بلاستيك حيوي من كائنات دقيقة.. "مقابلة"
تُستخدم المواد البلاستيكية على نطاق واسع في الحياة اليومية، لخفة وزنه ومتانته ومميزات أخرى كثيرة.
لكن في المقابل؛ فإنه يلوث البيئة، ويستهلك مواد بترولية كثيرة في تصنيعه، ويصعب تحلله لآلاف السنين، ويقتل الكائنات البحرية، وتدمر نفاياته الموائل، ما جعل العلماء يبحثون عن مواد أخرى أكثر قابلية للتحلل وصديقة للبيئة، وأغلبهم توّجه لما نسميه بالبلاستيك الحيوي، الذي تنوعت مصادر إنتاجه، ومن ضمن المقترحات التي وجد العلماء فيها أملًا، الكائنات الدقيقة، كالبكتيريا والطحالب الدقيقة.
وكشف الدكتور «سامح سمير»، أستاذ مساعد في قسم النبات، شعبة علم الأحياء الدقيقة في جامعة طنطا، ومُحاضر وباحث في جامعة جيانغسو تشنجيانغ في الصين؛ في حوار لـ"العين الإخبارية" كيفية توظيف الكائنات الدقيقة في صناعة البلاستيك الحيوي، وغيرها من النتائج العلمية في هذا القطاع الحيوي.
إليكم نص الحوار..
ما الذي يميز البلاستيك الحيوي المستخرج من الطحالب الدقيقة والبكتيريا الزرقاء؟
حسنًا، أكدت أبحاثنا أنه يمكننا زراعة الطحالب الدقيقة في أنواع مختلفة من مياه الصرف الصحي، كما أنّ لديها قدرة عالية على إزالة الملوثات من النفايات السائلة للصناعات والمناطق الحضرية، وكذلك يمكننا استغلال تلك الكتلة الحيوية الناتجة من الطحالب الدقيقة في إنتاج مواد مختلفة مثل البلاستيك الحيوى، وقد أكدنا هذا في بحثنا المنشور في دورية «إنفيرونمنتل ساينس آند إيكوتكنولوجي» (Environmental Science and Ecotechnology).
يُوفر البلاستيك الحيوي بديلًا تجاريًا مجديًا للمنتجات البترولية، كما أنه صديق للبيئة، وتتمثل طريقة تصنيعه حيويًا من الطحالب الدقيقة في تنمية تلك الطحالب في مزارع خاصة، ثم جمعها وتجفيفها ومعالجتها؛ لتكوين بوليمر حيوي سائل، بعد ذلك يمكن استخدامه في صناعة المنتجات المختلفة؛ حتى أنه يمكن استخدامه في الطباعة ثلاثية الأبعاد للبوليمر.
من جانب آخر؛ فالبلاستيك الحيوي قابل للتحلل، ما يجعله آمنًا على البيئة، ولا يتسبب في ظهور أي نفايات خطيرة، بل إنّ تحلله يحدث بصورة تلقائية، ولا يحتاج إلى إعادة تدوير. كما أنه يساعد في زيادة درجة خصوبة التربة وتسميدها، بجانب أنّ صنعه من مواد عضوية يجعله غير ضار على المياه الجوفية. وهو مصنوع من مواد عضوية متجددة، ما يساعدنا على التغلب على مشاكل الطاقة ونقص المواد البترولية؛ فمعظم أنواع البلاستيك مصنوعة من هذه المواد، وكان لا بد من إيجاد بديل مناسب مثل البلاستيك الحيوي.
هل تم استخدام البوليمر الحيوي من الكائنات الدقيقة على أرض الواقع أم ما زال قيد التجارب؟
في الوقت الحالي، يمثل البلاستيك الحيوي 1% فقط من إنتاج البلاستيك العالمي. لكن اهتمت عدة شركات عالمية بتصنيع البلاستيك الحيوي منها: بيوتك، باير، نوفا صونت، باسف وشركة كاربوكيمكال". كما اهتم عدد من العلماء ومراكز البحوث بتطوير هذا النوع من البلاستيك كمعهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" الذي استطاع إنتاج إنزيمات خاصة لتصنيع أحد أشهر أنواع البلاستيك القابل للتحلل وهو "بولى هيدروكسى بيوتيرات". تظهر البيانات أن الاستثمار في تصنيع البلاستيك الحيوي بلغ 500 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022؛ متجاوزًا الارتفاع السابق البالغ 350 مليون دولار في الربع الأخير من عام 2021. وتأتي الأموال من كل من الشركات وأصحاب رؤوس الأموال.
من جانب آخر، تقدر شركة Zion Market Research أن سوق البلاستيك الحيوي، سترتفع من 10.5 مليار دولار في عام 2021 إلى حوالي 29 مليار دولار في عام 2028. وتركز شركة Danimer Scientific، على صناعة البلاستيك الحيوي من خلال التوسع الأخير لمصنعها في جورجيا؛ لإنتاج البولي هيدروكسي ألكانوات، باستخدام الكائنات الحية الدقيقة التي تتخمر بزيت الكانولا لينتج كريات بلاستيكية يمكن للمصنعين استخدامها لقولبة المنتجات بالطريقة نفسها التي يستخدمون بها البلاستيك البتروكيماوي.
وعلى أرض الواقع أيضًا، يُستخدم البلاستيك الحيوي كبديل للبلاستيك العادي في سلاسل مثل ستاربكس، وDunkin 'Donuts وأماكن أخرى كبيرة، مثل Sofi Stadium في كاليفورنيا. أيضًا هناك عدة شركات بمصر في الوقت الراهن اهتمت بتصنيع وتطبيق هذا النوع من البلاستيك مثل شركة الأهرام أصبحت أول شركة في مصر والدول العربية تنتج البلاستيك الحيوي.
ما هي التحديات التي تواجه صناعة البلاستيك من البوليمر الحيوي المستخرج من الكائنات الدقيقة؟
من الصعب السيطرة على ظروف الزراعة للكائنات الدقيقة نسبيًا على المستوى الصناعي، وكذلك انخفاض كثافة الخلايا وإنتاجيتها لبعض الكائنات، كما أنّ عمليات التنظيف لبعض المفاعلات معقدة نسبيًا. وعلى المستوى الصناعي؛ فإنّ صيانة الأنظمة المعقدة للزراعة مكلفة بعض الشيء، ومن الصعب توسيع نطاقها. ومن ناحية أخرى، تعد بعض أنواع البلاستيك الحيوي مصدرًا لإنتاج غاز الميثان الذي قد يؤثر سلبًا على طبقة الأوزون عن طريق زيادة غازات الاحتباس الحرارى.
هل هناك أي مخاطر من هذا النوع من البوليمرات؟
تكلفة تصنيع البلاستيك الحيوي مرتفعة، لكنها تتغير مع قيام المزيد من الشركات بإنتاجها. ليست كل المواد البلاستيكية الحيوية قابلة لإعادة التدوير أو قابلة للتحلل. وأيضًا يجب التخلص الآمن من بعض الأنواع المنتجة من البلاستيك الحيوي بشكل آمن؛ كي لا تنتج غازات دفيئة تسبب زيادة في الاحتباس الحراري.
سؤال خيالي: كيف ترى الأرض إذا استمر البشر في استخدام البلاستيك المصنع من البوليمرات العادية؟
بحسب الدراسات العلمية؛ بحلول 2050، سيصبح وزن البلاستيك في المحيط أكبر من وزن الأسماك الموجودة فيه، وهذه كارثة بيئية، وهذا ما أثبتته دراستنا المنشورة في دورية «ساينس أوف ذا توتال إنفيرونمنت» (Science of The Total Environment)؛ إذ يُنتج البشر كميات كبيرة من البلاستيك سنويًا.
ولا يهتم كثير من الناس بأنّ هذا البلاستيك، يسد المصارف، وينتشر في الحدائق والمحميات والجبال والبحار والمحيطات، ويتوقع العلماء أن ما يقرب من ثمانية ملايين طن من البلاستيك تدخل إلى أنظمة المياه لدينا كل عام، وتتراكم في مجملها إلى رقم فلكي يبلغ 51 تريليون جسيم حاليًا.
علاوة على ذلك، هناك بعض الأنواع من البلاستيك السامة، وقد يتسبب تراكمها في دمار الكائنات الحية، بما فيها البشر والحيوانات والنباتات. وقد تؤثر هذه السموم على صحة الإنسان، وتعمل أيضًا كمغناطيس لجذب الملوثات الأخرى التي قد تحمل آثارًا جانبية أكثر خطورة. من الممكن أيضًا أن يقلل التلوث البلاستيكي من جودة الهواء الذي نتنفسه كل يوم.
حتى عند التخلص من البلاستيك، قد تتسرب جزيئاته الدقيقة في نظام الصرف الصحي لدينا ثم تنتشر في البحر. ومع ذلك؛ فإن نسبة كبيرة من الجسيمات، تنتهي بها المطاف بالوقوع في نظام الصرف الصحي الذي يُعاد استخدامه بعد ذلك لتخصيب مزارعنا وحقولنا. بعد التجفيف، يمكن أن تلتقط الرياح هذه الجسيمات وتنتشر في جميع أنحاء نظام الهواء بالكامل.
بالنسبة لمجتمع الحيوانات؛ فإن البلاستيك ليس أقل من نذير الموت. من خلال أكل البلاستيك أو التشابك معه، تجد المملكة الحيوانية نفسها في خطر شديد. في الواقع، ربط العلماء الآن بين ارتفاع معدل البلاستيك مع ارتفاع مماثل في معدل انقراض الأنواع.
ولا تتحلل المواد البلاستيكية بيولوجيًا، لذلك بمجرد إدخالها في نظام الحيوان، ستبقى هناك إلى الأبد. لذلك؛ فإن استهلاك هذه المواد البلاستيكية يتسبب في سوء التغذية وانسداد الجهاز الهضمي والتسمم البطيء؛ بسبب زيادة سمية البلاستيك. والأمر المقلق هو أن الأبحاث تشير إلى أنه مع استمرار ضخ المواد البلاستيكية في النظام البيئي للمحيطات؛ فإنها تتداخل مع الطحالب المنتجة للكبريت. تربط بعض الطيور البحرية والأسماك بهذا الكبريت بأوقات التغذية، وبالتالي تجد هذه الحيوانات نفسها تبحث عن عمد عن هذا البلاستيك الخطير كجزء من غريزة التغذية.
وحاليًا، تلعب تلك المواد البلاستيكية، دورًا كبيرًا في تدمير بيئتنا، لكن مع استمرار انتشار البلاستيك، تزداد استخدامنا للوقود الأحفوري، والذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتسارع تغير المناخ.
في النهاية، يتوقع الجيولوجيون أن هذه الطبقات المتزايدة من البلاستيك ستشكل خطًا ملحوظًا في التكوينات الصخرية الرسوبية. عندما يحدث هذا، يناقش العلماء إعلان نهاية عصر الهولوسين الحالي لدينا وبدلاً من ذلك الدخول في الأنثروبوسين، أو "عصر البشر".
aXA6IDMuMTI5LjY5LjEzNCA= جزيرة ام اند امز