، والمناكفات بشأن كورورنا ولقاحاتها، وصولا إلى مناطق النفوذ التقليدية في الشرق الأوسط حيث منابع الطاقة وسياسة كل منهما لتوسيع دوائر نفوذه وحماية مصالحه.
ليس من شك في أن معيار الاستقرار على المسرح الدولي يكمن في حجم التفاهم المنشود بين الزعيمين على قضايا الشرق الأوسط عموما، لكن ذلك لا يلغي ضرورة بلورة نقاط تقارب حيال قضايا دولية بينهما، فالمشهد في سوريا يبدو جامدا بفعل تناقضات السياسة الروسية الأمريكية، ورؤية كل منهما المتعارضة مع الآخر بشأن سياقات ومستقبل العملية السياسية. القضية الفلسطينية ورغم اتفاق الجانبين تاريخيا على ضرورة حلها على قاعدة القرارات الدولية إلا أنها تشكل فتيل برميل من البارود القابل للانفجار بين الفينة والأخرى. والطروحات الأمريكية بشأن الحل في اليمن تصطدم على أرض الواقع بتعنت الحوثيين ورفضهم للمبادرات السلمية الإقليمية منها والدولية. ليبيا التي تنفض تدريجيا غبار سنوات من الصراع الميداني والسياسي تبدو بحاجة ماسة لمظلة أمريكية روسية تعزيزا للدور الأوروبي والعربي لطي صفحة حقبتها السابقة.
البرنامج النووي الإيراني الذي يقلق دول المنطقة والعالم يكتسي شكلا مغايرا لبقية الملفات الإقليمية المتشابكة بين الإدارتين الروسية والأمريكية؛ فموسكو ترى فيه متكأ لمناكفة الأمريكيين في عدد من القضايا والساحات، وتدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق انطلاقا من مقاربتها هذه، في حين تعتبره إدارة بايدن خطرا على السلم والاستقرار الإقليمي والدولي، لكنها تعتقد أن العودة إلى الاتفاق مع طهران بشأنه أو ترميم الاتفاق السابق جزء من استراتيجيتها لمنع الإيرانيين من إنتاج السلاح النووي. للوهلة الأولى تشير مقاربة كل طرف إلى وحدة الهدف لديهما، لكن مسارات علاقات طهران مع كل جانب تفضح هذه الازدواجية وتؤكد ارتياب واشنطن وموسكو حيال بعضهما.
غياب التنسيق بين الزعامتين الأكبر في العالم حيال ملفات الشرق الأوسط، أو ربط التنسيق بمقتضيات سياسة كل منهما ومصالحه فقط، وسعي كل طرف للاستحواذ بمفرده على مايراه مصالح حيوية ومكاسب ذاتية دون اكتراث بمصالح الآخر؛ يستتبع الكثير من الخسائر على الجميع، بمن فيهم الدول الواقعة ضمن دائرة الاستهداف المصوبة نحوها السهام، لأنها ستكون تحت تهديدها في كل منعطف. انتظار أو ترقب نتائج لقاءات الكبار من قبل دول المنطقة، وما يمكن أن ينتج عنها سلبا أم ايجابا لا يصب في خدمة مصالحهم. لا بد من الانتقال إلى الفعل والدور الفعال لفرض الإرادة الذاتية وحماية المصالح وحجز مقعد راسخ ومؤثر على طاولة الكبار استنادا إلى المقومات والإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها الدول العربية تحديدا، والاستعداد للانتقال إلى مرحلة فرض شروطها وقبول ما يلبي مصالحها ويصونها، ورفض ما يشكل تهديدا لدولها.
بصرف النظر عما سترسمه نتائج قمة بايدن – بوتين من ملامح وآفاق لمسارات علاقات بلديهما مستقبلا، وما ستعكسه على مجمل القضايا الدولية، وكذلك قضايا المنطقة العربية، فإن تحويل التحديات إلى فرص على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والعلمية تمثل حجر الرحى في عملية ولوج عالم الكبار عبر مقارعة المصالح بالمصالح.
دور أي دولة وتأثيرها في سياق السياسات الإقليمية والدولية تجاه مختلف القضايا التي تعنيها وتعني مصالحها ينتزع انتزاعا، أما تلك الأدوار التي تمنح لأي دولة من قبل طرف آخر فتبقى محكومة بسقف مصالح المانح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة