"بيلي لين".. عندما تكون الحرب غاية في حد ذاتها
فيلم Billy Lynn's Long Halftime Walk، قدم "أنج لي" تجربة تكنيكية جديدة في عالم السينما
مع فيلمه Billy Lynn's Long Halftime Walk، قدم "أنج لي" تجربة تكنيكية جديدة في عالم السينما، حيث صور فيلمه بتكنولوجيا (فور كيه)، التي قدم من خلالها 120 صورة في الدقيقة، وهو ما يعني وضوح صورة خارق (السينما 24 صورة الدقيقة)، وكان الرقم القياسي السابق باسم فيلم (The Hobbit)، والذي وصلت دقة ووضوح الصورة إلى 48 صورة في الدقيقة، هذا بجانب أن الفيلم عرض بخصية (3 دي).
لكن للأسف لم تتوفر دور العرض التي يمكنها عرض التقنية الجديدة، فلم يتم عرضه بالشكل الصحيح إلا في ثلاثة دور عرض في الولايات المتحدة الأمريكية، وتم عرضه بعد ذلك بتقنية (2 دي) العادية، فلم تستفد الشركة الموزعة (سوني) من فيلمها وتقنيته الجديدة.
المخرج الصيني "أنج لي" هو من عمالقة السينما اليوم في هوليود معبد السينما، سبق له الحصول على دب برلين الذهبي عدة مرات، وكذلك أسد فينيسيا الذهبي، هذا بالإضافة لجوائز الجولدن جلوب، بل إنه حصل على أكثر من أوسكار كأحسن مخرج، وحصلت أفلامه على جائزة الأوسكار كأحسن فيلم أجنبي.
ينقل (أنج لي) اليوم للشاشة رواية (بن فونتين)، التي يحمل الفيلم نفس عنوانها، والتي تم نشرها في عام 2012، وقام بكتابة السيناريو (جان كريستوف كاستيلي)، في أول تجربة للسيناريو له.
الفيلم يحكي عن القوات الأمريكية في العراق في عام 2005، حيث استطاعت كتيبة عراقية أن تصد هجوماً للمقامة العراقية، ويكون للجندي (بيلي لين) دور بطولي في تلك المعركة. يتم استدعاء الكتيبة إلي الولايات المتحدة، من أجل أن يشاركوا في احتفال كبير بهم يقام بين شوطي مباراة لكرة القدم الأمريكية لفريق ولاية تكساس.
يقدم الفيلم مونتاج مفتتاً لا يلبث أن يقلنا لجو المعركة في العراق، ويعود بنا إلى أمريكا (بيلي لين وسط عائلته ومع أخته)، لنعود إلى استاد كرة القدم الأمريكية في الحاضر، رحلة ذهاب وإياب بين الماضي والحاضر، قافزين فوق كل الحواجز للزمان والمكان. لنكتشف أن (بيلي لين) تطوع في الجيش الأمريكي لسبب تافه، مثله مثل العديد من الشباب الذي يعاني من مشاكل اقتصادية أو من مجرد مشاكل وجودية، ساعياً وراء جو المغامرة والإثارة المتخيلة عن ميدان المعركة.
تقتنع أخت بيلي أن جو الحرب قد أثر نفسياً على أخيها، وهي كانت من أكثر المعارضين للتدخل الأمريكي في العراق إبان حكم جورج بوش الابن. لذا فهي تحاول إقناعه بعرض نفسه على طبيب نفسي من أجل الخروج من الخدمة. يكتشف بيلي وأفراد الكتيبة بأنهم استدعوا للوطن من أجل استغلالهم كدعاية ترويجية لنموذج البطل الأمريكي، بل إن هناك محاولات لعمل فيلم سينمائي عن معركتهم مع المقاومة العراقية، يروج لها أحد منتجي هوليود.
وفي أحد لقاءات الكتيبة بمطعم الاستاد مع ابن أحد أثرياء تكساس العاملين في مجال النفط، يعلن الفيلم بكل فجاجة على لسانه بأن أمريكا (يتكلم عن نفسه وحقول أبيه) قد عثرت على الكثير من البترول الصخري، الذي سيجعلها تستغنى عن بترول العراق، مما سيعجل بعودتهم للوطن، لكن رئيس الكتيبة العسكرية التي أتت للاحتفاء بها يرد عليه، بما معناها نحن الجنود لا نعرف هراء السياسيين هذا، فحب الجندية والتفاني في أداء مهامنا هو متعنتنا الأساسية، وكأن القتل غاية في حد ذاته، وليس على الجندي أن يسأل لماذا هو خارج أراضيه. بل إن في إحدى الجمل الحوارية نسمع من يقول "نحن (الولايات المتحدة) أمة اعتادت أن تبحث عن ازدهارها خارج أراضيها"، وكأن تواجد جنودها على مر العصور، كان بغرض التبشير بالحرية، لكن فعلاً هناك من يقول هذا.
المهم الفيلم يستمر عبر شكل تعليمي، وكأنه أحد الافلام الدعائية الأمريكية في نهاية الخمسينيات، في تقديم الكثير من عوامل الجذب التي تمارس على الجندي (بيلي لين)، من أجل أن يترك حياة الجندية ويعود للحياة المدنية. فها هي فتاة ساحرة من فتيات التشجيع لفريق البيسبول ترتمي بين أحضانه بمجرد وقوع نظرها عليه عند دخوله للاستاد مع أقرانه، وتعلن حبها له، ومن وجهة أخرى تتصل أخته بمحلل نفسي، لكي يتقدم (بيلي لين) لعيادته بغرض الخضوع لجلسات تحليل نفسي، يمكنه عبرها أن يثبت اختلاله نفسياً نتيجة ما شهده في ميادين القتال، فيتم تسريحه من الجيش.
ولكنه يرفض كل هذا ويسعى للعودة لأرض المعارك، بل إن الفيلم يمعن في توضيح زيف تلك الحفاوة المبالغ فيه التي يقدمها المجتمع لجنوده الأبطال، وبيان سخرية الشباب منهم، واستغلال نائب الكونجرس لهم، ومحاولته القيام هو بإنتاج فيلم عن تجربتهم مقابل الفتات من النقود لهم. ومع ذلك يتمسك جندينا بالعودة للقتال في العراق، وكأنه أحد فرسان المائدة المستديرة في القرون الوسطى يسعى لإعادة الكأس المقدسة.
الفيلم في نهايته يجعل شبح الرقيب المقتول أثناء المعارك في العراق (يقوم بالدور فان ديزيل) يعود له ليكلمه عن حكمة اتساق الجندي مع نفسه، ونجد (بيلي لين) قبل بداية هذا المشهد تخيل السيارة الليموزين المخصصة لنقلهم خارج الاستاد، وكأنها السيارة العسكرية (هامر)، ليدخلها فيجد شبح رقيبه الراحل، مشهداً جديراً بملحميات شكسبير، وبالتحديد ظهور شبح الملك لهاملت في مسرحية هاملت الشهيرة. الفيلم في مجملة دعاية فجة للنزعة العسكرية، وتمجيد للحرب وكأنها مهنة محترفين، وليس وظيفة لحماية أم البلاد.