بشارات وكرامات.. سر اهتمام المصريين بمولد إبراهيم الدسوقي (خاص)
تحتفل الطرق الصوفية في مصر، هذا الأسبوع، بمولد الشيخ الصوفي إبراهيم الدسوقي، مؤسس الطريقة الدسوقية.
السيد الدسوقي، هو إمام صوفي سني مصري، يعده الصوفية آخر أقطاب الولاية الأربعة.
أما عن اسمه فهو إبراهيم بن عبدالعزيز أبو المجد، الذي يتصل نسبه للإمام الحسين رضي الله عنه، وقد لقب نفسه بالدسوقي، نسبة إلى مدينة دسوق بدلتا مصر، وهي المدينة التي ولد فيها عام 653هـ وعاش بها حتى لقي ربه عام 696هـ.
لكن أتباع الدسوقي سموه بألقاب عديدة من بينها: برهان الدين، وأبا العينين، لجمعه بين علوم الشريعة والحقيقة.
بشريات الميلاد
تنقل كتب الصوفية أن هناك وليًا اسمه محمد بن هارون، كان على صلة بوالد الدسوقي، وكان كلما رآه وقف له وكرمه، فلما سأله الناس عن ذلك قال: "إن في ظهره وليًّا يبلغ صيته المشرق والمغرب"، وبعد ذلك لم يعد يقوم عندما يراه، فسألوه، فقال: "إن القيام لم يكن لشخص أبي المجد بل لبحر في ظهره، وقد انتقل إلى زوجته"، في إشارة لحمل زوجته بالسيد إبراهيم.
مع ولادة الدسوقي، تحرك ابن هارون لمنزل أبي المجد، وكانوا في يوم الشك في هلال رمضان، فسأل ابن هارون أم الدسوقي إذا كان رضع في هذا اليوم، فقالت إنه منذ الفجر لم يرضع، فقال لها: إنه سيرضع بعد أذان المغرب، في إشارة إلى أن الدسوقي صام في أول أيام ميلاده، ولذلك أمر ابن هارون أهل البلدة بالصوم.
نقطة جمع الأولياء
كان جد السيد إبراهيم لوالدته هو أبو الفتح الواسطي خليفة الطريقة الرفاعية بمصر، ولذلك فقد تربى على التصوف منذ صغره، وخصوصًا أن خاله (شقيق والدته من جهة الأم) السيد أبو الحسن الشاذلي قد أولاه برعاية كبيرة.
وكان بين الدسوقي والسيد أحمد البدوي علاقة قوية، تجلت في رسالة البدوي للدسوقي والتي قال فيها: "أما سمعت وعلمت أننا أخذنا العهود والمواثيق على بعضنا؟، أما سمعت وعلمت أن الله حرّم خيرا الدنيا والآخرة على من يفرق بيننا؟، أما سمعت وعلمت أن الله لعن من يقول هذا على طريقة وهذا على طريقة؟، أما تعلم أن الله لعن من يقول هذا له مجلس ذِكر؛ وهذا ليس له مجلس ذِكر؟، أما تعلم أن الله تعالى فتح على من لم يفرق بيننا؟ ".
علو نجمه
انتشرت طريقة إبراهيم الدسوقي في مصر والعديد من البلدان، ونتيجة تفرده بعلمه على علماء عصره، فقد أصدر السلطان الظاهر بيبرس البندقداري قرارًا بتعيينه شيخًا للإسلام لدولة المماليك، وهو منصب يعدل منصب المفتي الأكبر حاليًا، وقد ظل في هذا المنصب، واستقال منه بعد وفاة الظاهر بيبرس، ليعود الدسوقي ليستكمل تعليم تلاميذه.
لكن رغم بعده عن السياسة والمناصب العامة، فقد وقع صدام بينه وبين السلطان خليل بن قلاوون، بسبب أن السلطان فرض ضرائب غير مبررة على المصريين، فبعث إليه الدسوقي رسالة ينصحه فيها ويطلب منه أن يرحم الناس، فنتيجة ذلك حاول السلطان أن يقتله ويسمه أكثر من مرة.
وفي النهاية بعد فشل كل المحاولات ذهب السلطان بنفسه للدسوقى، والتقى الدسوقي واعتذر إليه، فبشره بالنصر على الصليبيين في معركة عكا، وقد حدث.
مؤلفاته العلمية
لم يترك الدسوقي الكثير من المؤلفات، وذلك بسبب انشغاله بمريديه وتلاميذه.
ومن أشهر مؤلفاته كتاب الجوهرة، وهو الكتاب الوحيد المنسوب للدسوقي الذي طبع، ويعتبر المرجع الرئيسي لطريقته، وكتاب الرسالة، وفيه قواعد لمن يريد أن يسلك طريق الفقر والزهد، ولم يطبع، وكتاب برهان الحقائق، ويجمع الكتاب بين ذكر حقائق طريقته وحقائق المعارف.
كرامة قبل الوفاة
تقول الروايات الصوفية، إن الدسوقي لما شعر بدنو أجله، أرسل إلى أخيه السيد موسى أبى العمران، الذي كان في القاهرة، فأمره أن يبلغه السلام، ويسأله أن يطهر باطنه قبل ظاهره.
وذهب الرسول إلى السيد موسى أبى العمران، ودخل عليه المسجد وهو يقرأ على طلابه كتاب الطهارة، فأخبره برسالة أخيه، فلما سمعها، طوى الكتاب وسافر إلى دسوق.
فلما وصل وجد أخاه تُوفي وهو ساجد، وكان ذلك عام 696هـ، أي أن الدسوقي انتقل إلى الرفيق الأعلى وعمره 43 عاماً فقط.
دفن الدسوقي بمدينة دسوق، وأقام أهل المدينة بعد ذلك على ضريحه زاوية صغيرة، وتوسعت شيئاً فشيئاً فتحولت الزاوية إلى مسجد من أكبر مساجد مصر، والذي يُعرف حالياً بمسجد سيدي إبراهيم الدسوقي أو اختصاراً المسجد الإبراهيمي.
ويُقام له في مدينة دسوق احتفالان سنوياً، أحدهما في شهر أبريل/ نيسان يُسمى بالمولد الرجبي، والثاني في أكتوبر وهو الاحتفال بمولده الذي يُعد من أكبر الاحتفالات الدينية في مصر، حيث يزور مسجده الكائن بقلب المدينة أكثر من مليون زائر في المتوسط خلال أسبوع من داخل مصر وخارجها.
مكانة القطب الدسوقي وطريقته كانتا من الأسباب المهمة لتصبح دسوق عضوة في منظمة العواصم والمدن الإسلامية.
الدسوقي.. الإمام المجدد
من جانبه يرى الدكتور عبدالحليم العزمي، الأمين العام للاتحاد العالمي للطرق الصوفية ومؤلف موسوعة "سيرة أهل البيت"، أن السيد إبراهيم الدسوقي هو الإمام المجدد السادس في التاريخ الإسلامي.
ويوضح العزمي، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: إنَّ اللَّهَ يبعَثُ لِهذِه الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سَنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها"، وكان إبراهيم الدسوقي هو مجدد القرن السابع، وقد أثرى المعارف الإسلامية بعلوم جمة، وكان له دور كبير في الأحداث في عصره، ومن بينها مناصرة الظاهر بيبرس في محاربة التتار والصليبيين، بحسب قوله.
ويؤكد العزمي أن الدسوقي كان أكثر علماء عصره علمًا وتمكنا، ولم يجاريه أحد في علوم الشريعة والحقيقية والطريقة في عصره، لذلك فهو من العلماء الأجلاء الذين يجب على المسلمين اتخاذهم قدوة، وما احتفال الطرق الصوفية سنويًا بمولده إلا لتقديمه قدوة لعلماء الأمة ومفكريها، وتذكير الأمة بتاريخه الناصع.
aXA6IDMuMTQ0LjE3LjE4MSA= جزيرة ام اند امز