منذ تأسيسها عام 1928 وحتى اليوم، يبدو واضحاً للدارس المدقق في تطور جماعة الإخوان، أنها تمر خلال السنوات الأخيرة بمرحلة مختلفة نوعياً وجذرياً عما شهدته في تاريخها كله.
تتعدد ملامح هذه المرحلة الحالية، من تنظيمية وفكرية وحركية ومعنوية وغيرها، لتصب جميعها في نتيجة واحدة: بقايا جماعة ذات رؤوس متعددة متباينة (إن لم تكن بالفعل أصبحت عدة جماعات)، وتراجع هائل في صفوفها التنظيمية، وفي تأثيراتها القديمة على الرأي العام المصري الذي تحول معظمه للعداء لها، وتشتت وتناقض فكري غير مسبوقين، وفقدان مروع لعلاقاتها الدولية التي كانت تبنيها على سمعتها المزيفة بأنها جماعة إسلامية سلمية معتدلة كانت تصلح بديلاً لنظم الحكم القائمة قبل عقد من الزمان في بلادنا، وانهيار إلى القاع لتواجد فروعها العربية في الحكم أو قريبة منه ومعه شعبية بدت في أوجها قبل هذا العقد.
حال جماعة الإخوان الراهن غير خاف على دارس أو سياسي أو مراقب، وبالطبع على من تبقى من قيادات وأعضاء فرقها المتباينة، ولا على الرأي العام في مصر وغيرها من دول العالم العربي. وفي هذا السياق، اخترنا ملمحاً واحداً مما تعرفه خلال هذه السنوات الأخيرة ما تبقى من الجماعة، ضمن الملامح السابق ذكرها، لكي نتناوله في السطور الحالية.
يتعلق هذا الملمح بأساليب العمل السياسي والجماهيري للجماعة وموقع الإعلام منها منذ تأسيسها وحتى ما قبل العقد الأخير، الذي يبدأ بإطاحة الشعب المصري بحكمها القصير المظلم لبلده بثورته العظيمة في 30 يونيو/حزيران 2013. فقد مثل الإعلام بمختلف صوره المتعاقبة والمتطورة مع التقدم الزمني، واحداً من اهتمامات الجماعة وإحدى وسائلها في الدعاية والانتشار الجماهيري.
وتعددت وسائل الإعلام التابعة للجماعة منذ عام 1933 بمجلات وصحف يومية وأسبوعية وشهرية، أبرزها مجلة "النذير" الأسبوعية وجريدة "الإخوان المسلمون" اليومية ومجلة "الدعوة"، وغيرها في عصر الإعلام التقليدي القائم على الصحافة المطبوعة. ومع ظهور وانتشار الإنترنت والصحافة الإلكترونية في نهايات الألفية الثانية وبدايات الألفية الجديدة، أولت الجماعة مبكراً اهتماماً ملحوظاً بها وأسست منابرها المتعددة على الشبكة العنكبوتية.
ومع كل هذا الاهتمام بالإعلام وحضور الجماعة فيه طوال تلك السنوات، إلا أن ملمحين رئيسيين مرتبطين حكما هذا التواجد والدور الإعلامي. الأول هو أن الجماعة الموحدة ظلت حتى قبل العقد الأخير هي الكيان التنظيمي الوحيد بقيادتها، هي التي تدير هذا الإعلام وتعده مكملاً لأنشطتها الأصلية من تجنيد وتنظيم وتحركات جماهيرية وغيرها، وليس بديلاً للجماعة بكل تكويناتها المركبة.
الملمح الثاني هو أن المهمة الرئيسية لاستمرار الجماعة على قيد الحياة، وهو تجنيد العضوية الجديدة، قد ظلت تمارس بالوسائل المعروفة الموروثة للجماعة منذ تأسيسها والتي يلعب الاتصال المباشر فيها الدور المركزي، ولم يكن إعلام الجماعة في ظل هذه الاستراتيجية المستقرة للتجنيد يلعب دوراً يذكر، هو فقط للدعاية وجذب اهتمام بعض الذين يمكن تجنيدهم فيما بعد بهذه الوسائل الموروثة.
ومع المرحلة الراهنة التي تمر بها الجماعة منذ عقد تقريباً، والتي ذكرنا بعضاً من ملامحها آنفاً، لحقت تغيرات هائلة بإعلام الجماعة والملتحقة بها الموجه كاملاً من خارج مصر وعلاقته بما تبقى من الجماعة نفسها. فكل هذه الملامح تؤكد أن مفهوم الجماعة الواحدة قد انتهى تماماً، وأن رؤوساً أو جماعات متباينة تشكلت لكل منها إعلامها.
كما أكدت تلك الملامح أن قدرة كل هذه الرؤوس أو الجماعات على التجنيد الجديد بالوسائل المباشرة الموروثة داخل مصر، قد أضحى هدفاً قصي المنال. كذلك، فإن الهزائم الهائلة التي تلقتها الجماعة على صعيد المجتمع المصري، دفعت إعلام فرقها المتباينة إلى تغيير جوهر رسالته القديمة، والذي كان الدعاية للجماعة بما يزيد من شعبيتها، إلى حيث أصبح وفقط مستهدفاً التحريض على الحكم في مصر والسعي بأي وسيلة لخلخلته.
في ظل كل ملامح هذا الانهيار الكبير، يبدو جلياً أنه على صعيد الإعلام وما تبقى من جماعة الإخوان، أن إعلام فرقها المتباينة أصبح هو الجماعة – أو الجماعات – نفسها، فكل الأدوار الأخرى التنظيمية والحركية والجماهيرية والمالية وغيرها، التي كانت حكراً على الجماعة وقت وحدتها وقوتها، قد تلاشت أو هي على وشك هذا، ولم يبق لديها، أو يحل محلها، سوى ذلك الإعلام الخاص بفرقها المختلفة وببعض الملتحقة بهم، لكي تدخل بقايا الجماعة في منعطف تاريخي غير مسبوق منذ تأسيسها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة