في سابقة جريئة لمسؤول في الشرعية اليمنية، كشف الدكتور أمين محمود محافظ تعز، لأبناء المحافظة والإعلام بتواجد طابور خامس يعرقل تحريرها
في سابقة جريئة (لكنها غير مفاجئة) لمسؤول كبير في الشرعية اليمنية، كشف الدكتور أمين محمود محافظ محافظة تعز، لأبناء المحافظة والإعلام بتواجد طابور خامس يعرقل تحرير المحافظة من مليشيات الحوثي، وبحسب مصادر متعددة منها صحيفة الرياض في عددها الصادر في الخامس عشر من أبريل الجاري، عقد المحافظ مؤتمراً صحفياً شن فيه هجوماً لاذعاً على حزب الإصلاح (أخوان اليمن) واصفاً عناصره بالطابور الخامس، واعتبرهم ذراع المليشيات الحوثية في تعز (وهو ما أكدته صحيفة الرياض على لسانه بعنوان عريض) كما اتهمهم بالسعي إلى تعكير العلاقة مع التحالف العربي.
من ناحية أخرى خرج أحد الأحزاب اليمنية عن صمته، وأصدر بياناً ثمّن فيه ما ورد في كلمة محافظ تعز التي شدد فيها أيضاً على ضرورة العمل المشترك، والتركيز على تحرير المحافظة من مليشيا الانقلاب الحوثي، ووجه الحزب في بيانه اتهامات لحزب الإصلاح باتخاذ مواقف مرتجلة وتحريضية لإشعال الفتن والحرائق.
جاء كل ذلك بعد مظاهرة احتجاجية دعا إليها إخوان اليمن أتباعهم للتعبير عن رفضهم لقيام طارق محمد صالح بتجميع قواته لتحرير المحافظة بدعم من التحالف، ورغم أن قوات طارق أو ما يسميها البعض بحرّاس الجمهورية اتجهت للساحل الغربي لاستكمال مرحلة التحرير التي بدأتها المقاومة الجنوبية والتحالف بقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، وحققت فيها العديد من الانتصارات، إلا أن الرعب الذي انتاب الإخوان من ذلك، وخوفهم على مصالحهم الحزبية وأطماعهم المتنامية التي قد تطيح بها النتائج السياسية لأي انتصارات يحققها حراس الجمهورية، جعل الحزب يحرّض أتباعه للخروج رفضاً لتحرير تعز، تحت حجة أن البقاء تحت سيطرة مليشيات الحوثي أهون من أن يحررها طارق وحراس الجمهورية، وهو أمر أثار استهجان الكثير من اليمنيين؛ خاصة من أبناء تعز الذين يعانون أشد المعاناة من مليشيات الحوثي؛ ويتمنون تحريرها بأسرع وقت، هذا الأمر أكد للجميع التوافق الخفي بين الإخوان والحوثيين، والذي عملت قطر في الآونة الأخيرة على الدفع بمزيد من التقارب والتناغم بينهما.
يبدو أن الإخوان صاروا يخشون رد فعل التحالف ضدهم إن فعلوها، فلم يعد الحوثي هو العدو الذي يُخشى لديهم، بل هو الحليف المرتقب إن اقتضت المصلحة، ولا توجد جماعة تقدّس مصلحتها قبل مصلحة الوطن ومصلحة أي شيء، كما تفعل جماعة الإخوان
والحقيقة أن العلاقة بين الطرفين لم تعد خافية على أحد، كما أن الطرفين هما أكثر المستفيدين من إطالة أمد هذه الحرب، وخلال الثلاث السنوات التي مرت من عمر الحرب، عمل الإخوان بكل قواهم على محاربة أي قوى تحاول حسم هذه الحرب باتجاه النصر على الحوثيين، فمنذ سنوات وهم يتفننون بخلق الكثير من الأعذار لعدم حسم جبهة نهم شرق صنعاء، رغم كل الإمكانيات الضخمة والمليارات التي دعمهم بها التحالف، وفي تعز حيث يعيش كثير من أتباعهم وحيث تعمل كثير من منظماتهم المدنية، وحيث يقود ما يعرف بالجيش الوطني هناك عدد من قادتهم العسكريين، عمل الإخوان على عرقلة جهود أي مقاومة تنشأ هناك من خارج إطار حزبهم، وشنوا حرباً شرسة على جماعة السلفيين بعد أن لمسوا جديتهم لتحرير المحافظة، بل وقفوا ضد أعضاء بعض الأحزاب عندما حاولوا تشكيل جبهة صلبة في منطقة الحجرية لمقاومة الحوثيين، ووصل الأمر بالإخوان إلى محاربة تشكيلات عسكرية رسمية تتبع الشرعية لمجرد أنها غير خاضعة لهم، وتمادى الأمر للتشكيك ببعض قادتها وتخوين قادة آخرين ومسؤولين حكوميين لا ينتمون لحزب الإصلاح، مثل عارف جامل وعدنان الحمادي قائد اللواء 35 مدرع؛ الذي سبق محافظ تعز باتهام وحدات عسكرية وأحزاب سياسية في إشارة لتنظيم الإخوان بالتواطؤ مع خلايا الاغتيالات، وإيواء الجماعات الإرهابية في تعز.
ليس هذا وحسب، بل عمل الإخوان أكثر من مرة على التآمر على أي إنجاز عسكري في المحافظة، وكم من مرة لاحظنا سقوط مواقع مجدداً بيد الحوثيين بعد تحريرها، كما حصل بعد تحرير القصر الجمهوري في المدينة، الذي سقط وتحرر أكثر من مرة، ودائماً يرجع الإخوان سبب سقوطه وعدم تحرير مناطق كثيرة في تعز لعدم توفر الدعم الكافي لهم!.
وهي الحجة التي أثبت التحالف العربي عدم مصداقيتها، وأكد على ذلك رئيس الوزراء اليمني السابق بحاح، الذي تحدث عن استلام المقاومة في إحدى المرات فقط مبلغ ٣٠٠ مليون ريال سعودي، وهو المبلغ الذي اعترف أحد قادة المقاومة المنتمين للإخوان باستلامها ساخراً من ضآلة المبلغ، رغم علمه أن هناك دفعاً أخرى كثيرة من الدعم المالي واللوجيستي قد استلمه الجيش واستلمتها لمقاومة واستلمه هو من قبل، وذهبت جميعها أدراج الرياح، كما ذهب هو بالمبلغ الأخير الذي استلمه فوراً الى استنبول دون أن يحقق أي نتيجة ميدانية على أرض المعركة!.
مع ذلك لم يسلم رئيس الوزراء السابق من تخوين الإخوان له، وشن حملة إعلامية شرسة ضده، اتهموه فيها بعرقلة تحرير تعز وربطوا تحرير تعز بإقالته، ورغم أنه تحقق لهم ما يريدون، لكن الوضع بعد إقالته لم يتغير لا في تعز ولا في مختلف الجبهات التي سيطروا على قيادتها.
ذات الحملة تُشن الآن على محافظ تعز بعد أن فضح الدور الإخواني المعرقل لتحرير المحافظة، فهكذا هي سياسة الإخوان، إما أن تكون خاضعا لهم، راضياً عن انتهازيتهم، مشاركاً في فسادهم، إما اعتبروك عدواً لهم، وإذا انتقدتهم ستصبح في مرمى نيرانهم وسيسلطون كتائبهم الإعلامية ضدك، ويتهمونك بمسيلمة الأكاذيب التي هي في الغالب جزء متأصل في كثير من قادتهم وأعضائهم.
تظل تعز التي تعتبر العاصمة الثقافية لليمن، والتي تتوق للمدنية والحضارة، مدينة عصيّة على أن ترهن روحها للإخوان وهي لديها كثير من الأحرار الذين يتحدون الظروف الصعبة والمعاناة التي تعيشها المحافظة، ويرفضون الخضوع للجماعات الظلامية وينبذون أي فكر متطرف يتنازع مدينتهم، وهو الفكر المشترك الذي يجمع بين جماعة الحوثي والإخوان، كما تجمعهما اليوم قطر لدعم بعضهما، ومنع أي محاولة حقيقية لتحرير محافظة تعز وغيرها تحت ألف حجة واهية!
وأصبح جلياً أن عرقلة الإخوان لتحرير تعز لا تعود فقط لرغبتهم في السيطرة وإطالة أمد الحرب، واستغلال الدعم العسكري الذي يصلهم من التحالف لتقوية شوكة مليشياتهم العسكرية، واستغلال الدعم الإغاثي الذي يزوّد به التحالف اليمن (والذي تستلمه كثير من جمعياتهم ومنظماتهم المدنية للمتاجرة به، وتكوين ثروات وشراء ولاءات وأتباع للحزب بما تبقى من القليل منه) ليس ذلك فحسب، وإنما أصبح جلياً أيضاً أن عرقلة تحرير تعز تساعد الحوثيين على ضمان السيطرة على المدخل الجنوبي لصنعاء، وسيطرتهم على عدد من المحافظات القريبة منها كذمار وآب، والتي ستسقط تباعاً وتخرج عن سيطرة الحوثيين إذا تحررت تعز، وبدأ الجيش اليمني بالانطلاق منها شمالاً لتحرير صنعاء.
أيضاً من أهم أسباب عرقلة الإخوان لتحرير تعز، هو الخوف من أن تخرج عن سيطرتهم بعد تحريرها، ففي حين يحاصر الحوثي المدينة من أكثر من جهة، يحاول الإخوان أن يكونوا رديفاً موازياً له بالسيطرة على المدينة من الداخل بدلاً من تحريرها بالكامل، وفك الحصار عنها والتقدم نحو محافظتي آب وذمار وصولاً لصنعاء، يريدون أن يفرضوا ذات السيطرة التي استطاعوا أن يفرضوها في مارب، حتى يبدو أنهم حققوا إنجازاً عسكرياً يستخدمونه كورقة رابحة، يساومون بها للمشاركة في السلطة في حال توقفت الحرب وتم التوصل لتسوية سياسية، وربما إن شاءت قطر ورأوا فيهم الاستطاعة لذلك، سيسلمون ما سيطروا عليه من مواقع للحوثيين ويدخلون في شراكة معهم، وهو الأمر الذي عرضوه من قبل على الحوثيين بعد سقوط صنعاء في سبتمبر٢٠١٥، عندما ذهب وفد من قيادات الإخوان لزيارة عبدالملك الحوثي في مران، لكن عبدالملك رفض هذه الشراكة، والتي كان قد مهد لها إعلامهم حينذاك دون جدوى.
اليوم وفي ظل الهزائم الموجعة التي ألحقها التحالف والمقاومة في صفوف الحوثيين، وفي ظل الانتصارات التي تحققت في جبهة الساحل الغربي وتحرير الجنوب بالكامل، قد يوافق عبدالملك على هذه الشراكة، لكن يبدو أن الإخوان صاروا يخشون رد فعل التحالف ضدهم إن فعلوها، فلم يعد الحوثي هو العدو الذي يُخشى لديهم، بل هو الحليف المرتقب إن اقتضت المصلحة، ولا توجد جماعة تقدّس مصلحتها قبل مصلحة الوطن ومصلحة أي شيء، كما تفعل جماعة الإخوان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة