لا يخلو بولتون من نقاط ضعف، منها أنه سبق له الحديث نيابة عن جماعة «مجاهدين خلق» الإيرانية المعارضة
خلال غالبية الفترات الانتقالية الرئاسية، يكون بمقدور المرء توقع من سيتولى منصبًا معينًا من خلال تحديد الشخص الذي يأبى الحديث عنه أمام الصحافة. وبناءً على هذا المنطق، نجد أن جون بولتون يبدو المرشح الأبرز لمنصب وزير الخارجية.
ورغم ذلك، لا يخلو بولتون من نقاط ضعف، منها أنه سبق له الحديث نيابة عن جماعة «مجاهدين خلق» الإيرانية المعارضة التي كانت الولايات المتحدة تصنفها تنظيمًا إرهابيًا حتى عام 2012. إلا أنه تنبغي الإشارة هنا إلى أن بولتون ليس متفردًا بهذا الأمر، فقد سبق أن تلقى ديمقراطيون بينهم هوارد دين وإد رينديل، أموالاً من أنصار التنظيم داخل الولايات المتحدة. وكذلك الحال أيضًا مع رود غيلياني.
ومع ذلك، فإن فوز «مجاهدين خلق» بموطئ قدم لها داخل البيت الأبيض تحت قيادة دونالد ترامب سيزيد من تعقيد الجهود الأميركية للتقارب مع إيران (حال ما أبدى ترامب من الأساس اهتمامًا بالمضي فيها)، علاوة على تعقيد جهود التقارب من المعارضة الديمقراطية الإيرانية التي تنظر إلى «مجاهدين خلق» كاستبداديين بانتظار الفرصة للسيطرة على الحكم.
منذ رحيله عن إدارة جورج دبليو. بوش، ارتبط بولتون بعلاقات وثيقة على نحو مفرط مع عناصر من حركة مناهضة الشريعة. على سبيل المثال، كتب بولتون تقديمًا لكتاب نشرته باميلا غيلير عام 2010 بعنوان «رئاسة ما بعد أميركا». وقد دارت الفكرة الرئيسية للكتاب حول أن باراك أوباما يكن بداخله قدرًا بالغًا من الازدراء للبلاد التي انتخبته مرتين لمنصب الرئيس.
وكان من شأن مثل هذه المواقف اكتساب بولتون مزيدًا من الأعداء. مثلاً، تعهد السيناتور الجمهوري راند بول، الشهر الماضي، بأنه لن يؤيد تعيين بولتون وزيرًا للخارجية. وبالتأكيد هذا الموقف ليس بالأمر الهين، ذلك أنه حال فوز الجمهوريين في السباق الانتخابي في لويزيانا هذا الأسبوع، فإن ذلك سيمنح الجمهوريين 52 صوتًا داخل مجلس الشيوخ مقابل 48 للديمقراطيين. وبذلك فإن الأقلية ستكون بحاجة لصوتين رافضين فقط لتقويض تعيين بولتون وزيرًا للخارجية.
وقد سبق أن حدث مثل هذا الأمر من قبل، ففي عام 2005 وقف الديمقراطيون في وجه تعيين بولتون سفيرًا لدى الأمم المتحدة، عندما رفض السيناتور جورج فينوفيتش، الجمهوري المتقاعد حاليًا من الكونغرس، ترشيح بولتون للمنصب. ومع ذلك، جرى تعيين بولتون بالفعل في المنصب خلال العطلة البرلمانية، لكنه استقال من منصبه نهاية الأمر نهاية عام 2006 بعد فوز الديمقراطيين بالهيمنة على الكونغرس خلال انتخابات التجديد النصفي.
ورغم كل ما سبق، تبقى ثمة أسباب وجيهة تدعو للاعتقاد بأن بولتون سيمثل اختيارًا جيدًا لمنصب وزير الخارجية في إدارة ترامب، أولها أنه على خلاف الحال مع المرشحين الآخرين للمنصب، يتمتع بولتون بخبرة كبيرة داخل وزارة الخارجية. ومن المتوقع أن ترامب سيواجه مقاومة من جانب وزارة الخارجية والبيروقراطية الدبلوماسية لسياساته الخارجية، مما يزيد من أهمية بولتون باعتباره شخصًا يملك معرفة جيدة بدهاليز وزارة الخارجية وكيفية السباحة عبرها.
جدير بالذكر أن بولتون رغم سمعته غير الدبلوماسية، كان دبلوماسيًا ناجحًا. فهو الذي تمكن من إلغاء القرار رقم 3379 الذي صنف الصهيونية باعتبارها واحدة من صور العنصرية.
وخلال الفترة الأولى لرئاسة جورج دبليو. بوش، عندما عمل بولتون وكيلاً لوزارة الخارجية لشؤون السيطرة على الأسلحة والأمن الدولي، نجح في تحقيق ثلاثة إنجازات بارزة. أولاً: تفاوض بولتون حول الانسحاب الأميركي من معاهد حظر الصواريخ الباليستية المضادة للصواريخ، التي فرضت قيودًا على تطوير واشنطن لمنظومات دفاع صاروخية. ونجح بولتون في الانسحاب دون وقوع أي تداعيات فورية على العلاقات الأميركية - الروسية، التي لم تبدأ في التدهور سوى في الفترة الرئاسية الثانية لبوش.
ثانيًا: اضطلع بولتون بدور محوري في إجراء الجولة الأولى من الجهود الدبلوماسية الرامية لتحصين الجنود الأميركيين ضد المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ثالثًا وأخيرًا: يعتبر بولتون العقل المدبر وراء الإجراءات التي تتبعها الدول الحليفة للولايات المتحدة للتصدي للسفن التي يشتبه في نقلها أسلحة دمار شامل. وتعرف هذه الترتيبات باسم «المبادرة الأمنية لمكافحة الانتشار»، التي لا تزال قائمة ليومنا هذا.
* نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة