تتكئ السعودية على ركام من التعامل مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة على "البيت الأبيض" منذ ثلاثينيات القرن الماضي، إذ مرت عَلاقات الرياض وواشنطن بمراحل شتى، سلبية وإيجابية.
لكنّ الرؤساء الأمريكيين، الذي تناوبوا على "البيت الأبيض"، كان حظ بعضهم هو الجهل بمكانة السعودية في العالم، من الناحية الروحية كدولة تحوي مقدسات العالم الإسلامي وتهفو إليها أرواح المسلمين، ومن الناحية الاقتصادية كأكبر مصدّر للنفط في العالم.
لا يمكن رمي "بايدن" بالجهل بمكانة السعودية، فهو السياسي، الذي شاب مفرقه في مضمارها، وأصبح أحد مشرّعي الكونجرس وهو لا يزال شابًّا يافعًا، وتدرج في المناصب السياسية حتى وصل إلى نائب رئيس الولايات المتحدة، قبل أن يتسلم مفاتيح "البيت الأبيض"، وهو يخطو حاليًّا نحو الثمانين، متوِّجًا عقودًا من العمل السياسي في دولة تقود العالم.
لكن الذي لم يدركه "بايدن"، وهو يدبّج مقاله في صحيفة "واشنطن بوست" -الذي بدا "تبريريًّا" في وجه انتقاداتٍ داخلية- هو أن السعودية في عهدها الحالي باتت في حِلٍّ من ملفات وظروف كبّلت تعاملها مع واشنطن خلال عقود سابقة، فلا بوصلة تُوجّهها في الوقت الراهن إلا مصلحة المملكة السياسية والاقتصادية، وهي بذلك غير مقيدة بشيء بعيد عن هذه المصلحة، بل هي في موقف قوة حاليا والعالم يسارع لتأمين إمدادات الطاقة، في ظل شبح الأزمة الأوكرانية، التي تهدد أوروبا والعالم، ضمن تداعيات لا تنتهي.
صحيح أن للولايات المتحدة مكانتها، وأمن المنطقة بحاجة إلى دور واشنطن، وهو أمر تدركه السعودية، وهي على هذا الأساس ورغم ما شاب العلاقات بينهما في السنوات الأخيرة ظلت ممسكة بـ"شعرة معاوية" حسب ظروف التعامل الأمريكي.
ليس غريبًا على الرياض تقلّب الحال في "البيت الأبيض"، فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي عايشت المملكة الصبر 8 سنين أو 4 "حسب عدد الولايات الرئاسية" لساكن "البيت الأبيض"، حين لا تتوافق سياسات البلدين، أو يصيب هذا الساكن الشَّطَط.
فتجاوزت الرياض مع واشنطن تبعات الحروب في أفغانستان وإيران، وغزو الكويت، ورفضت غزو العراق عام 2003 على عكس إرادة الولايات المتحدة، وعبرت عهد أوباما بعثراته وانحيازاته، خاصة التغاضي عن عبث طهران بأمن المنطقة، ودعم ما يُسمّى "الربيع العربي"، ولن تكون فترة حكم "بايدن" بتقلباتها وما يتزامن معها من تدهور عالمي اقتصاديا وسياسيا بجديدة على المملكة، التي تملك علاقاتٍ ضاربة في جذور التاريخ مع واشنطن.
ولعل مقارنة الوزير السعودي الراحل، غازي القصيبي، في كتابه "الوزير المرافق" بين حالتي نيكسون وكارتر حين زارا السعودية واردة في هذا المقام.. فقد زار نيكسون السعودية عام 1974 على إثر أزمة قطع البترول السعودي عن الغرب، وكان هدف الزيارة -وللمفارقة مع زيارة "بايدن" الحالية- محو ما شاب علاقات الرياض وواشنطن بعد وقف التزويد بالبترول، وذلك "بعد أن اتضح للعالم أجمع أن أهمية البترول وأهمية السعودية في تزايد" والتعبير للوزير "القصيبي" وهو مُحقٌّ دون مبالغة.
أما "كارتر" فلم تكن تعوزه الثقافة الواسعة والمعرفة بقضايا الشرق الأوسط، لكنه لم يُمتحَن بتوتر في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، وكان شغله الشاغل تسويق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن ذلك لم يمنعه من التجنِّي على السعودية في مذكراته.
فهل يعرف "بايدن" -كأسلافه- السعودية حقًّا؟!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة