يذكر الناس في مصر واقعتين لتطبيق حكم الإعدام علانية، أو بالأحرى مشاهد أولية.
الواقعة الأولى كانت عام 1998 لـ3 مُدانين بقتل مهندسة وابنها وابنتها بغرض السرقة، والثانية في 2020 لإعدام هشام عشماوي بعد إدانته في هجمات إرهابية كبرى ضد الدولة المصرية.
الواقعة الأولى أُذيع حكم الإعدام بأوامر، حينها، من الرئيس الأسبق حسني مبارك، ورافقت كاميرات التليفزيون المصري المحكوم عليهم حتى الممر المؤدي إلى غرفة الإعدام، وبُثّت مشاهد توثيقهم وتلقينهم الشهادة، والواقعة الثانية وثّقتها الحلقة الأخيرة من المسلسل المصري "الاختيار 3"، حيث ظهر هشام عشماوي قبل تنفيذ الحكم مرتديًا ملابس الإعدام الحمراء.
قضية بث تنفيذ أحكام الإعدام، وخاصة ما يتعلق بجرائم النفس، رغم الجدل الكبير حولها، احتلت نقاشات المصريين على شبكات التواصل وغيرها، جراء طلب تضمّنته حيثيات الحكم بإعدام محمد عادل، المُدان بقتل الطالبة المصرية نيّرة أشرف، حيث طلبت هيئة المحكمة من المشرّع إصدار تعديل يتيح نشر وإذاعة عملية تنفيذ حكم الإعدام.
وقبل الخوض في جدوى طلب المحكمة، نتناول القضية الأم، التي تشغل بال العالم مؤخرا، وهي جدوى أحكام الإعدام نفسها في الحد من الجرائم..
فمثلا مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقول: "لا يتماشى استخدام عقوبة الإعدام مع الحق في الحياة والحق في العيش في مأمن من التعذيب، أو المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللا إنسانية، أو المُهينة".. ويبرز إجماع متزايد على الإلغاء العالمي لعقوبة الإعدام.. وقد ألغت نحو 170 دولة عقوبة الإعدام أو أوقفت العمل بها، سواء في القانون أو في الممارسة.. ولكن على الرغم من هذا الاتجاه، الذي يدعو إلى إلغاء عقوبة الإعدام، لا تزال تُستخدم العقوبة في عدد من البلدان، ويعود سبب ذلك إلى حد كبير إلى تصديق أسطورة أنها "تردع الجريمة".
"الأسطورة" تقول إن عقوبة الإعدام، وبالتالي إذاعتها، "تردع الجريمة"، لكن الواقع ينفيها بالتجارب المرصودة بحثيًّا، على قلّتها، فلم يثبت قطعيا مثلا أن التوسع في تنفيذ أحكام الإعدام يقلل من معدلات الجريمة، وبالتالي يصح أن ينسحب الحكم على إذاعة وقائعها على الهواء أمام جمهور عام.
في بحثه المعنون بـ"عقوبة الإعدام بين الإبقاء والإلغاء وفقا لأحكام القانون الدولي العام"، والمنشور ضمن مؤلف جماعي يحمل اسم "دراسات حول عقوبة الإعدام والحق في الحياة في العالم العربي"، الصادر عن مركز "عمان للدراسات وحقوق الإنسان"، يقول الدكتور أيمن سلامة: "من الناحية الإحصائية هناك دلائل مقنعة على أن عقوبة الإعدام لم تمنع الناس من ارتكاب الجرائم.. وإحدى العقبات الغريبة في وجه إلغاء عقوبة الإعدام هي الإحساس الذاتي الذي يحس به كثير من الناس من أنها تمنعهم هم أنفسهم من الانغماس في القتل وغيره من الجرائم، التي عاقب عليها القانون بالإعدام، ومن ثم فعقوبة الإعدام تمنع الناس، الذين ربما كان احتمال ارتكابهم لتلك الجرائم أكثر من ارتكابها.. فمن الخطأ افتراض أن جميع مَن يرتكبون جرائم خطرة أو معظمهم يقومون بذلك بعد التفكير في النتائج بشكل عقلاني، فجرائم القتل تُرتكب في معظم الأحيان في لحظات انفعال عندما تتغلب العواطف الهائجة على الصواب".
أما ما يتعلق بقضية "فتاة المنصورة"، فالأقرب للحدوث أن حكم إعدام محمد عادل، إنْ أقرّته محكمة النقض المصرية، التي من الوارد أن تغيّر مسارات القضية إنْ ثبت لها وقوع عَوار في تطبيق القانون، لنْ يُذاع على الهواء، وذلك ليس مدفوعًا بموجة الرفض أو التأييد الشعبي، ولكنه متعلق بتطبيق القانون، الذي لا ينص على علانية تطبيق عقوبة الإعدام.
وحال استجابة المشرّع لطلب هيئة المحكمة بتعديل القانون، فيستلزمها خطوات طويلة، أولها مشروع قانون يُرفع من الحكومة إلى مجلس النواب في مصر، أو من أعضاء بالمجلس، ليمر بدورة من الإجراءات قد تصل إلى المحكمة الدستورية حال الخلاف في تطبيق البنود، وهو ما أعتقد أن يسبقه تنفيذ حكم الإعدام، قياسًا على سرعة وتيرة سير المحاكمة.
إذاعة تنفيذ الإعدام يمثل خطورة كبيرة على القضية ذاتها، فبمجرد ظهور المتهم في أولى الجلسات، وإطلاقه مزاعم للإفلات من العقوبة، اكتسب موجة تعاطف يسهل قياسها، فماذا سيكون الأمر إن ظهر منهارا أو باكيا أو زائغ البصر، أو صارخا، مَن يمكنه الجزم ألا تكون هناك موجة تعاطف أكبر؟!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة