إسرائيل على حافة الانقسام.. «عفو» نتنياهو يشعل الشارع
أثار طلب العفو الذي تقدّم به رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، واحدة من أكثر الأزمات القانونية والسياسية حدة في تاريخ إسرائيل الحديث، وسط جدل داخلي متصاعد حول مستقبل سيادة القانون والديمقراطية في البلاد.
وجاء الطلب المدعوم علناً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليعيد نكء جروح الانقسام الداخلي، ويفجر سجالاً واسعاً بين خبراء القانون ومعارضي رئيس الوزراء، الذين يرون أن إسرائيل تقف اليوم عند مفترق طرق سياسي ودستوري غير مسبوق، بحسب صحيفة "التايمز" البريطانية.
ومنذ بداية محاكمته عام 2020 في 3 قضايا تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال، ظل نتنياهو مصرا على براءته، ويصوّر التحقيقات بأنها «مطاردة سياسية» هدفها إبعاده عن الحكم، لكن تقديمه طلب عفو للرئيس إسحاق هرتسوغ مثّل تحولاً جذرياً في استراتيجيته، خاصة وأنه يدرك أن خروجه من رئاسة الحكومة سيضعف موقفه القانوني ويعرّضه لاحتمال الإدانة.
المفاجأة الأبرز كانت تدخّل ترامب المباشر، الذي خاطب هرتسوغ داعياً إلى وقف المحاكمة، معتبراً الاتهامات مجرد «تفاصيل تافهة» لا تستحق الإطاحة برئيس وزراء حليف.
غير أن هذا الدعم الخارجي أثار غضب معارضي نتنياهو الذين رأوا فيه محاولة للتأثير على القضاء وتقويض مبدأ الفصل بين السلطات، معتبرين أن حملة العفو ليست سوى امتداد لمحاولة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل التي سبقت هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وما رافقها من احتجاجات وأزمات داخلية عميقة.
ورغم نجاته مراراً من فضائح سياسية وشخصية على مدى عقود، تبقى قضايا الفساد التي يحاكم بها حاليا هي الأخطر في مسيرته، لأنها تحمل احتمال السجن وإنهاء حياته السياسية.
ومع ذلك، يرى بعض القانونيين أن الخطر الحقيقي يتركّز في «القضية 1000» فقط، المتعلقة بتلقي الهدايا الفاخرة، والتي يعتبرها بعض الخبراء ملفاً ضعيفاً من الناحية الإجرائية.
ويذهب البروفيسور موشيه كوهين إليا، إلى حد القول إن «كثيرين على اليمين يريدون استمرار المحاكمة لأنها تكشف حجم تدخل الدولة العميقة ضد نتنياهو»، مقارناً القضية بما يحدث مع قادة يمينيين عالميين مثل ترامب وبولسونارو ومارين لوبان.
لكن حملة نتنياهو لنيل العفو تأتي في لحظة سياسية حرجة قبل الانتخابات العامة المقبلة، وفي خضم غضب شعبي متصاعد إثر وقف إطلاق النار، حيث يطالب الشارع الإسرائيلي بإجابات حول إخفاقات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ورغم دعوات المعارضة لاعتزاله السياسة في مقابل أي عفو محتمل، يؤكد نتنياهو أنه لن ينسحب، ويتمسك بالبقاء في السلطة.
وتشير تحليلات صحفية إسرائيلية إلى سيناريو «عفو مشروط»، قد يُلزم نتنياهو بالاعتراف بجزء من المسؤولية عن الإخفاق الأمني أو الموافقة على فتح تحقيق رسمي في الهجوم. لكن الرئيس هرتسوغ - وفق التقديرات - لن يقدم على خطوة تخالف توصيات وزارة العدل أو تفتح الباب أمام اتهامات بـ«إحياء الانقلاب القضائي».
ومع استمرار الاحتجاجات المناهضة لنتنياهو، يتبادل الطرفان الاتهامات حول أسباب الفشل الأمني. فالمعارضون يحملونه مسؤولية تضييع فرص تبادل الأسرى حفاظاً على موقعه السياسي، بينما يدّعي أنصاره أن حركة الاحتجاج هي التي «أضعفت إسرائيل» قبل الهجوم. وتصاعدت حدة التوتر بعدما نشر نتنياهو منشوراً اتهم فيه المؤسسة الأمنية بعدم إخطاره بالمعلومات الحساسة، قبل أن يحذفه لاحقاً.
ويجمع مراقبون على أن قرار العفو المرتقب سيكون سياسياً بقدر ما هو قانوني، وأن هرتسوغ يواجه ضغوطاً متعارضة من الشارع، والولايات المتحدة، والكتل اليمينية الداعمة لرئيس الوزراء.
بيد أن جذور الأزمة أعمق بكثير من أن تُحل بقرار رئاسي، إذ يتوقع كثيرون أن تزداد حدة الانقسام بين اليمين واليسار، خصوصاً في ظل الجدل حول مستقبل الدولة الفلسطينية ومصير الحرب على غزة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU4IA== جزيرة ام اند امز