الليبية نجوى بنت شتوان: البحث عن هوية للرواية العربية وهم وعبث
الليبية نجوى بنت شتوان تفسر عدم انتشار الأدب الليبي بتخاذل المؤسسة الثقافية لسنوات طويلة عن دورها في الترويج للأدباء الليبيين
تقول الروائية والكاتبة الليبية نجوى بن شتوان إن الكاتب مثل مرشد سياحي لمدينة مجهولة لا يمكن تصميم خارطة دقيقة لها، وعليه أن يكتشف كل تفاصيلها بنفسه ويعرف مداخلها ومخارجها دون أن يدله أحد، لأن المبدع يخترع دروبه وحكاياتها حتى لا يشعر من يرشدهم بالملل أو التعب.
وتؤكد الروائية الليبية البارزة في حوارها مع "العين الإخبارية" أن الحياة في عالمنا العربي ليست إلا "تابو" كبير لكثرة الممنوع فيها بالعلن والمتداول بالسر.
وتشير إلى أن الأسباب كثيرة وراء عدم انتشار الأدب الليبي؛ منها العزلة التي فرضت على ليبيا لعقود طويلة، وتخاذل المؤسسة الثقافية عن دورها في الترويج للأدباء والكتاب الليبيين، وتقاعس الأدباء والكتاب أنفسهم عن خوض المشاركات الخارجية.
وبن شتوان التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" عام 2017، حاصلة على ماجستير في التربية وهي مساعد محاضر في جامعة قاريونس.
تقيم في إيطاليا وتعد لشهادة الدكتوراة في جامعة روما، وتعد رواية "وبر الأحصنة" الصادرة عام 2005 هي أول أعمالها الروائية.
تهتم نجوى بتاريخ العبودية فى ليبيا، وكان هذا موضوع روايتها "زرايب العبيد" وصدر لها أيضا "مضمون برتقالي"، وفي مجال القصة "قصص ليست للرجال"، "طفل الواو" و"الملكة" و"الجدة صالحة" (مجموعة قصصية)، و"المعطف" (مسرحية). وفازت بكثير من الجوائز الأدبية.
وهنا نص الحوار...
لماذا قررت في روايتك "زرايب العبيد" التطرق إلى تابوهات اجتماعية وتاريخية جديدة على الرواية الليبية والعربية؟
لم أقصد أبداً اختراق أي تابو، لكن الحياة في عالمنا العربي تكاد تصبح هي نفسها تابو لكثرة الممنوع فيها بالعلن والمتداول بالسر، وأنا إذ فعلت ذلك بطريقة غير مقصودة أكون قد تكلمت عن الحياة لدينا وكم تتخذ شكلاً غريباً ومعقداً يجعل منها "تابو".
لماذا اخترت "زرايب العبيد" اسما لروايتك مع أنه اسم يرمز لأماكن الحيوانات؟
اسم "زرايب العبيد" هو لمكان حقيقي لم أذكر اسمه، إنما أطلقه عليه الناس وعاش قروناً طويلة ورسخ في الذاكرة الاجتماعية جيلاً بعد آخر حتى وصل إليّ، إنه لشدة انعدام شروط الحياة الإنسانية فيه يليق بالحيوانات وليس بالبشر، وهذا دليل على ما أحاط ساكنيه من بؤس وامتهان.
ما فعلته أنا هو أنني سمّيت الشيء باسمه ونفضت عنه التراب وأخرجته للحياة ليشاهده الآخرون من خلال الرواية وقدمته بالهوية التي وجدتها عليها.
هذه الرواية بلا شك تؤثر في نفسية القارئ, ألم ترهقك؟
بلى، أرهقتني وأتعبتني وهي أول عمل أبكي فيه رغم أنني صانعة شخصياته ومصممة مصائرها، كنت أسأل نفسي لماذا بكيت ومم؟ ولا أجد جواباً محدداً إلا لشعوري بحجم الآلام والمعاناة التي عاشها ساكنو الزرايب الحقيقيون الذين لم تبلغنا قصصهم، لأنهم عاشوا في الظل والهامش ورحلوا كما عاشوا دون أن يعلم بوجودهم أحد.
إن الصورة الحقيقية التي عثرت عليها لزرايب العبيد، وتعرفت منها لأول مرة على المكان، سببت لي الحزن كلما تأملتها وكلما تقمصت شخصيات من وجدوا فيها.
لماذا راهنت على التفاعل المباشر مع حركة المجتمع؟ هل هو اختيار أم طبيعة تكوين شخصي لديك؟
كتبي تحمل أساليب مختلفة، أعتقد أن ذلك مهم لتطوير تقنية الكتابة، فدون تجريب لن يحدث نمو، ليس مهماً فقط العثور على الفكرة في الكتابة بل أيضاً اكتشاف الأسلوب الذي تقال به ويناسبها، في كل كتابة أجرب والدليل أن الزرايب ولدت من تماس بيني وبين تاريخ ليبيا الاجتماعي.
الخيال كان له دور كبير في إنجاح روايتة "زرايب العبيد"، فإلى أي مدى اتكلت عليه؟
الجزء الأكبر من الرواية يقوم على المتخيل، أنا لا أستنسخ واقعاً بل أستنطق حوادث وأملأ الفراغات التي وجدتها في الصورة.
وقد استعملت ما هو حقيقي من العادات والتقاليد لتطعيم العمل بصفة الواقعية، هكذا أكون قد لعبت وتلاعبت بالحكاية حتى أوصلتها إلى ما أريد.
تداخلت الأزمنة في هذه الرواية, فكيف انتقلت من أزمنة بعيدة وقريبة دون دخول القارئ في متاهات؟
يبدو لي هنا أن الكاتب مثل مرشد سياحي لمدينة مجهولة لا يمكن تصميم خارطة دقيقة لها، عليه أن يكتشف كل تفاصيلها بنفسه ويعرف مداخلها ومخارجها دون أن يدله أحد، ويخترع دروبه فيها وحكاياتها لكيلا يشعر من يرشدهم بالملل أو التعب.
إلى أي مدى تتعايشين مع بطل روايتك، وهل تضفين عليه بعضا من صفاتك الشخصية أم تتركينه لتحديد مصيره بنفسه؟
شخصياتي في "زرايب العبيد" متعددة، ذكور وإناث، لكني رغم تعايشي معها لم أضفِ إليها شيئاً من صفاتي الشخصية، ما عدا إعطائها الاسم نفسه، نسبتها لي كجزء من عائلتي البيولوجية (بن شتوان) تحريراً لها من ربقة الرق وفقدان الهوية، وربما جاء ذلك رغبة مني في تحريرها إلى الأبد مع أن الاسم نفسه قيد.
صدر لك بعض الأعمال القصصية والروائية الأخرى.. حدثينا عنها.
أعمالي تجارب متنوعة في كتابة القصة القصيرة بأسلوب يناسبني، هناك روايتان هما "وبر الأحصنة" و"مضمون برتقالي"، وهما عملان مختلفان تماماً في التجريب، بالمجمل لم تحظَ أعمالي بالدراسة أو النقد الكافي، فالحياة الثقافية لدينا خاملة جداً ولا أحسب أنها تختلف كثيراً عن باقي أقطار العالم العربي.
هل الكتابة تمرد؟
بالنسبة لي أراها تحررا أكثر منها تمرداً، إنها أكثر شيء حر وجميل لأنه بلا قواعد ولا يحتكم إلا إلى الذائقة. لا أجد حيزاً أكثر بهاءً في هذا الكون من عالم الكتابة غير الخاضع.
كيف تقيمين نفسك ككاتبة وسط نظيراتك الليبيات؟ وهل ترين أن حضورك بأعمالك القصصية والروائية يضيف لك بصمتك الخاصة؟
هناك كتاب كثر في ليبيا من الجنسين، ولكل رتمه الخاص به، لكني أعتقد أني مثابرة وملتزمة بصرامة على مزاولة رياضتي المفضلة أكثر من سواي، كونها لا ترتبط بمصدر عيشي، وهي بهذا محررة من أي قيد وتجعلني متحررة من العمل بوظيفة كاتب، بصمتي الخاصة موجودة في أعمالي، من اعتاد قراءاتي يستطيع اكتشاف أي نص لي حتى وإن لم يوضع عليه اسمي. شخصيتي الساخرة المتهكمة بحزن واضحة للقارئ المبصر.
ما الأرضية التي تنطلقين منها عند البدء في الكتابة؟ وما الأكثر تأثيرا عليك؛ الكتابة أم النقد؟
أهتم كثيراً بخلق الأفكار وحياكتها أكثر من النقد، أتمشى طويلاً لأنتجها في خيالي، وخلال ذلك تتداعى الأفكار وتأتيني، لا أجلس للكتابة وأنا دون فكرة محددة، لكن نموها أو تطورها أتركه خلال عملية الكتابة نفسها، غالباً ما أبدأ بفكرة صغيرة تتطور تلقائياً أثناء كتابتي لها حتى تصل إلى الاستواء.
كيف تقيمين هاجس البحث عن هوية للرواية العربية أو التي يكتبها كُتاب عرب؟
وهم وعبث، الكتابة أوسع من هكذا محددات، وعلى الكتاب أن يتحرروا من التعقيد وخلق اختناقات يعشقون البقاء عندها.
أين الأدب الليبي من الحضور العربي والدولي؟ ألا تلاحظين أنه بعيد كل البعد عن الساحة العربية والحضور الثقافي؟
الأسباب كثيرة وراء عدم انتشار الأدب الليبي، منها العزلة التي فرضت على ليبيا عقودا طويلة، ومنها تخاذل المؤسسة الثقافية عن دورها في الترويج للأدباء والكتاب الليبيين، وتقليد الأمر لمن ليسو أهلاً له، وتقاعس الأدباء والكتاب أنفسهم عن خوض المشاركات الخارجية، هناك فرص كثيرة اليوم مع انتشار وسائل التواصل وانفتاحها لا يستفيد منها الأديب الليبي إلا في مواطن الدردشة.
بمن تأثرت في كتاباتك الأدبية المختلفة عربيا وعالميا؟
قرأت الكثير، أسماء معروفة وأخرى غير معروفة، أعتقد أنني لست من الأشخاص الذين يميلون إلى لون معين أو ذوق محدد في القراءة، لذلك أبحث عن الشيء الذي يفاجئني ككل.
في البداية استهواني الأدب الروسي وأحببت كل كتابه ثم اكتشفت أدب أمريكا اللاتينية، وما زال يشدني بوتيرة أكبر رغم أنني قد أحب قصة ولا أتذكر اسم كاتبها، بشكل عام في هذا الأدب يعجبني خيال ماركيز وواقعية غاليانو وهما الأكثر التصاقاً بي.
aXA6IDMuMTQ0LjEwMC4yNTIg جزيرة ام اند امز