سياسة
محمد البحيري.. ماذا نعرف عن كاهن الإخوان "الأعظم"؟
جولة جديدة من صراع طويل الأمد بين جبهتي "الإخوان"، عمقت الهوة داخل التنظيم الإرهابي، وضبطت بوصلته على توقيت "التدمير الذاتي".
تلك الجولة التي ضاقت أركان التنظيم عن تحمل حرارتها، فلفظت حممها البركانية للعلن، بقرارات جبهة إسطنبول قبل أيام بفصل إبراهيم منير (القائم بأعمال مرشد الإخوان) قائد جبهة لندن و13 قياديا من أتباعه.
واللافت أن تلك القرارات استهدفت محمد أحمد البحيري؛ الذي يعد أحد قياديي "الإخوان" المؤثرين بشكل كبير في تكوين فكر وأيديولوجية التنظيم على مدار سنوات خلت، بل إنه يعد من أخطر الشخصيات داخل الجماعة الإرهابية، مما كان لقرار عزله صدى واسع، تسبب في نشوب خلافات وإزعاج داخل الجبهتين المتصارعتين على قيادة الإخوان.
فمن هو البحيري؟
المهندس محمد أحمد البحيري، يعد أحد القيادات التاريخية القطبية والتي عاصرت مفكر الإخوان المتشدد سيد قطب، وكان ضمن "تنظيم 65" في مصر، الذي أُسس لتنفيذ عدة اغتيالات و"تغيير الدستور بالقوة"، بحسب نص لائحة الاتهام التي وجهتها السلطات المصرية –آنذاك- لعناصر التنظيم.
واتهم البحيري؛ الذي كان مسؤولا عن مجموعة "السيدة زينب" في قضية (تنظيم 65) وحكم عليه بالسجن المؤبد، بعد أن كان يعمل مهندساً كيميائياً في شركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات في حلوان (أقصى جنوب القاهرة)، بحسب كتاب "الإخوان المسلمون الزلزال والصحوة" لمؤلفه محمد الصروي.
وفي منتصف السبعينات وعقب خروجه من السجن، قبل انقضاء مدة عقوبته، كُلّف محمد البحيري من قبل قيادات الجماعة بالذهاب إلى اليمن للإشراف على عناصر تنظيم الإخوان المصريين الذين كانوا يعملون بالمدارس والمعاهد التعليمية هناك.
فرصة ذهبية
فرصة كانت "ذهبية" للبحيري والذي أسس إمبراطورية إخوانية مترامية الأطراف، بعد أن استفاد من البطالة التي كانت تعاني منها مصر، والتي دفعت أعضاء الإخوان للسفر إلى اليمن للعمل كمعملين سواء في المدارس الحكومية أو المعاهد العلمية الخاصة التي كان يسطر عليها الإخوان.
وبحسب سامح عيد الكاتب والباحث في الإسلام السياسي والقيادي الإخواني السابق، فإن البحيري أسس تنظيمًا للإخوان المصريين في اليمن، مع توافد الأعداد الكبيرة منهم إلى هناك، فأشرف على كتائب ومعسكرات تربوية بدءاً من الأسر لصقل أتباعه بصفات خاصة، تؤهلهم لما يريد تكليفهم به.
وأضاف القيادي الإخواني السابق، في حديث لـ"العين الإخبارية": "عندما كثر أتباع البحيري أوفد بعضهم إلى دول في إفريقيا مثل: الصومال وجيبوتي ونيجيريا والسنغال ومالي وموريتانيا وكينيا والسودان، بالإضافة إلى دول وسط آسيا مثل قرغيزيا وأوزبكستان، وروسيا البيضاء والشيشان وأوكرانيا، تحت مسمى تعليم اللغة العربية للمسلمين.
وأشار إلى أن البحيري كان له دور كبير في ترحيل العديد من اليمنيين والمصريين إلى باكستان وأفغانستان بالتعاون مع عبد الله عزام القيادي الإخواني والأب الروحي للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة المسلحة هناك، بهدف تأسيس تنظيم إخواني هناك، تحت مظلة العمل الإغاثي أو الخيري.
وأشار عيد الذي التقى محمد البحيري أثناء مقامه باليمن، إلى أن الأخير يدرك حجم وخطورة انتشار أتباعه في تنظيم الإخوان؛ فقد ظل في صنعاء حوالي 20 عاماً، مسؤولاً عن تنظيم الإخوان المصريين باليمن، وكون شبكة علاقات ممتدة وسرية.
"الكاهن الأعظم"
إلا أن الرياح لم تأت بما تشتهي السفن؛ فالبحيري انتقل في منتصف السبعينات -بعد فترة من التوترات في اليمن- إلى السودان ليستقر هناك ويتزوج من زوجته الثانية، ويدير عمله في التنظيم الدولي من الخرطوم، بحسب عيد الذي لقبه بـ"الكاهن الأعظم".
وعن سماته الشخصية، قال القيادي الإخواني السابق، إن البحيري كشأن باقي الإخوان القدامي "يرون أنهم هم الجماعة والجماعة هم"؛ فلا يستمع إلا لرأيه ولا يستشير أحدًا، مشيرًا إلى أنه "فظ غليظ القلب، معروف بالشدة والصرامة".
صفات لم يختلف عليها المهندس أحمد المسيري القيادي السابق في الإخوان وعضو المكتب السياسي بالجماعة، والذي وصف البحيري بـ"الرجل الغامض" و"المريب"، مشيرًا إلى أنه كان يمنح أعضاء الإخوان العائدين من اليمن درجات تنظيمية تؤهلهم لقيادة الجماعة دون غيرهم مثل رتبة العامل، والنقيب، وكان يزرع فيهم قيم الطاعة والثقة والولاء لشخصه.
وتابع: "عندما كان يعود أي إخواني بدرجة نقيب (مربٍ ومسؤول إداري) من اليمن لمصر (400 قيادي كل عام)، كان البحيري يعينه في مكتب الإخوان الإداري للمحافظة التي يسكنها أو مسؤول شعبة، مما رفع عدد أتباعه الموزعين داخل القطر المصري ويتبوؤن مكانة مفصلية بالتنظيم، إلى حوالي 10 آلاف على مدار 20 عامًا".
القيادي الإخواني السابق، قال إن الرياح إذا سارت وفقًا للترتيبات؛ فإن انتخابات التنظيم في مصر كانت ستأتي بالبحيري مرشداً أو بمن يرضى عنه، لقدرته على تشبيك أتباعه في تنظيم سري خاص داخل تنظيم الإخوان.
وحول سبب تكوينه تنظيمًا سريًا داخل الإخوان، قال المسيري إن زرع الأتباع والمؤيدين للشخص لا للفكرة؛ أحد وسائل قادة الإخوان لضمان استمررهم في مناصبهم.
فصل البحيري
وعن سبب فصل البحيري من التنظيم وتأثيره على جبهة لندن، قال المسيري، إن البحيري لم يكن منحازاً في بادئ الأمر لأي طرف، مشيرًا إلى أن الأخير أجرى جولات مكوكية للمصالحة بين جبهتي الإخوان المتصارعتين، إلا أن جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين، سربت على لسانه تصريحات يدعمهم فيها وينفي فصل مجموعة الستة، مما دفعه لإنكار ذلك في تسريب صوتي شهير.
وبحسب المسيري، فإن البحيري هدد بأنه "سيدعو على من ظلمه"، وهي طريقة لها "سحرها" على أعضاء الجماعة وعلى وجه الخصوص من تربوا على يديه، باعتباره "رجلا ربانيا مستجاب الدعوة".
بيد أنه مع تصاعد الخلافات كان على البحيري أن يحسم أمره، نظراً لمطالبة أتباعه له بالكشف عن موقفه منعاً للالتباس، فانجاز إلى جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير، فرد محمود حسين بفصله، في محاولة من الأخير لإضعاف تأثيره على الصف الإخواني بمصر، بحسب المسيري.
"تكفير" المجتمع
من جانبه، قال طارق البشبيشي القيادي السابق والكاتب والباحث في الحركات الإسلامية، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن محمد البحيري يعد من أخطر الشخصيات في تنظم الإخوان؛ فهو من القطبيين الذين يؤمنون بالعنف ويكفرون المجتمع.
وأشار إلى أن عمله في المنفى دائماً، ترك أثراً سلبياً على سماته الشخصية؛ فأصبح كتوماً لا يشارك أحداً الرأي، ويخفي قراراته حتى عن معاونيه، مؤكدًا أن البحيري يعمل بشكل "تآمري" دائماً.
وأكد البشبيشي، أن أزمة البحيري وجيله من الحرس القديم أنهم يرون أنفسهم "حراس العقيدة الإخوانية"، مشيرًا إلى أنه بات يدير الصراع الحالي من منطلق المصلحة المالية وليس الفكرة؛ فرغم أن أفكاره تتسق مع جبهة محمود حسين إلا أنه يؤيد إبراهيم منير.
وأشار البشييشي إلى أن موقف البحيري من الصراع الحالي ليس له تفسير إلا أنه يميل حيث كفة الأموال التي هي مادة الصراع داخل الإخوان، بالإضافة إلى أنه يخشى كشف أوراقه بعد تسريب قيادي إخواني يدعى أمير بسام، مقطعا صوتيا نشر في أكتوبر/ تشرين أول 2019 يقول فيه إن "محمود حسين اعترف أنه أخذ ما ليس حقاً له، بمشاركة محمود الإبياري وإبراهيم منير ومحمد البحيري".
نتائج عكسية
من جانبه، يرى مصطفى حمزة الكاتب والباحث في الإسلام السياسي في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن محمد البحيري هو أحد أهم أقطاب الإخوان حاليا؛ فهو يرى أنه الأحق بالقيادة من بعد إبراهيم منير، لذا ينحاز إلى جبهة لندن.
وأشار إلى أن فصله لن يكون مفيداً لجبهة إسطنبول، بل سيأتي بنتيحة عكسية؛ فالرجل يسعى لتولي مهام أكبر مع منير.
وعن تأثير سن الرجل الذي يقترب من الـ80 عاماً على طموحاته، أوضح حمزة أن إبراهيم منير يقود التنظيم حالياً، وعمره 84 عاماً، مشيرًا إلى أن هناك دائما معاونين للمرشد أو القائم بالأعمال.
وأكد أن للبحيري مكانة خاصة لدى الإخوان؛ إضافة لمكانته لدى العديد من الإخوان الذين قام بتربيتهم عبر 20 عاما في اليمن والمنتشرين في تنظيمات الإخوان المختلفة في أوروبا وأسيا وإفريقيا والذين يمكن أن يدعموه في قيادته للإخوان".