مهنة النشر تغري النساء في معرض القاهرة الدولي للكتاب
المعرض يحظى بوجود العديد من الدور الناجحة التي تقوم بالكامل على إدارة من النساء، مثل "دار العين"، التي أسستها فاطمة البودي
على الرغم مما تواجهه صناعة النشر في عالمنا العربي من أزمات متنوعة، فإنها لا تزال تغري الكثير من السيدات في مصر، حيث لاحظ رواد معرض القاهرة للكتاب في دورته الـ50 المنعقدة حالياً، تنامي عدد النساء في مهنة النشر، التي تشهد نوعاً فريداً من أنواع "تمكين المرأة"، في وقت ينصرف الرجال عن المهنة.
ويحظى المعرض بالعديد من الدور الناجحة التي تقوم بالكامل على إدارة من النساء، مثل "دار العين"، التي أسستها المصرية د.فاطمة البودي، ودار "الكتب خان"، التي أسستها كرم يوسف، وهناك دور أخرى تعمل في الحقل منذ سنوات طويلة وآلت إدارتها لسيدات.
النشر رسالة وليس مهنة
ترى داليا محمد إبراهيم، أن العمل في النشر رسالة وليس مهنة، ورغم أنها تقلدت منصب رئيس مجلس إدارة دار نهظة مصر، بعد أن تركه والدها محمد إبراهيم، لكنها تقول إنها سبق وعملت بهذه المهنة سنوات كمساعد في الدار، وساعدها الحصول على الدكتوراه في علوم الإدارة على تقلد هذا المنصب.
وتقول داليا في حديثها لـ"العين الإخبارية": "كنت أنتمى إلى المؤسسة كأي فرد فيها قبل أن أتولى منصب رئيس مجلس الإدارة، إصراري أن يكون لي دور فعال في إثراء فكر المجتمعات العربية بمحتوى هادف، وإتاحته لكافة قطاعات المجتمع".
وأضافت: "النشر كأي عمل آخر لا بد أن تتواجد فيه الصعوبات والتحديات، والدافع والهدف يكون دائماً المحرك الأساسي، وهو ما يقلل من المتاعب".
وتعتبر دار "نهضة مصر" واحدة من أقدم دور النشر المصرية، والتي تم تأسيسها عام 1938 على يد أحمد إبراهيم، واستطاعت الاستمرار حتى وقتنا الحالي، بل وتتنوع مهام الشركة بين الكتب الدراسية والكتب المترجمة والأدب والكتب الفكرية.
الخبرة التراكمية
تتولى نورا رشاد إلى جانب الشقيقين نيرمن وأحمد رشاد، المهام التنفيذية للدار المصرية اللبنانية، التي نشأت في ثمانينيات القرن الـ20، وأصبحت الآن واحدة من أهم دور النشر في مصر، والأكثر حضوراً على منصات جوائز الشيخ زايد للكتاب عبر سنواتها المختلفة.
بدأت نورا التعلق بهذه المهنة والدخول في تفاصيلها منذ دراستها الجامعية، عندما كانت تسافر إلى المعارض الخارجية العربية والدولية مع والدها محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، وفور إتمام دراستها الجامعية في مجال الأعمال، قررت الانضمام إلى الدار في عام 2005 كأحد العاملين فيها، وتقول إن النجاح في مهنة النشر لا بد أن يكون بناء على خبرة تراكمية.
وتؤكد "رشاد" على أن هناك تحديات كبيرة تواجه هذه الصناعة، وخاصة أن هناك ظواهر عديدة تطرأ عليها، ومنها الخلاف بين دور النشر الكبيرة وبين الدور الحديثة، خاصة التي نشأت في أعقاب 2011، أو من يسمون أنفسهم بالناشر المستقل، حيث يرى الأخير أن الأول يريد احتكار السوق، وهو ما تنفيه "نورا" باعتبارها تنتمي إلى واحدة من دور النشر الكبيرة، مشددة على أهمية السوق المفتوح في مهنة النشر، خاصة أنه يحقق رواجا للصناعة بأكلمها، فقراءة كتاب جيد في دار نشر ما يمكن أن تكسب السوق قارئاً جديداً محباً للقراءة شغوفاً بها، ولكن هذه التعددية أيضاً لها جوانب سلبية، فقد سمحت بوجود دور نشر وعناوين رديئة.
وحول تجربتها في الدار، تقول "رشاد" إن والدها الذي يعمل في مجال النشر من السبعينيات، وأسس هذه الدار في عام 1985، لم يكن يعطي الإبداع جزءاً كبيراً من العناوين في مقابل الاهتمام بالإصدارت الكلاسيكية والفكرية، ولكن منذ عام 2007، بدأت الدار تركز على طباعة الروايات، وهو ما نجحت فيه الدار حتى أصبحت مصدراً لنشر عدد من الروايات التي تتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، وتحصد العديد من الجوائز.
وعندما عملت نورا في الدار إلى جوار أشقاءها، قررت التوسع في عمل لجان لقراءة الأعمال المقدمة من قبل الكتاب لفحصها جيداً، وتقديم مقترحات أحيانا لتطوير العمل، كما اعتمدت طرقا جيدة لقياس سوق النشر، وهي استطلاعات الرأي حول توجهات قطاعات معينة من الجمهور، وتحديداً الشباب، وأسباب تراجع أنواع معينة من الكتب ومن بينها الروايات لصالح أدب الرعب، الذي تعتبره رشاد "تريند" عالمياً.
وترى "رشاد" أن دورة نجاح الكتب في الفترة الراهنة 6 شهور فقط، بينما كانت في الماضي ما بين 3- 4 سنوات.
ومن بين الأنشطة التي أحدثتها الدار، هو نادي كتاب المصرية اللبنانية، وهو صالون شهري تعقده الدار لمناقشة واحد من أعمالها الصادرة حديثاً، بعيداً عن أحاديث النقاد التي قد يعتبرها القارئ العادي عسيرة الفهم.
وفي هذا الصدد تقول "نورا" إن النادي بدأ بهدف تشجيع القراءة، وكان يقوم بمناقشة أعمال الكُتاب جميعهم، ولكن مع الوقت تحول إلى مناقشة أعمال كُتاب الدار، ويستهدف النادي القراء العاديين، والذين يريدون أن يعبروا عن انطباعاتهم بطريقة بسيطة وسهلة.
التوجه الفكري والبصمة الخاصة
ومن جانبها، قالت بيسان عدوان، مديرة دار ابن رشد للنشر، إن مهنة النشر ليست مقتصرة على الرجال، إنما مبعث هذ الاعتقاد وأساسه هو قيام الناشر في عالمنا العربي بمتابعة كل مهام العمل، بدءاً من اختيار العناوين وتحريرها، ومتابعة عملية الطباعة وكافة التفاصيل حتى خروج الكتاب إلى يد القارئ داخل مصر وفي المعارض خارجها، وبالتالي هناك جهد بدني كبير يبذله الناشر.
وأشارت إلى أن مهام الناشر في الدول الأجنبية تقتصر على اختيار العناوين والمحتوي فقط، دون متابعة باقي عملية صنع الكتاب، وتابعت إن صناعة النشر في مصر والعالم العربي غالبا ما يكون نشراً عائلياً، ولهذا السبب لا تتصدر الناشرات النساء المشهد، مشيرة إلى أن هناك نساء عاملات في ميدان النشر ولكنهن لا يتصدرن المشهد لأسباب أخرى منها العادات والتقاليد.
وتؤكد "عدوان" أن عدد الناشرات النساء في مصر والعالم العربي قليلات مقارنة بأعداد الرجال، إلا أن ما يميزهن هو توجههن الفكري وبصمتهن الخاصة.
ومن اختيار اسم الدار، وهو للقاضي الشهير "ابن رشد"، والذي عادة ما يربطه المثقفون العرب بالتنوير، يمكننا أن نلحظ الاتجاه والتوجه الذي اختارته بيسان لنفسها كناشرة، وفي هذا الصدد تقول: "اسم الدار له علاقة بالتوجه الفكري".
وأشارت بيسان إلى أنها جزء من الجماعة الثقافية، وتؤمن بمبادئها، ومنها التنوير وتفتيت الخطاب الديني، وهو جزء من الخط العام، ولذا تنحصر الكتب والعناوين فيما يدعم هذا الاتجاه، وهو ما يميز الدار حسب قولها.
وتابعت: "هناك أقاويل تفيد بأن هذه الكتب لا تلقى رواجاً"، وهو ما تنفيه بيسان، مؤكدة على أن مدى الكتاب واسع، بمعنى أنها ربما تحقق مبيعاتها على مدار عام وليس شهور كما هو معروف في عالم الطباعة, مشيرة إلى أن عدداً كبيراً من إصدارات الدار صدرت لها طبعات ثانية وثالثة رغم أن الاتجاه العام يذهب إلى الاهتمام بالأدب ولاسيما الروايات.
وتضيف أن أسعار الكتب مخفضة للغاية، حيث أن الدار تستهدف القارئ الذي يبحث عن هذه الكتب ويريدها وليس أي قارئ عابر.
وتشير إلى أن الدار تدعم أيضاً الأدب، ولا سيما أدب الشباب، خاصة إذا كانوا ينشرون عملهم لأول مرة، شريطة أن تكون أعمالهم هادفة وجيدة، مضيفة أن هناك خطاً جديداً لدى الدار لنشر كتب الأطفال، خاصة تلك التي تعتمد على الأساطير بهدف تدعيم عادة القراءة منذ الصغر .
وتعتبر دار السعيد أحدث دور النشر التي تم تسجيلها في اتحاد الناشرين العام الماضي، وتقول لمياء السعيد، مدير الدار، إن صعوبة مهنة النشر في الحاجة إلى المتابعة على مدار اليوم من أجل إنتاج محتوي ثقافي جيد، يتنقل الناشر به من بلد إلى آخر.
وتابعت لمياء السعيد، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن سبب اختيارها لمهنة النشر هو عملها ككاتبة، كما عملت في عدد من دور النشر الخاصة قبل اتخاذ قرارها بتدشين دار نشر خاصة بها.
وتشير إلى أن عدد الناشرات العرب قليل للغاية، ولكنهن مميزات ولديهن بصمة وعلامة بفضل اختياراتهن، وحول آلية اختيار العناوين تركز "السعيد" على المحتوى بغض الطرف عن اسم الكتاب، مضيفة أنها ليس لديها توجه معين ولكن العناوين تتنوع ما بين الأدب والكتب الفكرية والاجتماعية.
من جانبه، علق سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين وعضو اتحاد الناشرين العرب، على هذه الظاهرة قائلًا: "خطوات المرأة في هذا المجال رائعة وملفتة للنظر".
وأشار "عبده" إلى أن عمل المرأة لا يقتصر على متابعة عملية النشر فقط، بل يحملون هموم المهنة على عاتقهن ويسعين لتغيير المهنة ومواجهة تحدياتها من خلال ترشيح أنفسهن في الانتخابات، ومن أبرزهن السعودية رنا المداح، التي رشحت نفسها في انتخابات اتحاد الناشرين العرب الماضية، رغم دخولها المجال منذ سنتين.
وتابع "عبده" في حديث لـ"العين الإخبارية": "تجربة الناشرات العرب جيدة للغاية، سواء كنّ في نشر عائلي أم مستقل"، مشيراً إلى أن الناشرات قدمن تجارب ناجحة في نشر الأطفال والكتب الفكرية والأدب بدءاً من هالة البستاني مروراً بلورا إلياس، وهالة حسين عمر وداليا محمد إبراهيم، ودينا الغمري، انتهاء بلمياء السعيد.
وأشار "عبده" إلى بعض تجارب النساء في هذا المجال، إذ استطعن الحصول على جوائز عربية ودولية، من أبرزهن داليا محمد إبراهيم، مضيفاً أن الناشرات بفضل جهودهن أيضاً تمكن من الوصول إلى منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي للنشر، ومنهن هند القاسمي.
وحول خريطة انتشار الناشرات في العالم العربي، يقول "عبده" إن مصر تعتبر رائدة من حيث تواجد الناشرات، يليها الإمارات العربية التي تتميز بالتنوع، والسعودية ولبنان، وفي تونس هناك سيدة تمتلك مكتبة وليست داراً، معتبرا أن تجربتهن رائدة وفريدة.
aXA6IDMuMTM1LjIwNS4yMzEg
جزيرة ام اند امز