الإفطار الرمضاني.. شهية الإخوان تصطدم بالنفور العام من الجماعة
في مرحلة انعدام وزن تعيش جماعة الإخوان الإرهابية على وقع التخبط، فيما تضرب المجتمعات والحكومات حولها طوقا من النفور والرفض.
ويعكس قرار جناح الإخوان بقيادة محمود حسين، الأمين العام السابق للتنظيم، الذي أعلن من طرف جبهته قائما بأعمال مرشد الجماعة، إلغاء حفل الإفطار السنوي في رمضان، جانبا من هذا الارتباك.
السبب الذي أعلنته الجبهة، هو مراعاة الظروف التي يمر بها التنظيم لذلك فقد قرر حسين التبرع بالأموال المخصصة للحفل لصالح أسر المسجونين.
وكانت الجماعة قد توقفت بالفعل عن إقامة حفلات الإفطار الجماعي التي كانت تقليدا أثيرا لديها منذ عام 2013، حينما أطاحت ثورية شعبية في مصر بالتنظيم من حكم البلاد.
غير أن الجماعة المصنفة إرهابية في عدد من دول الشرق الأوسط كانت قد استأنفت التقليد الرمضاني منذ عام 2017، من دون أن يحدث جديد في قضية المسجونين.
وصدرت خلال السنوات الماضية أحكام في مصر بحق قيادات وكوادر التنظيم في أعقاب أعمال عنف شملت حرق كنائس وأعمالا إرهابية أخرى راح ضحيتها المئات من أفراد الجيش والشرطة والمدنيين.
لذلك لا يبدو التبرير الجديد بشأن عدم إقامة حفل الإفطار الرمضاني قابلا للتسويق بحسب مراقبين مختصين في شؤون الإخوان.
ويرجح المراقبون أن يكون "فيتو" تركي وراء إلغاء الحفل الذي كان مناسبة ترويجية رئيسية لدى جماعة الإخوان.
وتنشط جبهة حسين في إسطنبول، لكن منذ عودة العلاقات إلى مسار التطبيع بين القاهرة وأنقرة، أغلقت تركيا منصات إعلامية للجماعة، وبات وجود قيادتها في البلاد عبء سياسيا، خاصة بعد أن لفظت شعوب شمال أفريقيا التنظيم الإرهابي وبات محل شكوك وملاحقات غربية.
وأمام تخبط جبهة إسطنبول، وترويجها لمراعاة مشاعر الصف الإخواني في السجون، لم تلعن الجبهة المنافسة في لندن بقيادة صلاح عبد الحق موقفها من تنظيم الإفطار الرمضاني.
وتستغل الجماعة حفلات الإفطار الرمضاني لدعوة رموز العمل العام والأحزاب والمفكرين ورموز العمل النقابي، في فعالية كانت الجماعة تنتظرها كل عام.
حول هذا الموضوع رأى طارق البشبيشي القيادي السابق للإخوان، والكاتب والباحث في الحركات الإسلامية، أن إفطار الإخوان له هدف وغاية وهي إعادة تقديم الجماعة كقوة سياسية بديلة، مع الترويج لأكذوبة أن الجماعة تعمل بشكل علني ومدني، وتقبل بأدوات اللعبة السياسية من حريات ومن ديمقراطية.
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" أنه "في البداية كانت تلك الاحتفالات مجرد إفطارات متوسطة الدعاية وكانت تتم بكل محافظة حسب قوة التنظيم فيها، وهذا التوسع والانفتاح على المجتمع ارتبطت بخطة التنظيم في الانتشار التي تم اعتمادها عقب تولي المرشد الخامس مصطفى مشهور الذي عين مأمون الهضيبي متحدثًا رسميًا باسم الجماعة، واستمر إفطار الإخوان حتى بعد أحداث يناير/كانون الثاني 2011".
وأشار البشبيشي إلى "توقف الإخوان في الفترة التي تلت مظاهرات الشعب المصري في 30 يونيو/حزيران 2013 التي انتهت بسقوط الإخوان، يعود بالأساس لخطاب الكراهية الذي بثته كوادر الجماعة ضد الشعب المصري، فضلاً عن سقوط كافة أكاذيب الجماعة التي كانت تنظم الإفطار من أجله، مثل أكذوبة أنها جماعة سياسية ترغب في العمل السياسي بقواعده، وأنهم جماعة دعوية تربوية، أو أن النظام الحاكم يمارس ضدها مظلومية غير مبررة".
ويستطرد البشبيشي قائلًا: " لكن الإخوان عادوا ينظموا إفطاراتهم في الخارج باسم المرشد بعدما اكتشفوا أن كل ادعاءاتهم بأنهم سيسقطون النظام المصري وسيعودون للحكم ذهبت أدراج الرياح، فأرادوا إعادة جماعتهم الإرهابية للوسط السياسي، عبر تكرار خطابهم القديم بأنهم جماعة تتعرض للظلم والتعسف، ربما يكتسبوا حلفاء جدد لم يجربوا خيانتهم في السابق".
وتابع: "نظموا إفطارًا في عام 2017 وما تلاه وظلوا يكررون خطابهم الساقط، حتى بعد حدوث الانشقاقات في صفهم وظهرت الخلافات للعلن، فقد استمرت جبهة محمود حسين تنظم الإفطار باعتبارها الوريث الشرعي لمكتب الإرشاد المصري (أعلى هيئة تنفيذية في جماعة الإخوان)".
ويعتقد البشبيشي أنه في ظل التراشق الإعلامي بين جبهتي إسطنبول ولندن وانشغال الصف الإخواني في الداخل المصري بأزماته، وانفضاض القوى السياسية عنهم لم يعد من المناسب الجهر بمدى الإخفاق العام للتنظيم عبر إقامة حفلهم السنوي.
ومن جانبه، رأى أحمد المسيري القيادي الإخواني السابق وأمين الشباب في حزب الحرية والعدالة في محافظة البحيرة سابقًا، أن إلغاء الإفطار لهذا العام يعود بالأساس لفشل الجماعة المستمر في تقديم نفسها كقوة داخل المشهد السياسي المصري والعالمي، وللتضييق عليهم في تركيا التي تحاول أن تعيد علاقتها بالدولة المصرية.
وقال المسيري في تصريح لـ"العين الإخبارية": "لقد عاصرنا تاريخ الجماعة منذ بادية تحركهم في السبعينيات وحتى سقوطهم المدوي في 2013 وتبين لنا حجم الأكاذيب التي كان قادتهم يروجونها وصدقها الشباب"، مستكملًا "أن قصة الإفطارات العامة التي ينظمها الإخوان، تبدأ من استغلال الجماعة للمواسم الدينية للانتشار وجذب عناصر جديدة، لهذا كانت الإفطارات تختلف أهدافها من مرحلة لأخرى".
وأوضح المسيري أنه "في البداية كان الإفطار بسيط يقيمه أفراد الشعبة في مسجد تابع للجماعة ويتم دعوة الشباب والطلاب من أبناء الحي، بهدف التعارف، ويحدد الإخوان الشخصيات التي سيتم تجنيدها في هذا الإفطار، وبعد أن أكتمل التنظيم من إعداد المجندين من الشباب في أوائل التسعينات وحتى قرابة نهايتها، بدأت الجماعة تسعى لتوطين فكرها في أوساط قيادات العمل العام في المحافظات المختلفة، وتغير هدف الإفطار الإخواني المحلي من خطوة للتجنيد إلى إقامة علاقة مع مخالفي الإخوان لتحيديهم أو على الأقل ليخففوا من نقدهم وليقللوا من حدة الاشتباكات الفكرية مع الجماعة ورموزها".
وأشار المسيري إلى أن فكرة الإفطار السياسي العام المعلن بدأ بشكله المعروف بعد لقاء الإخوان بسفراء الدول الغربية فيما يعرف بـ "لقاء النادي السويسري" في مطلع الألفية الثانية والذي كان بمثابة تدشين مرحلة عمالة الإخوان الرسمية لمخابرات الدول الغربية، وكانت مطالبهم بشكل مباشر الانفتاح على المجتمع المدني وطرح أنفسهم كقوة سياسية وليس جماعة دينية".
وتابع: "لهذا نظموا الإفطارات السنوية في فنادق فاخرة ودعوا إليها قادة الفكر وقتها وبعض القيادات السياسية ورموز العمل النقابي، وتضمن برنامج الحفل دائما كلمة للمرشد وقتها، التي كانت كلمة سياسية بامتياز، تم توجيهها بعناية للنظام الحاكم وللقوى السياسية وللأحزاب المعارضة، وليس هذا فقط بل كان الخطاب يغازل الرأي العام العالمي في الخارج، كل هذا مع استعراض فج لقوتهم التنظيمية، والتعريف بقيادات الجماعة ورموزها، ونجح الإخوان وقتها في تقديم الجماعة كفاعل رئيسي يقود فصائل المعارضة".
aXA6IDE4LjE4OC42OC4xMTUg جزيرة ام اند امز