رفض الوصاية فسعوا لاغتياله.. جمال عبدالناصر وإرهاب الإخوان
"لا رجعية ولا إخوان" هتاف انطلق قبل عشرات الأعوام في مصر، ليعود صدى صوته مجددا في القاهرة والعديد من الدول العربية.
ذلك الهتاف كان مصاحبًا لأحد المؤتمرات التي عقدها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، ليكشف فيه عن ألاعيب الإخوان، والتي انقلب فيها التنظيم "الإرهابي" على الدولة المصرية وحاول إبرام صفقات مع بريطانيا المستعمر السابق لمصر على حساب البلاد.
إلا أنه رغم ذلك الموقف وما تلاه من مساعي الانقلاب على الدولة أبرزها محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، إلا أن النظام المصري -آنذاك- مد يد الصلح لتنظيم الإخوان وعفا عن قادته وأطلق سراحهم، ليفاجأ بعدها بمحاولات جديدة كان عمادها الجهاز السري للتنظيم، فكانت نقطة التحول بين الدولة المصرية والتنظيم الإرهابي.
معارك جمال عبدالناصر مع الإخوان
في ذكرى رحيله الـ52، لن يكون هناك أفضل من الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر ليكون متحدثًا عن تجربته و"معاركه" مع تنظيم الإخوان، والتي بدأت في العام 1953 وما تلاه من أعوام، والتي وثقها في أحد خطاباته الشهيرة.
يقول الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في خطابه الشهير، الذي تحدث فيه عن الإخوان، إن التنظيم نصب نفسه في العام 1953 وعام 1954، على الثورة، إلا أنه ما إن اختلف مع الدولة حتى أعلن الحرب عليها.
وأوضح الرئيس المصري الراحل، أنه في العام 1953 كان النظام المصري -آنذاك- يريد التعاون مع الإخوان شريطة أن يسيروا في الطريق الصحيح، مشيرًا إلى أنه التقى المرشد العام للإخوان المسلمين حينها (حسن الهضيبي)، للتحدث حول ذلك الأمر، إلا أن الأخير اشترط عدة شروط؛ بينها ضرورة إقامة الحجاب في مصر.
إلا أن الرئيس الراحل أقام عليه الحجة قائلا، إن "الدولة ترى أن كل شخص يجب أن يكون مسؤولا عن نفسه، فرد عليه مرشد الإخوان: أنت الحاكم المسؤول"، ليدحض عبدالناصر حجته، قائلا: "ابنتك في كلية الطب ولا تحتجب، فهل تريدني أن أجعل 10 ملايين امرأة في مصر تحتجب وأنت لم تستطع فرض رؤيتك على أهل منزلك؟!".
لا عمل للمرأة
"جلوس المرأة في المنزل" والذي يعد أحد أدبيات تنظيم الإخوان، حاول المرشد الأسبق (حسن الهضيبي) فرضه على الدولة المصرية، في حوارها مع التنظيم، إلا أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أكد لهم أن "المرأة حينما تعمل؛ فعملها بمثابة حماية لها من الحاجة والفقر، أما منع المرأة من العمل فهو ضد صالحها (..) نحن نحرر المرأة بمنحها فرصة العمل".
فيما كان المطلب الثالث لـ"الإخوان"، غلق السينما والمسارح، والذي قوبل بالرفض حينها من جمال عبدالناصر، ما دفع التنظيم إلى الانقلاب والاصطدام على الدولة، "فبدؤوا في العام 1954 التضليل باسم الدين، ودبروا محاولة الاغتيال فحوكموا أمام محكمة الثورة"، يقول الرئيس الراحل.
محاولة الاغتيال
وكان تنظيم الإخوان خطط في 26 أكتوبر/تشرين الأول عام 1954، لاغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، في أثناء إلقاء خطاب في ميدان المنشية بالإسكندرية، شمال، في حادث عرف فيما بعد بـ"حادثة المنشية".
وفي العام نفسه (1954)، وبينما كانت تحاول مصر التفاوض مع "الإنجليز" (المملكة المتحدة المحتل السابق لمصر) من أجل الجلاء، "كان أعضاء الإخوان في الجهة المقابلة يعقدون مفاوضات مع السفارة البريطانية، يخبرونهم فيها بأنهم سيتولون السلطة وأنه على الإنجليز التعامل معهم"، بحسب الرئيس الراحل عبدالناصر في خطابه الشهير.
تلك المحاولات وغيرها، دفعت جمال عبدالناصر في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1954، إلى إصدار قرار بحل تنظيم الإخوان، ليبدأ بعدها صراع التنظيم مع الدولة الذي اعتقل فيه "أعضاء الإرهاب وحوكموا"، بحسب تصريحات الرئيس الراحل.
تضميد الجرح
وفي محاولة من الدولة المصرية لتضميد جرح محاولة الاغتيال، سعت قبل كتابة الدستور في عام 1964 إلى الصلح مع الإخوان، فعفا الرئيس جمال عبدالناصر عن أعضاء التنظيم وأطلق سراحهم من السجون، وسن قانونًا لإعادتهم إلى عملهم، على أن يستعيدوا مكانتهم والترقيات التي فاتت عناصرهم.
إلا أن تلك المحاولة قوبلت بممارسة تنظيم الإخوان ديدنه، فانقلب على الدولة المصرية مجددًا؛ إلا أن الأجهزة الأمنية ضبطت في العام 1965، "مؤامرة جديدة لتنظيم الإخوان ممثلة في الجهاز السري للتنظيم كان يخطط فيها لاغتيالات جديدة وعمليات حرق وتدمير"، بحسب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي قال إنه تم "ضبط بعض المقالات، التي تكفر الشعب والتي كان يتحدث فيها تنظيم الإخوان، بأن عليهم الاستيلاء على السلطة".
وقال عبدالناصر، إن "الدولة المصرية قررت -آنذاك- اعتقال رؤوس تنظيم الإخوان الخطيرين ممن أفرج عنهم عام 1964، وإطلاق سراح الباقين ممن لم يمثلوا خطرًا، على أن يحصلوا على فرصة ثانية، شريطة ألا يمارسوا ألاعيب الإخوان مرة أخرى".
حقد دفين
وعن تنظيم الإخوان، قال عبدالناصر إن "الحقد يملأ قلوبهم ونفوسهم؛ فقياداتهم في الخارج تعاونوا مع الدول الاستعمارية ومع جميع أعداء الدولة المصرية وأثبتوا أن حزب الإخوان، ليست إلا حركة تعمل لحساب الرجعية، يمولها الاستعمار".
واستدل على موقفه، بتصريح سابق لمرشد الإخوان الهضيبي، الذي سئل عن موقف الحزب من الحرب التي تخوضها الدولة المصرية ضد الاستعمار، فرد قائلا: "إننا دعوة واسعة، قد تكون مصلحة المصريين المحاربة في القنال، إلا أن من مصلحتنا المحاربة في مكان آخر".
اقتلاع التنظيم
تلك المواقف السابقة والتي سجلها عبدالناصر في خطابه الشهير، كانت شريطًا مكررًا حاول تنظيم الإخوان نسخه في العام 2012، بعد تولي أحد عناصره محمد مرسي سدة الحكم في مصر، إلا أن عامًا واحدًا من حكم الإخوان، كان كفيلا بخروج الملايين من المصريين لاقتلاع التنظيم من جذوره وإعادته إلى جحوره قبل عشرات الأعوام.
وتكررت تلك التجربة المصرية والتي كانت الأكثر "جرأة" في توقيتها، وإن كانت بدرجة أقل في البلدان التي شهدت ما يعرف بـ"ثورات الربيع العربي"؛ فرفع المغرب وليبيا والجزائر الراية الحمراء في وجه التنظيم، وأدمت جرحه النازف في الانتخابات البرلمانية والبلدية التي شهدتها.
إلا أن دولة تونس والتي منيت بعشرية سوداء حكم فيها التنظيم البلد الأفريقي، نسخت التجربة المصرية واقتلعت التنظيم من جذوره، فيما تحاول في الوقت الحالي طي صفحته للأبد.
aXA6IDE4LjE4OS4xNzAuMjI3IA== جزيرة ام اند امز