الإخوان الإرهابية إلى تدوير أزمة القيادة بعناوين جديدة
أعاد تنظيم الإخوان الإرهابي تدوير أزمة عميقة تهدد وجوده تحت عناوين جديدة ما يعني أن التنظيم الذي يتلقى ضربات ميدانية منذ سنوات لا يزال يترنح داخليا بتأثيرها.
وضرب التنظيم القائم على مبدأ السمع والطاعة خلافات بشأن أرفع منصب في التنظيم المرشد العام، وبعد تكتم لشهور خرج الخلاف إلى العلن خلال العام الماضي واستمر الصراع محتدما خلال العام الجاري فيما لم تتغير المعادلة بين أطراف النزاع، رغم وفاة أحد قطبي الصراع.
ومع انتشار خبر تعيين القيادي صلاح عبدالحق قائما بالأعمال خلفا لإبراهيم منير الذي توفي مطلع الشهر الماضي، وجماعة إسطنبول (الجبهة المناوئة لمنير بقيادة محمود حسين) تتحفز تجاه تلك الخطوة، فأعلنت حسابات على تويتر تابعة "لجبة إسطنبول" رفضها اختيار "جبهة لندن" قائما جديدا بالأعمال، وبدأت في حملة لرفض الخطوة دون الإفصاح عن اسمه.
وغرد حساب على "تويتر" باسم إيمان محمود وصفت نفسها بالمتحدثة الإعلامية بالجماعة أن "جماعة الإخوان في مصر وفروعها بالخارج هي الوحيدة المخولة باختيار قيادتها، وليس من حق أحد من خارجها أن يفرض عليها قيادة بالمخالفة لكل النظم واللوائح".
وتابعت قائلة "لقد فرغت الجماعة من ترتيب صفوفها واختيار قيادتها وفقا لنظمها ولوائحها غير عابئة بالمحاولات اليائسة التي تستهدف وحدة صفها، واستدعاء قيادة مزعومة لتكون بديلاً عن قيادتها الشرعية".
وأشارت إلى أن الجماعة في الوقت الراهن تبقي هياكلها غير معلن عنها لتفادي الملاحقات الأمنية، حيث تصنف الجماعة في مصر وعدد من الدول العربية تنظيما إرهابيا.
والمرشد الحالي للجماعة محمد بديع يقضي عقوبات بالسجن وينتظر تنفيذ أحكام بالإعدام صدرت بحقه في قضايا إرهابية.
وتمنع لائحة الجماعة تولي القيادات في السجن مهام تنظيمية لكن مناصبهم وعضويتهم في مكتب الإرشاد لا تزول.
وتتهم جبهة إسطنبول الجبهة المناوئة التي تتخذ من العاصمة البريطانيا مركزا لأنشطتها، بالسعي إلى التصالح مع النظام في القاهرة، وهو أمر حسمته السلطات المصرية بالتأكيد على أن الجماعة غير مرحب بها في الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس عبدالفتاح السيسي في أبريل/نيسان الماضي.
وفي السياق نفسه غرد حساب باسم أحمد عاصم وصف نفسه بالمتحدث الإعلامي للإخوان المسلمين قائلا: "قلوب الإخوان قبل جوارحهم تقف صفاً واحداً وسداً منيعاً وحجر عثرة أمام الجهود العبثية لتنصيب قيادة غير شرعية، وحرف الجماعة عن مسيرتها ولفتها عن طريقها".
وناشد عاصم من وصفهم بـ"الأخوة الذين يتم الزج بهم في أتون مخالفة أخلاقية وتنظيمية" بالرجوع إلى "صوابهم ويدركون أن هذه جرائم سيسجلها تاريخ الجماعة في صفحات الخزي والعار لأصحابها".
وكانت الجبهتان قد عزلتا من طرف واحد قيادات الجبهة الأخرى، ما يعني أن شرعية قرارات كلتا الجبهتين مشكوك فيها، ما يخلق أزمة عميقة في تنظيم يعتمد على مركزية القرارات، وهو الأمر الذي أتاح على ما يبدو ظهور جبهات جديدة وانشقاقات أخرى تنادي بعزل الجبهتين المتنافستين وتولي القيادة.
سر وصية منير الغامضة
واستطلعت "العين الإخبارية" آراء خبراء بشأن مستقبل الجماعة في ضوء الانشقاقات، وما إذا كان اختيار صلاح عبدالحق قائما بالأعمال سيزيد من حدتها أم أن شخصيته ستساهم في لم شمل التنظيم المتشظي، وما حقيقة موقف جبهة محمود حسين من تلك الاختيارات التي تمت بدونه وطبيعة رد فعله وتأثيره على الجماعة ومستقبلها.
وإجابة على تلك التساؤلات، أكد منير أديب الكاتب والباحث في الحركات المتطرفة أن الإخوان في جبهة لندن قد استقروا بالفعل على تسمية صلاح عبدالحق قائما بالأعمال خلفا لمنير.
وأوضح أن هذه الأنباء صحيحة وأن الجماعة لم تعلن بشكل رسمي عن تسميته لأسباب تنظيمية، فالرجل لم يكن موجودا بتركيا، والجماعة تحاول في الوقت الحالي إنهاء إجراءات إقامته وتجهيزه لتولي المنصب".
وأوضح أديب لـ"العين الإخبارية" أن قصة اختيار عبدالحق تكشف إلى أى مدى وصل تنظيم الإخوان من الضعف والهشاشة، فقد كان تسمية "عبدالحق" من خلال وصية "لإبراهيم منير" مكتوبة كان قد كتبها واستودعها أحد القلائل المؤتمنين على أسرار الجماعة.
وعبدالحق من تنظيم 1965 وقطبي التفكير (نسبة إلى القيادي سيد قطب الذي أعدم خلال النصف الثاني من القرن المنصرم)، وينال ثقة القيادة في السجون، كما أنه معروف على مستوى الأجيال التاريخية للإخوان، وربما رأى فيه منير قدرة على لم الشمل لأنه لم يتورط في الانخراط في الملاسنات ولم يكن سببا في الانشقاقات، بحسب أديب.
في انتظار شهادة الوفاة
من جانبه، يرى هشام النجار الكاتب والباحث في الإسلام السياسي أن اختيار القائم بالأعمال من طبقة القطبيين سيزيد من الانشقاقات بين الجماعة، ولا يوجد ضمانة على قبول الرأي العام الداخلي له.
ورأى النجار، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن "إصرار جبهة لندن على الانفراد بتسمية القائم بالأعمال وعدم الاهتمام بباقي أفرع الجماعة سيؤدي حتما إلى صراعات تفوق التراشق اللفظي الحالي بين الجبهات المتنافسة، وربما يتطور إلى التحول إلى تيارين معاديين لبعضهم بعضا.
وأضاف أن التحرك السريع لجبهة إسطنبول بتسمية محمود حسين قائما بأعمال المرشد ستجعل الصورة الذهنية عن جبهته تبدو متماسكة، وأن أي شخص سيتم تسميته سيبدو كأنه ينازعه منصبه الشرعي.
كما يرى النجار" أن ميل جبهة لندن لاختيار شخصية قطبية هو انحياز لجيل الستينيات ضد جيل السبعينيات، وأن ما عرف سابقا بصراع الأجيال داخل الجماعة هو حقيقة وملموسة وما زالت تبعاته حاضرة في اختيار القياديات الجديدة".
ويلفت النجار النظر إلى أن مهمة القائم بالأعمال ليست مجرد واجهة، بل سيكون أمام عبدالحق مهام ثقيلة منها حل الخلافات بين أفراد جبهته وحل الإشكاليات التنظيمية مع محمود حسين، واحتواء أعضاء جبهة "الكماليون" (نسبة للقيادي المتشدد محمد كمال الذي قتل خلال اشتباكات مع الشرطة المصرية) ومحاولة استعادة رصيد الجماعة التنظيمي من الأعضاء الذين جمدوا أنفسهم بعد تبادل الاتهامات، وسيكون أمامه مهمة عسيرة، وهي استعادة مكانة الإخوان وسط الجماعات الدعوية والتربوية.
من جانبه رأى طارق البشبيشي القيادي السابق في الجماعة والكاتب في الإسلام السياسي أن كل خطوات الإخوان نحو لم شمل التنظيم محكومة بالفشل.
وأضاف قائلا لـ"العين الإخبارية" أن "البناء الفكري للجماعة قائم على اصطفاء وطهورية أعضائه، وما تم خلال الفترة الماضية من اتهامات بالعمالة والخيانة والسرقة وبعد الانحرافات الأخلاقية لم يعد من الممكن تجاوز الخلافات القائمة".
وتابع: "الجماعة سواء في جبهة إسطنبول أو لندن قد ماتت إكلينيكيا ولم يبق إلا رفع أجهزة التنفس الصناعي عنها لاستخراج شهادة الوفاة".
محمود حسين والأرض المحروقة
وحول رد فعل جبهة إسطنبول يرى أديب أن حسين كان ولا يزال يحمل إبراهيم منير مسؤولية انقسام التنظيم، ويرى أنه هو -أي حسين- المستحق للقيادة، لأنه يستطيع أن يدير الجماعة والتنظيم بكفاءة، لهذا لن يقبل بأحد غيره مرشدا للجماعة.
وتوقع أديب أن "يقوم حسين بحملة شعواء ضد أي شخص يمكن أن يتولى المهمة، سواء بتشويهه في السوشيال ميديا أو استمرار الصفحات التابعة له بتكرار الحديث عن اللائحة والشورى وضوابطها، وأنهم غير ممثلين شرعيين للجماعة ولا يملكون أن يتحدثوا باسمها، إضافة إلى غمز ولمز بالعمالة لصالح مخابرات دول أخرى".
فيما يرى النجار أن حسين لن يتورط في شجار مع القائم بالأعمال الجديد، سوف يتبع سياسة التجميد للمشاكل وهي سياسة إخوانية بامتياز تقوم على تجميد الوضع الحالي، وأن يظل الوضع قائما كتنظيمين منفصلين.
من ناحيته، يرى البشبيشي أن محمود حسين لن يقبل بأي شخص، وسيتبع سياسة الأرض المحروقة ولن يسمح ببقاء التنظيم الموازي يكبر أو يتمدد وسيقف أمامه بكل إصرار، وسيتعاون مع الشيطان من أجل عدم اكتمال تلك الخطوة، لأنه من البديهي أن يقوم المرشد الجديد باستكمال باقي هياكل الجماعة.
aXA6IDMuMTM1LjIwNi4yMjkg
جزيرة ام اند امز