يلحظ المتأمل لإعلام الإخوان، والملتحقة بهم، سواء التقليدي أو منصاتهم الإلكترونية الموجهة من خارج مصر، فيما يخص تصوراتهم أو اقتراحاتهم لمواجهة وحل المشكلات والعقبات الاقتصادية والاجتماعية، التي تواجه ما يفترض أنه بلدهم، مصر، مجموعة سمات مؤسفة متكررة.
فهذا الإعلام، كما سبق لنا الذكر في مقالات سابقة، لا يقوم بشيء سوى ملاحقة ما يجري في مصر من سياسات وإجراءات تقوم بها الدولة في مختلف المجالات، خصوصا الاقتصادية والاجتماعية، مكتفين بالتعليق عليها سلبيا وتصيُّد كل ما يتوهمون أنه مفيد لهم في السعي لتشويهها وتحريض فئات الشعب المصري ضدها وضد مَن قام باتخاذها، أي الدولة.
والمنطقي هو أن يتصور البعض أن هذه الجماعة، التي سعت لحكم مصر منذ نشأتها عام 1928 لما يزيد على ثمانية عقود حتى اقتنصته جزيئا ثم كليا عام 2012، وأقصاها الشعب المصري عنه بثورة 30 يونيو 2013، تملك من الأفكار والتصورات والبرامج العملية في مختلف المجالات، خصوصا الاقتصادية والاجتماعية، ما يمكنها من مواجهة كل المشكلات والأزمات المصرية على هذين الصعيدين وتقديم الحلول والبدائل لها.
وما زاد طوال هذه العقود الثمانية من ترسيخ وترويج ذلك التصور عن الجماعة في عديد من الأوساط المصرية وغير المصرية، سواء الشعبية أو الإعلامية، هو مساحة الدعاية الواسعة التي صنعتها الجماعة الإرهابية حول نفسها وزعم امتلاكها حزمات من الحلول والبدائل وتقديم نفسها لهذه الأوساط تحت مصطلح، روّجت له حينها ومعها عديد من وسائل الإعلام ومراكز البحوث والدراسات الغربية، وهو مصطلح "البديل" الجاهز للنظام السياسي ولكل ما كان قائما في مصر.
لكن الجماعة عندما أتيحت لها الفرصة غير المسبوقة -والأخيرة- لحكم مصر جزئيا أولا بالحصول على الأغلبية المطلقة الواسعة مع حلفائها على مجلسَي البرلمان المصري "الشعب والشورى"، ثم السلطة التنفيذية كاملة "رئاسة الجمهورية والحكومة"، اكتشف كل المخدوعين فيها وكل مَن تحمّس لها بأنها "البديل" الوحيد لما كان يجري في مصر مدى زيف ادعائها.
فالإخفاق في إدارة كل الملفات الداخلية والخارجية، سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وأمنية وغيرها، كان هو السمة المسيطرة على كل سياسات وإجراءات وقرارات جماعة الإخوان الحاكمة حينئذ، ما أوصل البلاد إلى حافَة الهاوية والانهيار التام، الأمر الذي لم تستطع الغالبية الساحقة من المصريين تحمُّله أو السماح به وصولا إلى فقدان بلدهم، فخرجوا بالملايين ليُسقطوا الوهم الزائف أو حكم الجماعة في 30 يونيو 2013.
ولم يكن الفشل الذريع والفاضح والفادح لحكم الإخوان ناتجا فقط عن زيف وكذب ادعاءاتهم بامتلاك الحلول والقدرة على تطبيقها في كل المجالات، بل عن إصرارهم على التصرف كجماعة مغلقة تدير البلاد باعتبارها امتدادا للجماعة وليست وطنا يتجاوزها بآلاف المرات، وبمنطق المغالبة والانفراد التام بالحكم وإدارة البلاد تحقيقا لرؤيتها في "التمكين".
وقد حرم هذا الجماعة وهي في الحكم من أي رغبة أو قدرة على التشاور أو الاستعانة بما في مصر من خبرات سياسية وفنية وإدارية كبيرة ورؤى أخرى معتبرة تمتلكها كيانات سياسية غيرها، لأن هذا كان يتضمن بالضرورة اعتراف الإخوان بزيف وكذب ادعائهم بأنهم "البديل" الذي يمتلك كل الحلول وسبل إنهاء الأزمات.
لكل هذا، فقد كان منطقيا للغاية أن يتسم إعلام الإخوان، والملتحقة بهم، بكل أصنافه، بافتقاده أي نوع من المقترحات أو البدائل لما يعلقون عليه من تطورات مصرية، خصوصا في مجالات الاقتصاد والاجتماع، مكتفين بالتشويه والتزييف، حتى يصلوا إلى حالة الإفلاس التام، التي يظهرون بها على منصاتهم الدعائية، ويتأكد للجميع أنهم وجماعتهم أكثر ضآلة بكثير من هذا البلد الكبير العريق، الذي يتوهمون قدرتهم على حكمه وإدارة شؤونه، وأنهم لا يرون إلا "السراب" في الصحراء الشاسعة لفشلهم التاريخي الذريع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة