أيا كان الساكن الجديد للمنزل رقم 10 بشارع "داوننج ستريت" في قلب لندن بعد الخامس من سبتمبر المقبل، فهو سيركز على ذات الملفات التي كانت تهتم بها حكومة بوريس جونسون في الشرق الأوسط.
وهي البرنامج النووي الإيراني، والعَلاقة مع إسرائيل، وإبرام اتفاق تجارة حرة مع مجلس التعاون الخليجي.. أما بقية أزمات وقضايا المنطقة، فلكل مقامٍ مقالٌ كما يقولون.
المرشحة الأبرز لرئاسة الحكومة المقبلة، وزيرة الخارجية ليز تراس، خططت وطبّقت سياسة حكومة جونسون في علاقات المملكة المتحدة مع دول وتكتلات العالم منذ 2021.. لذا فهي تعرف الخطوط الحمراء والأهداف والمساومات وترابط الملفات أكثر من وزير الخزانة السابق ريشي سوناك، وبالتالي يسهل عليها إكمال ما بدأته منذ العام الماضي.
في 7 أغسطس الجاري كتبت "تراس" رسالة إلى مجموعة "أصدقاء إسرائيل" في حزب المحافظين، أكدت فيها الدعم البريطاني اللا متناهي لإسرائيل.. كما وعدت بإعادة النظر في مسألة نقل سفارة بلادها من تل أبيب إلى القدس.. وهو أمر يشكّل، إنْ وقع، استدارة حقيقية في موقف المملكة المتحدة إزاء القضية الفلسطينية المستمر منذ عقود.
الحديث عن نقل السفارة قد يُفهم في سياق تودد "تراس" لمؤيدي إسرائيل بين أعضاء حزب المحافظين.. ربما لن يبلغ الوعد التطبيق أبدًا، ولكن ذلك لا ينفي حقيقة أن "تراس" تنتمي إلى تيار مؤيد جدًّا لتل أبيب.. وبالتالي ستضم حكومة "تراس" باقة من الوزراء المؤيدين لإسرائيل.
تضم مجموعة "أصدقاء إسرائيل" في بريطانيا أكثر من 2000 عضو، بين ساسة ورجال أعمال، وأكاديميين، وإعلاميين، وغيرهم.. وهي مجموعة تقوم بأنشطة عدة لكسب تأييد أعضاء البرلمان بغرفتيه، العموم واللوردات، تجاه القضايا المتعلقة بإسرائيل.. كما تنظم للنواب رحلاتٍ لتل أبيب تُبقيهم على مقربة من دائرة صنع القرار والسياسة الإسرائيلية.
وصول "سوناك" إلى السلطة لا يعني التخلي عن إسرائيل، ولكن قد يعني حكومة أقل تأييدًا لها بقليل.. فالعلاقة مع إسرائيل هي أساس تعامل بريطانيا مع الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، كما تقول "تراس".. والمملكة المتحدة "ملتزمة" بمعارضة امتلاك طهران للأسلحة النووية، حرصًا على أمن أقرب حلفاء المنطقة لها، إسرائيل.
الحرص على أمن إسرائيل، لن يصل إلى حد قيام بريطانيا بعمل فردي ضد إيران أيًّا كان نوعه.. لن تخرج المملكة المتحدة عن سياق العمل الدبلوماسي، الذي يمارسه الاتحاد الأوروبي وأمريكا في التعامل مع هذا الملف، إلا إنْ فشلت المفاوضات مع طهران.. حينها يصبح الموقف بحاجة إلى رد فعل من نوع مختلف، ويصعب التنبؤ به حاليًّا.
تقول "تراس" إن جميع الخِيارات مطروحة على الطاولة في حال فشل المفاوضات النووية مع إيران.. ولكنْ لهذه التصريحات جانب دعائي قد يزول بعد انتخابات الخامس من سبتمبر المقبل.
أما إنْ وقع اتفاق نووي جديد، فإن بريطانيا لن ترفض استئناف علاقاتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع إيران، ما دامت بقيت بعيدة عن أمن إسرائيل.
إضافة إلى دعم إسرائيل وإبرام اتفاق نووي مع إيران، ثمة أولوية ثالثة للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط تتمثل في تعزيز العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي سياسيًّا واقتصاديًّا.
هذه الأولوية لن تتغير مع وصول سوناك أو تراس إلى السلطة.. ولكن وزيرة الخارجية تحديدًا عملت بجهد لإنجاحها خلال زيارتها للسعودية وقطر في أكتوبر 2021، وفي الاجتماع الوزاري البريطاني الخليجي، الذي عُقد في لندن خلال شهر ديسمبر من العام ذاته.
تعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي بات أكثر إلحاحًا بعد الحرب الأوكرانية، وما برز من دور أساسي للسعودية والإمارات في الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة عالميًّا.
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون زار العاصمتين السعودية والإماراتية في مارس الماضي.
وفي 21 يونيو الماضي أطلقت وزيرة التجارة في حكومته، آن ماري تريفيليان، مفاوضات تجارة حرة مع الدول الخليجية الست، السعودية والإمارات وقطر والبحرين وعمان والكويت.
يعتبر مجلس التعاون الخليجي رابع وجهة تقصدها لندن هذا العام لإبرام اتفاقيات تجارة حرة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي نهاية 2020.. أولها كانت الهند ثم كندا وبعدها المكسيك.
ربما تواجه المفاوضات البريطانية-الخليجية بعض الصعوبات بسبب تباين سياسات دول المجلس الاقتصادية، ولكن إبرام الاتفاق مع كل دولة على حدة أمر وارد ومتاح جدًّا.
تظهر تقديرات حكومية بريطانية بأن إبرام اتفاقية تجارة حرة مع مجلس التعاون قد يؤدي إلى زيادة التبادل التجاري بين الطرفين بنسبة 16٪ على الأقل.. كما يعتبر مجلس التعاون الخليجي سابع أكبر سوق تصدير للمملكة المتحدة، وقد بلغ إجمالي التجارة بين الجهتين أكثر من 33 مليار جنيه إسترليني في عام 2021.. ناهيك بالاستثمارات المتبادلة في مجالات عدة.
في المحصلة، حفاظ رئيس الحكومة البريطانية المقبلة على أولويات جونسون في الشرق الأوسط لن يتغير، شرط ألا يحدث في المنطقة مفاجآت تخلط الأوراق وتعيد ترتيب الملفات من حيث الأهمية.. فهذه البقعة من العالم تنطوي على براكين خامدة كثيرة، وثورانها فجأة ينعكس على أمن المنطقة والعالم ككل، خاصة على الضفاف الشمالية للمتوسط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة