الفحم الحيوي «كنز» بقايا المحاصيل.. فوائده للزراعة والمناخ
يصنع الفحم الحيوي "Biochar" من بقايا المحاصيل، ويمكنه سحب ثاني أكسيد الكربون الفائض على نطاق واسع وتسميد التربة.
علاوة على ذلك يستخدم الفحم الحيوي في إنتاج الأعلاف الغنية، ويتميز بتوفير مياه الري ويحقق الاستدامة.
ويمكن إنتاج الفحم الحيوي من تسخين المواد العضوية المهملة مثل بقايا المحاصيل أو ما يعرف بـ"التحلل الحراري"، ويُضاف للتربة ليجعلها أغنى وأكثر خصوبة.
وعلى ذلك يعد الفحم الحيوي أحد حلول الاستدامة في الوقت الذي يحذر فيه علماء المناخ من أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
وبدأ استعماله بالصدفة من مئات السنين لأول مرة في أمريكا الجنوبيّة حين استعمله بعض سكّان الأمازون لزيادة خصوبة الأرض، ولقّب المستعمرون الأوروبيّون هذه الأرض بـ"الأرض الجميلة" أو "تيرا بريتا".
فوائد بالجملة
يستخدم الفحم الحيوي لرفع خصوبة التربة، وتحسين خصائصها الفيزيائية، وزيادة الإنتاج الزراعي، وحماية النباتات من بعض الأمراض الناجمة عن التربة.
ويعد مادة غنية بالكربون ويمكنه الصمود في التربة لآلاف السنين؛ ما يجعله وسيلة فعّالة لاحتجاز الكربون لعدة قرون، وبالتالي التخفيف من الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
ويقول الباحثون إنه من الناحية النظرية، إذا تم تحويل الكمية الإجمالية لمخلفات المحاصيل الناتجة عن الزراعة على مستوى العالم إلى فحم حيوي، فإنها ستعزل نحو مليار طن متري من الكربون المخزن سنويا.
وسيظل ثلاثة أرباع هذا الكربون معزولا بعد 100 عام، وهو ما يمثل ما يكفي لتعويض حوالي 80٪ من جميع انبعاثات غازات الدفيئة من الزراعة.
ميزة اقتصادية للتربة الرملية
توصلت دراسة حديثة أجرتها جامعة رايس بولاية تكساس الأمريكية إلى أن إضافة الفحم الحيوي إلى التربة الرملية بشكل مكثف يوفّر على المزارعين ما قد تصل نسبته إلى 50% من المياه التي يستخدمونها حالياً لري محاصيلهم، وهو ما يمثل ميزة اقتصادية للفحم الحيوي تضاف إلى فوائده البيئية المثبتة.
وبقيادة عالمة الكيمياء الجيولوجية الحيوية كارولين مازيلو وعالم الاقتصاد كيثنيث ميدلوك، استطاع فريق من الباحثين وضع نموذج يضم مجموعة من الصيغ الرياضية، لمساعدة المزارعين على تقدير وفورات المياه الناتجة عن زيادة قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء عند إضافة الفحم الحيوي إليها.
وتوصلت الدراسة إلى أن زيادة معدل إضافة الفحم الحيوي إلى التربة التي تحتوي نسبة عالية من الرمل تؤدي إلى ارتفاع قدرتها على الاحتفاظ بالماء.
كما وجدت أن استخدام الفحم الحيوي ذي الحبيبات كبيرة الحجم -والناتج عن مادة أولية عشبية- يحقق مستويات أعلى من احتفاظ التربة بالماء، مقارنة بذلك الناتج عن الأخشاب والقش وقشور الثمار.
والأهم أن الفحم الحيوي له القدرة على إزالة 6% من الانبعاثات العالمية الكبيرة، وهذا يعادل التلوث المناخي الناجم عن أكثر من 800 محطة لتوليد الطاقة بالفحم، أو ما يقرب من ثلاثة أضعاف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن صناعة الطيران.
طريقة سهلة لصنع الفحم الحيوي
هناك طريقة بسيطة لإنتاج الفحم الحيوي على النحو التالي:
المكان: مكان مفتوح لا توجد أعشاب ضارة حولها ولا مواد قابلة للاحتراق.
الأدوات: المجارف، والدلاء/الثقوب، ومشعلات الحريق، وحاويات التخزين، وطفايات المياه/الحريق، ومعدات السلامة الواقية، وما إلى ذلك.
الطقس: لا أمطار ولا رياح قوية.
متطلبات المواد الخام: رطوبة الكتلة الحيوية أقل من 20%.
الطريقة:
- حفر خندق مدبب في الفضاء المفتوح، يتم تحديد حجمه حسب حجم وكمية المواد الخام، كما يمكنك استخدام برميل معدني أسطواني أو فرن معدني بدلاً من ذلك.
- ضع معدات السلامة حولك. تأكد من حصولك عليها عندما تحتاج إليها.
- قم بتغذية الكتلة الحيوية في الحفر أو الحاويات، وضع بعض المواد القابلة للاشتعال في الأعلى.
- استخدم ولاعة لإشعال النار.
الاستخدام:
بمجرد تحويل كل الكتلة الحيوية إلى الفحم الحيوي عن طريق الاحتراق اللاهوائي، يتم ري الفحم الحيوي، وهذا يمكن أن يضمن أن الفحم الحيوي لن يشتعل تلقائيًا بسبب ارتفاع درجة الحرارة والأكسجين.
ويتم تحويل فحم الكتلة الحيوية إلى حبيبات أو مساحيق في بعض الطرق.
ويمكن استخدام المعدات التي تصنع الفحم الحيوي إما على نطاق صغير – في مزرعة فردية، على سبيل المثال – أو في منشآت أكبر تجمع النفايات من مصادر متعددة، للحصول على أقل بصمة كربونية، ومن المنطقي أن يكون لديك موقع قريب من مصدر النفايات العضوية وبالقرب من الأماكن التي سيتم فيها استخدام الفحم الحيوي لاحقًا.
الفحم الحيوي عالميا
وفقا لدراسة حديثة لجامعة كورنيل الأمريكية نشرتها مجلة "GCB Bioenergy" تكشف الخرائط الجديدة، المستندة إلى مجموعة بيانات عالمية عالية الدقة هي الأولى من نوعها لبقايا المحاصيل، عن المناطق التي يمكن فيها استخدام المخلفات بشكل مستدام لإنتاج الفحم الحيوي.
ووجد البحث أن 12 دولة لديها القدرة التقنية على عزل أكثر من 20٪ من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة الحالية عن طريق تحويل بقايا المحاصيل إلى فحم حيوي.
ويأتي على رأس قائمة تلك الدول بوتان (مملكة بوتان غير الساحلية في جنوب آسيا، على الطرف الشرقي من جبال الهيمالايا) التي تقود الطريق مع إمكانية عزل 68 ٪ من انبعاثاتها في شكل الفحم الحيوي، تليها الهند تلي بوتان بنسبة 53 ٪.
وفي الولايات المتحدة وحدها، هناك إمكانية لإنتاج ما يكفي من الفحم الحيوي لعزل ما يقرب من 400 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
يقول دومينيك وولف الباحث بكلية علوم النبات التكاملية قسم علوم التربة والمحاصيل في كلية الزراعة وعلوم الحياة: "نحن ندخل حقبة غير مسبوقة لن يكون فيها حتى الانخفاض السريع والعميق في استخدام الوقود الأحفوري كافيا لتجنب الأضرار الشديدة لكل من البشر والنظم الإيكولوجية من تغير المناخ".
معوقات إنتاج الفحم الحيوي
وكانت التكلفة عائقا في الماضي. لكن بسبب القدرة على بيع أرصدة الكربون الآن، فإن هذا يتغير، "لقد كانت الصناعة موجودة منذ عقد من الزمان على الأقل دون أي وسيلة للحصول على مكافأة مالية".
يقول يوشيا هانت، الرئيس التنفيذي لشركة باسيفيك بيوشار، وهي شركة تصنع الفحم الحيوي من مصادر مثل الخشب الذي يتم تطهيره من الغابات لمنع الحرائق: "بالنسبة لكل الكربون الذي تمت إزالته، لم نتمكن من الحصول على سنت واحد مقابل ذلك"
ويتابع "منذ عام 2020، كان هناك تغيير عميق في صناعة الفحم الحيوي مما يسمح للشركات ليس فقط بالبقاء بل بالازدهار".
كما أن تسويق صناعة الفحم الحيوي لتصبح عمليّة عالميّة أمر مثير للجدل لأنه قد يُشجّع الحطابين على استعمال حطب الأشجار بدل الأغصان فقط لصناعة الفحم الحيوي ممّا يخفّف الغطاء الأخضر على الكوكب.