خسائر بمئات المليارات.. فاتورة "فشل أردوغان" يتكبدها الاقتصاد التركي
مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والناتجة عن أسباب سياسية بدأت المخاوف تتزايد من تكرار أزمات أعوام 1994 و2001 و2007.
مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي باتت تشل مفاصل الدول التركية، والناتجة في الأساس عن أسباب سياسية، بدأت المخاوف تتزايد من تكرار الأزمات التي شهدتها تركيا في أعوام 1994 و2001 و2007.
وما يزيد من التوقعات المتشائمة للاقتصاد التركي، أنه يعاني من مستويات عجز في الميزان التجاري تُعد الأكبر في الأسواق الناشئة، إلى جانب ديون خارجية لا نظير لها، وعملة معرضة للتراجع، ومعدل تضخم مرتفع للغاية، وسياسة نقدية غير منضبطة، وسمعة دولية ليست جيدة على الإطلاق.
ومع احتدام أزمة الليرة، أصبح الاقتصاد التركي هو أول الضحايا، وهو ما يعكسه مقال للكاتب التركي المعروف أرجون باباهان بخصوص التطورات الاقتصادية في تركيا، والذي وصفها قائلا: "إنها أصعب الأزمات الاقتصادية في تاريخ تركيا الحديث، لكن رئيسها رجب طيب أردوغان لا يكف عن نفي هذه الحقيقة ويرفض اتخاذ ما يلزم من إجراءات".
وأكد باباهان أن أول ضحايا هذا التحول في تركيا من الديمقراطية النيابية إلى نظام الرجل الواحد كانت حقوق الإنسان ومن ثم لحق به الاقتصاد سريعا.
ووسط توقعات بتصاعد الأزمة بين أمريكا وتركيا بسبب مطالبة واشنطن بإطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برونسون، بينما تريد تركيا أن تُوقف وزارة الخزانة الأمريكية تحقيقا بشأن بنك خلق التركي، الذي تملك فيه الدولة حصة الأغلبية ويواجه غرامة محتملة كبيرة من الولايات المتحدة تتعلق بانتهاك العقوبات على إيران.
فإن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا سوف تواصل الحصاد المر في عديد من القطاعات والتي بدأت أزماتها تتصاعد وتتجاوز مئات المليارات، وهو ما تعكسه المؤشرات، خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات والديون الخارجية والتضخم والبطالة.
- الليرة تفقد نصف قيمتها
جذور انهيار الليرة تكمن في سياسات الرئيس التركي، الذي أدار اقتصاده الساخن للحصول على الدعم الشعبي والفوز بـ9 انتخابات في سنوات عديدة.
وتراجعت الليرة التركية خلال الأزمة الأخيرة مع واشنطن بنسبة 48% منذ تولي وزير الخزانة والمالية بيرات البيرق، صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، منصب وزير الخزانة والمالية في الحكومة الجديدة.
كان أردوغان عين صهره بمنصب وزير الخزانة والمالية في 9 يوليو/تموز الماضي، أي بعد نحو 32 يوما، عقب تطبيق نظام الحكم الرئاسي الجديد.
وتراجعت الليرة التركية منتصف الشهر الجاري إلى حدود 7 ليرة لكل دولار، بعد أن كانت في 9 يوليو/تموز الماضي 4.52 ليرة لكل دولار.
وهبطت الليرة التركية 3% أمام الدولار، الإثنين، مع استئناف التداول في الأسواق المحلية بعد عطلة استمرت أسبوعا، لتصل إلى 6.19 ليرة للدولار.
- الضبابية تضرّ بالاستثمارات
تحتاج تركيا جذب أكثر من 200 مليار دولار سنويًا كي يبقى اقتصادها صامدا، وفقا لآراء الخبراء، الذين شككوا في إمكانية جذب السوق التركي لهذه الاستثمارات خلال العام الجاري أو المقبل، خاصة في ظل العلاقات السياسية المتوترة بين الولايات المتحدة وتركيا والتي تلقي بظلالها على الاستثمارات، وتؤثر بشكل كبير على ثقة المستثمرين ورجال الأعمال الذين باتوا يستشعرون مخاطر تضرّر استثماراتهم وأعمالهم في تركيا.
وقال هوارد بيسي رئيس المجلس الأمريكي التركي ورئيسه التنفيذي إن صفقة استحواذ بقيمة 300 مليون دولار تجريها شركة تركية في الولايات المتحدة تم تجميدها الأسبوع الماضي بسبب الضبابية السياسية.
- تراجع تصنيف تركيا الائتماني
خفضت وكالة (ستاندارد أند بورز) الأمريكية الدولية، للتصنيف الائتماني، تصنيف تركيا للديون السيادية مع طرح توقعات حول انكماش اقتصادها.
وتراجع تصنيف تركيا الائتماني وفقا لتصنيف المنظمة الدولية من “BB-” إلى “B+”، وأبقت على النظرة المستقبلية لتركيا مستقرة، في تحرك جاء بعد أن خسرت الليرة التركية نحو 40% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي العام الحالي.
وقالت الوكالة الدولية، إن خفض تصنيف تركيا يعكس توقعاتها بأن التقلبات الحادة لليرة التركية وما سينتج عنها من تعديل حاد متوقع في ميزان المدفوعات سيقوضان اقتصاد تركيا.
- ديون تركيا قصيرة الأجل ترتفع إلى 120 مليار دولار
سجلت ديون تركيا الخارجية قصيرة الأجل ارتفاعا بنحو 1.5% لتصل إلى 120 مليار دولار أمريكي؛ بنهاية شهر يونيو/حزيران الماضي.
ويتحدث الخبراء والمتخصصون عن أن إجمالي ديون القطاع الخاص في تركيا البالغ 250 مليار دولار أمريكي، في ظل تدهور الليرة التركية، يشير إلى انجرار القطاع الخاص نحو أزمة خطيرة.
في الوقت الذي يدور فيه الحديث عن أن ارتفاع سعر صرف الدولار في تركيا سيكون له تأثيرات عنيفة على القطاع الخاص، فإن سبب هذا يرجع في الأساس إلى استدانة القطاع الخاص التركي خارجيًا بالدولار.
ونتيجة لهذا يدور الحديث حاليا حول أن ارتفاع مؤشر العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار واليورو سيؤدي إلى تعثر عملية سداد ديون القطاع الخاص، إذ ستضاعف ديون القطاع الخاص المستدين بالدولار واليورو نتيجة لتراجع قيمة الليرة.
هذا وتشير البيانات الرسمية التركية إلى بلوغ الدين الخارجي لتركيا نحو 453 مليار دولار.
- تصاعد معدلات البطالة في تركيا
صعدت نسبة البطالة في السوق التركية خلال الفترة بين أبريل/نيسان–يونيو/حزيران الماضي، إلى 9.7% وفق أرقام تركية رسمية.
وتشير التوقعات إلى صعود أكبر في نسب البطالة، اعتبارا من يوليو/تموز الماضي، بسبب هبوط الليرة التركية الحاد، الناتج عن ضعف الاقتصاد.
ووفق أرقام هيئة الإحصاء التركية اليوم، بلغ عدد العاطلين عن العمل في السوق التركية، 3.136 مليون فرد أعمارهم أكثر من 15 عام.
يُذكر أن تركيا الأعلى في معدلات البطالة والتضخم من بين دول مجموعة العشرين G20 ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
- الليرة تكبد فاتورة الطاقة 11.5 مليار ليرة
وفيما يتعلق بتداعيات الليرة على قطاع الطاقة، قال رئيس جمعية اقتصاد الطاقة البروفيسور جوركان كومبار أوغلو، أن نزيف العملة المحلية كلف فاتورة الطاقة في تركيا 11.5 مليار ليرة تركية خلال 45 يوما الأخيرة.
وتابع “في 45 يوما الأخيرة فقدت الليرة التركية نحو 40% من قيمتها، ما انعكس بمعدل 40% زيادة على فاتورة الطاقة المستوردة من الخارج إلى تركيا”.
ولفت أوغلو إلى أن تركيا تستورد نحو 4.6 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي شهريًا، ونحو 2.1 مليون طن من البترول الخام، و1.2 مليون طن من الوقود، قائلا: “هذه المعطيات تتجاوز 3 مليار دولار شهريا من استيراد مستلزمات الطاقة. وإذا حسبنا الهبوط الذي تعرضت له الليرة في 45 يوما الأخيرة نجد أن هذه الفاتورة زادت بمقدار 11.5 مليار ليرة تركية”.
- تسارع معدلات التضخم.. وأسعار اللحوم ترتفع بنسبة 200%
توقعت “ستاندارد أند بورز” أن يصل التضخم إلى 22% على مدار الأشهر الأربعة القادمة، حيث قالت إن ضعف الليرة سيضع ضغوطا على قطاع الشركات المدينة، وإنه زاد بشكل كبير من مخاطر تمويل البنوك التركية.
وتشير إحصاءات التضخم الخاصة بشهر يوليو/تموز الماضي الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية إلى زيادة أسعار المستهلك بنسبة 0.55%، وبلوغ معدلات تضخم المستهلك السنوية نحو 15.85%. وتعكس هذه النسب بلوغ التضخم أعلى مستوياته منذ يناير/كانون الثاني من عام 2004.
وصرح نائب رئيس غرفة بائعي اللحوم في تركيا عثمان يرديمجي أنه منذ مطلع العام الجاري ارتفعت أسعار اللحوم البيضاء بواقع 200% في غضون 8 أشهر.
- 9% زيادة في أسعار البنزين والسولار
فرضت السلطات التركية ضريبة “استهلاك خاص” على أسعار المحروقات، أسفرت عن زيادة في أسعار البنزين والسولار بنحو 9%.
وكانت السلطات التركية قد ثبتت أسعار المحروقات قبل الانتخابات الرئاسية في 24 يونيو/حزيران الماضي.
وبعد التراجع الكبير الحاصل في الليرة التركية أمام العملات الأجنبية وبالتحديد الدولار الأمريكي الذي تخطى للمرة الأولى في تاريخه حاجز الـ7 ليرات تركية، فرضت السلطات التركية 10 قروش زيادة على أسعار السولار، لتصبح تركيا بذلك أغلى الدول حول العالم من حيث أسعار البنزين، مقارنة بمتوسط دخل المواطنين.
ومع زيادة ضريبة الاستهلاك الخاص على أسعار المحروقات، وصل سعر لتر البنزين في تركيا إلى 6.77 ليرة، ووصل سعر لتر السولار إلى 6.15 ليرة.
- تجار الجملة: لن نتحمل هذا الوضع أكثر من 3 أشهر
يتعرض التجار في تركيا لأزمة اقتصادية كبيرة، خاصة مع تراجع قيمة الليرة التركية أمام الدولار وما تبعها من تراجع للطلب وضعف حركة البيع والشراء.
وبدأ بعض التجار في أسواق الجملة للمواد الغذائية في عدد من المدن التركية بإغلاق محلاتهم، مع حالة الركود التي ضربت السوق، مؤكدين أنهم لن يتمكنوا من الصمود أكثر من 3 أشهر إذا استمر الوضع هكذا.
وقال أحد التجار يدعى كاظم بايرام تعليقا على تصريحات الحكومة حول عدم وجود أزمة اقتصادية: "إن لم تكن هناك أزمة، فلماذا وصلنا إلى هذا الوضع اليوم".
- القلق يسيطر على تجار النسيج
يبدى أصحاب شركات المنسوجات في منطقة مرتر التي تضم 10 آلاف محل بمدينة إسطنبول، التي تعد قلب قطاع المنسوجات في تركيا، والتي تصدر لعديد من دول العالم تخوفهم من استمرار تراجع قيمة الليرة أمام الدولار الأمريكي.
ويوضح أصحاب الأعمال في منطقة مرتر التي يدفع 90% منهم الإيجار بالدولار أنهم قد يواجهون خطر إغلاق المحلات في حال استمرار الحال على ما هو عليه، خاصة مع تراجع مبيعاتهم إلى النصف بعد أن بات المواطنون يخافون حتى من المرور من أمام المحلات بسبب ارتفاع الأسعار كثيرا، وفقا لتصريحات التجار.
ليست هناك طريقة حل سهلة بالنسبة لتركيا، حيث إن الاقتصاد التركي يعاني من مشكلات هيكلية خلال السنوات العشر الأخيرة، يمكن أن تجر قطاعات أخرى إلى الانهيار، خاصة وأنه أسهم على مدار سنوات في تشكيل قطاع من الشركات التي تفتقر إلى المناعة ضد الإفلاس بجانب خلقه مخاطر لقطاع البنوك وقطاع الإنشاء وقطاع العقارات.
aXA6IDMuMTM1LjIwMC4xMjEg
جزيرة ام اند امز