"الولايات المتحدة عادت".. قالها الرئيس الأمريكي جو بايدن عند وصوله بريطانيا يوم الأربعاء في مستهلّ جولته الخارجية الأولى.
تدل العبارة دلالة قاطعة على أن الرئيس بايدن يتمنى تجاوز المرحلة التي اتّسم بها عهد سلفه ترامب فيما يخص العلاقة مع أوروبا والمملكة المتحدة، حيث بدا جلياً أن الغرض من رحلته هو أن يؤكد "بوضوح لبوتين والصين أن (التحالف بين) الولايات المتحدة وأوروبا متين".
هذه هي الجملة التي اختارها عند خروجه من قاعدة أندروز العسكرية في إحدى ضواحي واشنطن متوجهاً لهذه الرحلة التاريخية، التي يرى في أهدافها كثير من النواب الديمقراطيين، تعني أن الحلفاء "سيتلقون هذه الكلمات المطمئنة مع بعض التشيكك"، لكن "استعداد بايدن لإعادة الاتصال بهم يجب أن يتغلب ليس على ندوب السنوات الأربع الماضية فحسب، بل على الأسئلة العالقة حول صحة الديمقراطية الأمريكية، كما يقول بعضهم.
هنا في واشنطن كانت لافتة أيضاً تلك العبارة التي اختارتها الناطقة باسم بايدن، جين ساكي، حيث قالت إنه "يستعد لها -أي الزيارة- منذ خمسين عاما"، فهذه هي أول رحلة خارجية لبايدن بصفته رئيساً للولايات المتحدة، ومن المقرر أن يلتقي فيها شركاءه الأوروبيين والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بدأت الرحلة التي تستمر ثمانية أيام بلقاء مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وقد ذكرت شبكة (سي إن إن) الأمريكية أن جونسون أطلع الرئيس الأمريكي على ميثاق الأطلسي، وهو إعلان مشترك أصدره رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية فرانكلين روزفلت في 14 أغسطس 1941، للتعبير عن حجم الصداقة التاريخية التي تجمع البلدين، وكانت رئاسة الوزراء البريطانية قد أعلنت أن المسؤولين سيوقعان هذه الاتفاقية التي تنص -حسب داونينج ستريت- على أنه "إذا تغير العالم منذ 1941 فإن القيم تبقى هي نفسها في الدفاع عن الديمقراطية والأمن الجماعي والتجارة الدولية"، قبل انطلاق الزعيمين لحضور قمة مجموعة الدول السبع الكبرى ذات الاقتصاديات الأكثر تقدماً في العالم، وهي كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والتي تُعقد هذا العام في مدينة كورنول، جنوبي إنجلترا.
وقد بدأت اجتماعات القمة، وكان موضوع النقاش الأساسي فيها التعافي من تبعات وباء كوفيد-19، بما في ذلك الحديث عن وجود "نظام صحي عالمي قوي يمكنه حماية العالم من الأوبئة في المستقبل"، ويشمل جدول أعمال القمة أيضاً قضايا التغير المناخي والتجارة، ومن المتوقع أن يحذر بايدن من أن الخلاف التجاري القائم بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يعرض السلام في أيرلندا الشمالية للخطر.
كذلك أكد بايدن وفريقه غير مرة خلال الساعات الماضية على الحاجة إلى إعادة إحياء الالتزامات بـ"المبادئ الديمقراطية في وجه تحديات حقيقية ومنافسة استبدادية" في عالم اليوم، بينما قال جونسون إن الميثاق الجديد "يشمل العلوم والتكنولوجيا والتجارة"، و"يؤكد التزامنا المشترك بحلف شمال الأطلسي".
وأفاد مكتب جونسون أنهما تعهّدا بالعمل على "توسيع التجارة والتقدّم باتّجاه التوصل إلى اتفاق مستقبلي للتجارة الحرة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة"، كما اتفقا على تأسيس فريق عمل جديد للنظر في استئناف السفر بين بلديهما بعد نجاح عمليات التطعيم ضد كورونا.
فيما خص اللقاء مع جونسون هناك أسباب كثيرة يذكرها المحللون في واشنطن عن أهداف هذه الجولة، حيث يجزم بعضهم بأن بايدن يسعى لتأكيد مدى قوة "العلاقة الخاصة" التي تجمع البلدين، حيث تحدثت تقارير إعلامية سابقة بأن بايدن أمر الدبلوماسيين الأمريكيين "بتوبيخ" جونسون على خلفية طريقة إدارته ملف بريكست وتداعيات ذلك على السلام في أيرلندا الشمالية، ويلاحظ أثر ذلك في حرص جونسون عقب عقده أول لقاء مباشر مع بايدن على الحديث عن وجود "أرضية مشتركة" بين لندن وواشنطن وبروكسل فيما يتعلّق بحماية السلام في أيرلندا الشمالية في ظل التوتر بعد بريكست، مؤكدا بعد الاجتماع المغلق أن جميع الأطراف وافقت على "ضمان المحافظة على توازن عملية السلام".
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخلاف كان يتركز على الترتيبات التجارية الجديدة بالنسبة لأيرلندا الشمالية التي بدأ تطبيقها في يناير/كانون الثاني بعدما غادرت المملكة المتحدة السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي، بعد نحو أربع سنوات من استفتاء بريكست، وبموجب هذه الترتيبات تجري عمليات تفتيش على البضائع المتجهة إلى أيرلندا الشمالية والقادمة من البر البريطاني الرئيسي لمنع البضائع من الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة عبر أيرلندا المجاورة (العضو في الاتحاد الأوروبي)، ويكفي لشرح هذه الملفات الكثيرة بين البلدين ما قاله بوريس جونسون في البيان من أن "التعاون بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، أقرب شريكين وأعظم حليفين، سيكون حاسما لمستقبل الاستقرار والازدهار في العالم".
في خلاصة، يمكننا القول إن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لأوروبا، هي بمثابة مؤشر على عودة أسس التعاون عبر المحيط الأطلسي لمواجهة تحديات عديدة لجميع الأطراف، بدءا من الصين وروسيا وانتهاء بتغير المناخ، وتثبت أن فكرة "عودة التعددية" هي أكثر من مجرد شعار، لأنها إقرار بأن هناك حاجة لنهج عالمي لحل القضايا العالقة، سواء كانت سلاسل إمداد اللقاحات المضادة لوباء كوفيد-19 أو نظام ضرائب أكثر عدلا على الشركات في العصر الرقمي، وهي "نقطة تحول مهمة" تظهر التزاما سياسيا جادا في تعهدات الحكومات جميعها "بالعودة إلى البناء على نحو أفضل"، في أعقاب تضرر الاقتصاد العالمي بشدة بسبب جائحة كورونا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة