تتوجه الأنظار للقمة الأمريكية-الخليجية العربية التي تعقد في جدة السعودية، وإلى ما ستفسر عنه من نتائج تشكل مجتمعة عوامل لعودة الإدارة الأمريكية لاتباع الواقعية السياسية نحو دول الخليج العربي وعموم المنطقة.
وذلك بعد أن رفعت إدارة "بايدن" لواء أولوية التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران طوال الفترة الماضية، دون مراعاة لأمن دول المنطقة، وما تتعرض له من مخاطر على أيدي أذرع إيران في عدد من دولها.
بداية، لا بد من القول إن مجرد وجود الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في جدة، يشكل تطورًا مُهمًّا في سياسة إدارته إزاء دول الخليج العربي، وهو تطور بمثابة إدراك متأخر لهذه الإدارة بخطأ سياستها السابقة، التي قامت على التغنّي ببعض الشعارات الأخلاقية على حساب المصالح المشتركة، والواقعية السياسية، التي وسمت العَلاقات التاريخية بين الجانبين طوال العقود الماضية، ولعل إشارة "بايدن" إلى ثمانين عامًا من هذه العلاقة في مقاله الذي نشره "واشنطن بوست" بمناسبة زيارته للمنطقة، يعبر عن إدراكه أهمية هذه العلاقة وقيمتها الاستراتيجية للجانبين، لكن في الوقت نفسه، ينبغي النظر إلى أن هذا التوجه المستجد لدى إدارة "بايدن" إزاء دول الخليج العربي ليس بمعزل عن تطورات ومتغيرات وتحولات كثيرة شهدها العالم، وفي المقدمة منها تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، التي تسببت في أزمة طاقة حادة في الغرب، وسط مخاوف متعاظمة من أن تؤدي هذه الأزمة إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار ونقص في المواد الغذائية، لا سيما في الدول الأوروبية، وكذلك بسبب وصول محادثات الملف النووي الإيراني إلى طريق مسدود، لا سيما بعد فشل محادثات الدوحة، ومن قبل فيينا بهذا الخصوص، وعليه تحمل زيارة "بايدن" لجهة التوقيت طابع المراجعة والبراجماتية السياسية بعد كل ما حصل.
رسائل وقضايا قمة جدة كثيرة، لعل أهمها:
1- وجود إرادة أمريكية-خليجية عربية مشتركة لتطوير العلاقات بينهما، من خلال جعل قمة جدة محطة انتقال مهمة لرسم خارطة طريق لتعزيز هذه العلاقات حتى تكون بمستوى الشراكة الاستراتيجية بينهما.
2- رغبة خليجية-عربية في تصور أمريكي إلى حد التزام مواجهة التهديدات الإيرانية لدول المنطقة، والأمر نفسه ينطبق على المحادثات الهادفة للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، بحيث لا يحقق هذا الاتفاق -إنْ تم التوصل إليه- أي امتيازات مالية أو أمنية أو سياسية أو عسكرية لإيران، تحفزها أكثر على التدخل في شؤون دول المنطقة وفرض أجندتها الإقليمية.
3- السعي المشترك لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، من خلال دعم مسار اتفاقيات السلام الإبراهيمي، وإدماج الهياكل الإقليمية في المنطقة اقتصاديا وسياسيا وتجاريا وعلميا، مع الاهتمام بحقوق الشعب الفلسطيني وهويته، إذ دون ذلك، يبقى السلام ناقصًا وسيواجه عقباتٍ كثيرة.
4- أهمية العمل المشترك لاستمرار الهدنة في اليمن، وصولا إلى الدفع نحو تحقيق الاستقرار والسلام في هذا البلد المُهم لأمن دول الخليج العربي، ولعل ما سبق يتطلب سياسة أمريكية حازمة تجاه مليشيا "الحوثي" الإرهابية، التي تجرأت باستهداف أمن دول الخليج بعد رفع الإدارة الأمريكية اسمها من قائمة المنظمات الإرهابية.
5- دون شك، تبقى قضية الطاقة في صُلب اهتمامات إدارة "بايدن"، إلى درجة أن البعض يرى أنها السبب الرئيسي لزيارته إلى المنطقة، بعد أن رفضت دول الخليج العربي زيادة كمية الإنتاج التزاما باتفاق "أوبك"، وهو ما يعني أن هذا الموضوع سيكون على جدول مباحثات القمة، وبما يعزز المكانة الاستراتيجية لدول الخليج العربي عالميًّا.
6- أن الدول الخليجية-العربية تبدو أمام فرصة الانتقال من التكامل المحلي إلى التعامل المشترك مع القوى والتكتلات العالمية، خاصة بعد أن قطعت الدول الخليجية شوطًا كبيرًا في تعزيز العلاقة بكل من الصين وروسيا، وهو ما يعطي أريحية لها في إدارة علاقاتها، سواء مع الولايات المتحدة أو غيرها من القوى الكبرى المؤثرة في العالم وأحداثه.
ثمة آمال كبيرة معقودة على القمة الأمريكية-الخليجية العربية، لا لجهة تعزيز الثقة، التي تراجعت خلال فترة حكم "بايدن" بالحليف الأمريكي فحسب، بل للعودة إلى الواقعية السياسية، انطلاقًا من القيم الاستراتيجية لهذه العلاقة للجانبين في المرحلة المقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة