القانون في المملكة المتحدة يشتبه بإرهابك إن قمت بتنزيل أو إعادة نشر محتوى إلكتروني ينطوي على أفكار متشددة.
الفعل يصنف كجريمة قد تؤدي بك إلى الاعتقال والسجن أيا كان سنك، والإرهاب يشمل التطرف اليميني والإسلاموي وأي فكر متعصب.
تُظهر بيانات الشرطة نموًّا في أعداد الصغار، الذين تورطوا في جرائم إرهابية خلال الأعوام القليلة الماضية.. حيث تشير الأرقام إلى أن 17 بالمئة من المعتقلين بتهم الإرهاب في عام 2022 كانت أعمارهم تقل عن 18 عامًا، مقارنة بـ4 بالمئة خلال 2020.
الزيادة دفعت بالحكومة للبحث عن قوانين تساعد اليافعين والمراهقين الذين تورطوا في جرائم إرهابية "خفيفة" على تقويم سلوكهم، بدلا من السجن والمحاكمة.. ولكن المساعدة لن تطال هؤلاء الذين نفذوا هجوما إرهابيا أو خططوا له.. وإنما فقط من نشروا أفكارا متشددة، أو قاموا بتنزيل مواد متطرفة عبر الإنترنت.. وبتعبير آخر، الذين انساقوا للأفكار المتطرفة نتيجة أسباب عارضة، أو حصيلة مشكلات نفسية أو صحية يعانون منها.
من تجدهم السلطات الأمنية يستحقون فرصة جديدة "للعودة عن إرهابهم"، ينضمون إلى برنامج إعادة تأهيل شديد الصرامة والرقابة.. فإما أن يلتزموه ويتبعوا مراحله، وإما يجدوا أنفسهم مرة أخرى رهنا للاعتقال والوقوف أمام المحاكم ليُسجنوا ويُعاقَبوا.
ثمة أبحاث تشير إلى ارتفاع أرقام المراهقين الذين "اعتنقوا" التشدد إلكترونيا منذ تفجر جائحة كورونا.. فكلما اتسعت المساحة الزمنية التي يقضيها الصغار على حواسيبهم وهواتفهم، زادت فرصة تواصلهم مع الجماعات المتطرفة. ومن يشعر بالقلق إزاء أفكار تتعلق بالعقائد والانتماءات، سيجد عبر صفحات ومواقع هذه الجماعات إجابات سهلة ومضللة تقوده مباشرة نحو التعصب والتشدد أولا ثم الإرهاب بعدها.
هكذا يفسر اختصاصيون تورط صغار السن في التطرف.. ويبدو أنهم يميزون بين مرحلة يتبع المراهق أو اليافع فيها الأفكار المتشددة دون أن تتمكن منه، وأخرى يصبح فيها أسيرا لما يعتقده، وخادما مطيعا لمن زرع التعصب في قلبه وعقله.
قد تكون النظرية صائبة في إنقاذ أعداد كبيرة من اليافعين والمراهقين قبل أن يتحولوا إلى إرهابيين.. ولكن ماذا عن الأطفال البريطانيين الذين وُلدوا في "دولة داعش" ويعيشون اليوم إلى جانب ذويهم في مراكز احتجاز شمال شرق سوريا.. هل يمكن أن تنظر حكومة لندن لهم كأشخاص يستحقون فرصة ثانية؟ هل يمكن إعادة تأهيلهم بطريقة ما بعيدا عن أخطاء عائلاتهم، فيعيشوا حياة طبيعية كأقرانهم في المملكة المتحدة.
قبل بضعة أشهر سمحت الحكومة لأول بريطانية "داعشية" بالعودة من سوريا إلى وطنها الأم برفقة ابنها.
أعلن عن الأمر دون ذكر اسمَي العائدَين، ولكن متحدث باسم المنزل رقم 10 سارع لتأكيد أن ما جرى لا يعبر عن تغير السياسة الرسمية تجاه الذين انضموا إلى التنظيم الإرهابي وهم يحملون جنسية المملكة المتحدة.
ويشير تقرير لصحيفة "صنداي تايمز" إلى نحو 60 امرأة وطفلا بريطانيا انتموا لتنظيم "داعش" الإرهابي يعيشون في سوريا.. معظمهم في مخيم "روج"، الذي يبعد ثلاث ساعات بالسيارة قرب الحدود العراقية.
غالبًا ما يشار إلى ذلك المكان بمخيم "الأرامل"، حيث يضم النساء والأطفال فقط، ويوجد به نحو 2600 معتقل من 62 جنسية.
ويقدر عدد الأطفال البريطانيين في مخيمات الدواعش شمال شرق سوريا بنحو 35 طفلا.
ومنذ نحو ثلاث سنوات، أعادت الحكومة عددا من الأيتام في هذه المخيمات. وحينها قال وزير الخارجية، آنذاك دومينيك راب، إن إعادة هؤلاء إلى الوطن هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله، على حد تعبيره.
الحكومة تؤكد أن الجهات المختصة تنظر لكل حالة على حدة.. فتدرس ظروفها ومعطياتها، وتتأكد من رواية أصحابها حول كيفية تورطهم في إرهاب "داعش".. وفي نهاية المطاف قرار هذه الجهات لن يتأثر إلا بالحقائق. وهذا يعني أن السلطات لن تسمح بعودة أي بريطانية أو بريطاني كان مع "داعش" إلا بعد أن تتأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لم يمارس الإرهاب والقتل وأنه أجبر على الذهاب إلى هناك بشكل أو آخر.
الحذر واجب، كما يقال.. وفي التعامل مع أشخاص يفضلون الموت على الحياة، ويؤمنون بالقتل وسيلة للتعبير عن معتقداتهم وتنفيذ رغباتهم، كما لا يدينون بالولاء لوطن ولا جنسية ولا حتى للإنسانية، يصبح الواجب مضاعفا.. ورغم ذلك يجب أن يتوقع الجميع أن يتحول الأطفال في مخيمات الدواعش إلى إرهابيين بعد سنوات قليلة.. ولأنه لا يمكن سجنهم مدى الحياة، لا بد من حل أزمتهم القادمة لا محالة.
في عام 2006 أنشأت الحكومة البريطانية برنامجا تحت اسم "بريفينت"، وظيفته الأساسية دعم مؤسسات ومنظمات مجتمعية لتوجيه الشباب بعيدا عن التطرف.. ولكن في شهر مايو الماضي، كشفت مقتطفات مسربة من مراجعة رسمية لهذا لبرنامج أن بعض الجهات المستفيدة من الدعم روّجت لأفكار متشددة أنجبت متطرفين.
وشرعت الحكومة في مراجعة برنامج "بريفينت" لمكافحة التطرف عام 2019، ولكنها لم تنتهِ حتى الآن.. ثمة تقارير صحفية تتحدث عن اكتمال هذه المراجعة، ولكن خلافا بين وزيرة الداخلية، سويلا برافرمان، ووزير المجتمعات المحلية، مايكل جوف، يعيق إصدار النتائج.. فجوهر الخلاف بين الوزيرين يدور حول أسماء شخصيات ومؤسسات تتضمنها المراجعة ويشتبه بتورطها في نشر التطرف.. ففي حين لا تفضل "برافرمان" نشر الأسماء خشية ردود فعل سلبية، يقول الوزير "جوف" إنه يتوجب نشر كامل تفاصيل المراجعة.
وزارة المجتمعات المحلية هي من ستتولى تطبيق نتائج مراجعة برنامج "بريفينت"، ولذلك لا بد من حل الخلاف بين الوزيرَين.
وفي الواقع، يبدو "جوف" محقا في ضرورة فضح كل المؤسسات التي كانت السبب وراء وجود عشرات الأطفال البريطانيين اليوم في مخيمات الدواعش شمال سوريا.. وربما لو مارست الحكومات البريطانية المتعاقبة الحسم في ملاحقة من استغلوا حرية التعبير لنشر التطرف في البلاد، لما قتل 93 شخصا في عمليات إرهابية ضربت إنجلترا وويلز بين أبريل 2003 ومارس 2021. نحتاج إلى أحد يهمس في أذن وزيرة الداخلية، فهناك مثل لاتيني يقول "الخوف من السيئ يوقعنا في الأسوأ".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة